أثبتت التجارب الحياتية صحة القول العربي القديم «الاقتصاد نصف المعيشة»، والاقتصاد المعني به «رشيد النفقات» وهو مفهوم شامل يصلح في الأوقات الصعبة أكثر من غيره من الأوقات سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع؛ لأن الاعتماد على ترشيد النفقات في الحياة اليومية وتوزيعها على درجات متفاوتة من شأنه أن يعظم «ثقافة الادخار» ويعود بالمنفعة على الفرد والأسرة معا، فمثلا عدم الوعي بعملية الإنفاق يمكن أن يترتب عليه مشكلات مالية ونفسية وكل منهما له اتجاهاته وآثاره الضارة.

نعي بأن لدى البعض نظرة أخرى حول مفهوم «التقليل في النفقات» وأنه نوع من البخل والشح، وطالما أن هناك وفرة في الموجودات فلا بأس من الإنفاق بسخاء!

والرد على ذلك هو أن المقصود الصحيح بـ«الاقتصاد في المعيشة» هو السعي نحو إيجاد منظومة محكمة من التوازن في عنصري «الإنفاق والتوفير»، أي أننا مطالبون بحسن التدبير فيما لدينا من أموال، وإنفاقها دون إسراف أو تقتير بحيث نكون منطقيين في تعاملاتنا في علمية الصرف أو الاستهلاك.

وإذا ما توجهنا إلى السنة النبوية الشريفة لوجدنا ما يشير إلى ما نقول فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم» رواه البيهقي.

إذن نحن لم نأتِ بجديد حول أمر لا يحتمل الجدل أو النقاش، ولكن يحتاج إلى عناية وتبصر وإدراك للحقائق حيث إن أمر الإنفاق يقودنا نحو ثلاثة مسارات وهي: «الإنفاق بحكمة أو التبذير بغفلة، أو البخل إلى أقصى درجة»، والعاقل الفطن هو من يوزن أمور حياته، فلا يسرف، ولا يقصر على نفسه، بل ينتهج الوسطية والاعتدال «لا ضرر ولا ضرار».

لذا نرى أن السعادة هي أن تتمتع بما أعطاك الله إياه دون إسراف أو بخل أو حرمان بمعنى «لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك» وفي الوقت نفسه «لا تبسطها كل البسط»، وهذا هو أمر رباني من لدنه سبحانه وتعالى ذكره في كتابه العزيز.

الاعتدال في جميع الأمور شيء محمود، أما المبالغة أو المنع فهي أمور ينطوي تحتها الكثير من الأسئلة والمؤثرات سواء النفسية أو الترفيهية، ولعلنا في الوقت الراهن ونحن مقبلون على فترة الإجازات السنوية، والكثير من الأسر سوف تشد الرحال إلى أماكن ووجهات متفرقة، وهنا يجب النظر إلى نقطة المقدرة وعدم تحميل الذات أكثر من طاقتها بمعنى أن يكون هناك إدراك لتوابع القرارات من خلال النظر إلى الإمكانيات وخاصة المادية.

لا نقصد الحرمان من شيء بقدر ألا نغرق أنفسنا في الديون أو الإحساس بالتعاسة؛ لأننا لم نستطع أن نوازن في أمورنا وبالتالي على الإنسان أن يحكّم عقله أولًا قبل أن يصغي إلى ما يقوله قلبه.

ومتى ما وجد الاتزان بين الرغبات والقدرات صار هناك نوع من السعادة والرضا، لكن أن نحمّل أنفسنا أكثر من طاقتها فهذا هو الضرر بعينه، مراعاة الظروف ومقتضيات الأمور من الأمور الرئيسية والمهمة في حياة كل إنسان فلا إسراف ولا بخل إنما اعتدال وهناء.