افتتحت وزارة الصحة اليوم مركز مسقط للتعافي بولاية العامرات؛ لتقديم خدمات العلاج والتأهيل من الإدمان، وذلك برعاية معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي محافظ مسقط، وبحضور معالي الدكتور هلال بن علي السبتي وزير الصحة، ومعالي الدكتورة ليلى بنت أحمد النجار وزيرة التنمية الاجتماعية، وعدد من المسؤولين. ويأتي المركز الجديد إضافة نوعية ضمن منظومة الخدمات الصحية المتكاملة، ويستهدف تقديم خدمات التأهيل والتعافي لمرضى الإدمان، والإصابات النفسية، والعصبية وغيرها من الحالات التي تحتاج إلى رعاية تأهيلية طويلة الأمد.

وقال سعادة الدكتور سعيد بن حارب اللمكي وكيل وزارة الصحة للشؤون الصحية: افتتاح المركز يعد نقلة نوعية في منظومة الرعاية الصحية النفسية والإدمان في سلطنة عمان؛ حيث يعد مركز مسقط للتعافي أول مركز حكومي متخصص في التأهيل والتعافي من الإدمان، وتم تدشينه بالشراكة مع شركة تنمية نفط عمان ومؤسسة الجسر للأعمال الخيرية.

وأكد اللمكي أن المركز يمثل مظلة متكاملة للخدمات العلاجية للمدمنين، تبدأ بمرحلة التخلص من السموم، مرورا بمرحلة التأهيل، وصولًا إلى مرحلة التعافي والدعم النفسي، مشيرا إلى أنه تم تسجيل 495 حالة إدمان في عام 2024 وهو رقم استدعى وجود بنية متخصصة تساعد في احتواء هذه الظاهرة، والتعامل معها بفعالية. وأوضح أن المركز سيسهم في سد الفجوة الكبيرة التي كانت قائمة في خدمات التأهيل والتعافي؛ حيث كانت الخدمة موزعة بين مستشفى المسرة، وبعض المراكز الخاصة، والرعاية النفسية في المحافظات، وأصبحت الآن كلها مجتمعة تحت سقف واحد؛ لتسهيل حصول المرضى على العلاج.

وقال اللمكي: إن المركز يضم (170) سريرًا، منها (40) سريرًا؛ للتعافي المدمج مع ما كان يُعرف سابقًا ببيوت التعافي، و(130) سريرًا؛ لإزالة السموم والتأهيل الطبي والنفسي. وهناك خطط لتوسيع نطاق الخدمات لتشمل محافظات أخرى.

وأكد سعادته أن الشراكة مع القطاع الخاص عنصر بالغ الأهمية لتسريع تنفيذ مثل هذه المشاريع الصحية؛ فقد أُنشئ مركز مسقط للتعافي بدعم من تنمية نفط عمان، ومؤسسة جسر الخيرية، وهذا التعاون أثمر عن مشروع يخدم شريحة كبيرة من المرضى الذين يحتاجون إلى دعم حقيقي في مسار التعافي.

ودعا سعادته الأشخاص الذين يعانون من الإدمان إلى عدم التردد في التوجه إلى المركز لتلقي العلاج؛ للحصول على الرعاية، والعلاج، والدعم النفسي، في بيئة آمنة ومهنية. وأشار اللمكي إلى أن العمل جارٍ على إنشاء مركز آخر في صحار بالتعاون مع القطاع الخاص، مع خطط لإنشاء مركز ثالث في ظفار، بما يفتح الباب لمزيد من التوسع في تقديم خدمات التعافي.

من جانبه قال الدكتور يوسف بن محمد الفارسي مدير عام الخدمات الصحية بمحافظة مسقط: إن المركز لن يكون مجرد مؤسسة للعلاج التقليدي، بل يُعنى بالمدمن من جميع الجوانب النفسية، والاجتماعية، والسلوكية، ويمنحه البيئة الحاضنة التي تعينه على التغيير والانطلاق نحو حياة كريمة مشيرا إلى جانب من الأساليب المطبقة بالمركز مثل توفير أدوات وأماكن لممارسة الهوايات، وهناك مكتبة خاصة بالمرضى، ومساحات للكتابة، والقراءة، والإنتاج الفكري.

وأوضح الفارسي أن المركز يركز حاليًا على معالجة حالات الإدمان المرتبطة بالمخدرات فقط بمختلف أنواعها، ولا يشمل الإدمانات السلوكية، أو الإلكترونية، التي تحتاج إلى تدخلات من نوع مختلف تقع في الإطار التربوي والاجتماعي أكثر من الطبي. وأشار الدكتور محمود بن زاهر العبري مقرر اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية إلى أنه بالرغم استقرار عدد الحالات المسجلة خلال السنوات الخمس الماضية بمتوسط يبلغ نحو 480 حالة سنويًا فإن هذه الإحصائيات لا تعكس الحجم الحقيقي للمشكلة؛ نظرًا لكونها تقتصر على المرضى الذين يطلبون العلاج. كما أن عملية التسجيل ما زالت تُدار يدويًا، ما يستدعي تطوير نظام مركزي إلكتروني دقيق لتوثيق الحالات، وضمان السرية. وأوضح أن محافظة مسقط ما زالت تسجل أعلى نسب التعاطي، بما يمثل 52% من إجمالي الحالات، تليها شمال الباطنة، وجنوب الباطنة؛ حيث تمثل هذه المحافظات معًا نحو 80% من الحالات، وهو ما يعكس غياب خدمات العلاج المتخصصة في بعض المحافظات الأخرى.

وأكد العبري أنه بالرغم من وجود انخفاض نسبي في عدد الحالات التي تتعاطى عن طريق الحقن؛ إلا أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة، وهي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بانتشار الأمراض المعدية مثل التهاب الكبد الوبائي بنوعيه B وC.

وأشار العبري إلى أن الخدمات المتوفرة سابقًا تركزت في مستشفى المسرة، الذي وفر العلاج الطبي وسحب السموم، إلى جانب التأهيل قصير المدى، ثم يُحوّل المريض إلى بيوت التعافي التي كانت تستوعب نحو 40 سريرًا فقط، مشيرا إلى أنهم رصدوا أن المرضى الذين يُكملون مرحلة التأهيل تنخفض لديهم نسب الانتكاسة بشكل ملحوظ مقارنة بالذين يكتفون بالعلاج الأولي فقط.

وفيما يتعلق بالمشاريع المستقبلية؛ كشف العبري عن حزمة من الخطط الطموحة، من بينها تطوير سجل مركزي إلكتروني، وربطه بنظام الشفاء؛ لضمان تسجيل دقيق وسري، وإدراج خدمات علاج الإدمان ضمن برامج الرعاية الصحية الأولية؛ بهدف الكشف المبكر، والتدخل العلاجي المجتمعي، وتدريب الكوادر الطبية، وإعداد بروتوكولات علاجية متكاملة، وإطلاق برنامج «التكيّف» للرعاية اللاحقة بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية.

وكشف العبري أن مركز مسقط للتعافي بُني على مرحلتين، بتمويل من شركة تنمية نفط عمان بمبلغ 2.5 مليون ريال عماني، ومؤسسة الجسر للأعمال الخيرية بـ900 ألف ريال عماني، بإجمالي 3 ملايين و400 ألف ريال عماني. وبين العبري أنه يجري العمل على المرحلة الثانية من مركز مسقط للتعافي، بسعة متوقعة تصل إلى 300 سرير، وتشمل مرافق للرعاية اللاحقة، وخدمات داعمة. كما يجري التحضير لافتتاح مركزين آخرين أحدهما في صحار بتمويل من مؤسسة الجسور بمليون و600 ألف ريال عماني، والآخر في محافظة ظفار.

وقال المهندس محمد بن علي الأغَبْري مدير الشؤون الخارجية والعلاقات الحكومية والاتصالات بشركة تنمية نفط عُمان: إن دعم الشركة لمشاريع مثل مركز مسقط للتعافي يأتي في إطار التزامها العميق بالمسؤولية الاجتماعية، وإيمانها بأهمية الاستثمار في المبادرات المجتمعية ذات الأثر الإيجابي المستدام.

من جهتها قالت جمانة بنت سعيد الزدجالية مسؤولة المبادرات والمشاريع الخيرية بمؤسسة الجسر: إن هذا المشروع يُجسّد الالتزام بأهداف التنمية المستدامة، وضمان حياة صحية، وتعزيز الرفاه مشيرة إلى أن دور المركز يتجاوز حدود العلاج الطبي ليشمل الدعم النفسي، وبناء المهارات، وتمكين المتعافين من استعادة دورهم في المجتمع.