شواهد ومعالم سياحية وتاريخية في قرية الميسّر بنيابة سمد الشأن - المضيبي - علي بن خلفان الحبسي:- التاريخ العماني الحافل الضارب جذوره في أعماق التاريخ والذي سطره أبناء عمان على مر الدهور دليل وبرهان حي على عظمة الإنسان العماني وما نشاهده من قلاع وأبراج وحصون ومعالم تاريخية بارزة دليل وشاهد حي للأجيال وسرد واقعي لملحمة متواصلة من العطاء العماني الذي لا ينضب تشهد له هذه المعالم الباقية الخالدة كذكرى حية جعلت من الآباء والأجداد سيرة بين الأجيال جيلا بعد الآخر، وبالرغم من عدم توفر الإمكانيات اللازمة للبناء والعمران إلا أن العمانيين استطاعوا بخبرتهم الهندسية المعمارية أن يتفانوا في العمل بكل إخلاص لنجد اليوم تلك المعالم ببريقها ورونقها وهندستها المعمارية تضاهي الفن المعماري الحديث والتخطيط المحكم والموقع الاستراتيجي الهام لهذه المواقع من السلطنة ، وكون ولاية المضيبي من أقدم ولايات السلطنة بالمنطقة الشرقية وهي ولاية غنية وزاخرة بمعالم عديدة وبارزة من المعالم التاريخية تنتشر في المضيبي، تعبر عن الحقبة التاريخية لهذه الولاية من خلال حصونها وقلاعها وأبراجها وبيوتها الأثرية تنتشر في كل قرية من قراها العامرة بالتراث والأصالة كتاريخ يدونه كل شبر من هذه المعالم. قرية الميسّر تعد قرية الميسّر التابعة لنيابة سمد الشأن بولاية المضيبي واحدة من القرى الهامة التي شهدت أعرق الحضارات القديمة في السلطنة حيث دلت التنقيبات والحفريات التي جرت بها على ذلك وهي قرية معروفة بتاريخها الحافل الذي يحتضن الكثير من المعالم التي تقف شاهدة عيان لتؤكد عراقة التاريخ فيها، ومن خلال التجوال بقرية الميسّر بوسعك أن تختزل في ذاكرتك الكثير من المعلومات التاريخية مما حوته أركان هذه القرية من ولاية المضيبي فالتجوال في قرية الميسّر يدفعك لأن تشاهد أبرز الحضارات القديمة وبقاياها وآثارها وطبيعة غرابة هذه الحضارة وأسباب تواجدها في هذه الرقعة من السلطنة ووزارة التراث القومي على مدار عدة سنوات أجرت الكثير من الحفريات والتنقيبات عن آثار عديدة كشفت فيها في مقابرها السحيقة المتناثرة في أكثر من موقع بها. موقع القرية تقع قرية الميسّر على الطريق العام في المضيبي- سمد الشأن وتبعد عن هذا الطريق نحو ثلاثة كيلومترات عبر طريق مرصوف ويجاورها من الشرق وادي الميسّر ومن الغرب وادي القصف ومن الشمال منطقة الصويريج وجنوبا وادي سمد والذي يعتبر ملتقى أودية سمد الشأن ويؤكد متابعون بالميسّر بأن موقع القرية يقع بين عدة أودية أكسبها توفر خصب في المياه حيث أنها فلجها لم ينضب بالرغم من صغر هذا الفلج إلا أنه يفي لمتطلبات القرية بجنب بقية الآبار المتوفرة بها كما يحيط بالقرية الكثير من أشجار الغاف والسدر وغيرها من الشجار الصحراوية الأخرى وتلف القرية سلسلة جبلية على شكل حدوة الحصان مفتوحة من الجهة الشرقية. تاريخ عريق تاريخ قرية الميسّر عريق وقديم ضارب في جذور التاريخ وتحتضن الميسّر مقابر في أماكن متفرقة بها أجريت فيها الكثير من الحفريات والتنقيبات من قبل وزارة التراث حيث وجد في هذه المقابر الكثير من الآثار منها السيوف والرماح والأدوات الفخارية والأختام وبقايا خناجر وشارك عدد من أهالي القرية في أعمال هذه التنقيبات ومعظمهم من كبار السن وقد وجدوا أن قرية الميسّر منذ نشأتها وهي تحتضن هذه الحضارة خاصة الحضارة القديمة التي تقع جنوبا من القرية وتحديدا على ضفاف مجرى وادي القصف حيث توجد بعض الآبار القديمة بها وبعض المقابر وبعض آثار المساكن ويعتقد بأنه كان يتم قديما بها تصنيع النحاس واستخراجه حيث وضعت البعثات المنقبة في هذه المواقع الكثير من علامات التنقيب ويوجد في المنطقة بئر يقع على قمة مرتفعة وفي الموقع ترى من خلاله جميع المواقع المحيطة بها من كل صوب كما يوجد بعض آثار الأبراج المقامة من السقوف في قمم الجبال ووجود بعض المقابر على قمم هذه الجبال. بدايات المسوحات الأثرية بدأت المسوحات والتنقيبات الأولية في سمد الشأن والمناطق التابعة لها منذ عام 1970 حيث ركزت الدراسات على المخلفات الأثرية المنتشرة على السطح والتي تكشف عن الفترة التي سبقت ظهور الإسلام كما ركزت تلك الدراسات كذلك على مخلفات المستوطنين القدماء واقتصادهم في تلك الفترة، وعن المقابر التي ترجع إلى فترة ما قبل التاريخ وفي عام 1980م قامت وزارة التراث القومي والثقافة بالتعاون مع البعثات الأثرية بالتنقيب في المواقع وكان أول موقع أثري أجري فيه التنقيب هو قرية الميسّر وقرية الأخضر التابعتين لسمد الشأن وقد ركز الفريق الأثري اهتمامه على العادات الجنائزية في الفترة التي سبقت الإسلام والتي أطلق عليها فترة - سمد – وهي من (500-600) قبل الميلاد أي العصر الحديدي المتأخر حيث تم الكشف عن عدد من المواقع الأثرية تشمل عدة مستوطنات سكنية والتي تعود إلى فترات في كل من (لزق) وفي سمد الشأن نفسها أما فترة لزق فإنها تعود إلى ألف عام قبل الميلاد حيث إن المدافن بها تكون دائرة الأطراف ومبنية من الحجارة الكبيرة إذ جلبت من المحجر وذلك بقصد تأمين هذه المقابر من انجراف الأودية كما أنها وجدت هذه المقابر متلاصقة ببعضها البعض تشبه خلايا النحل وهي شبيهة بالمقابر التي اكتشفت في وادي (سوق) والتي تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد. وركز العمل في موسم 1988م على العادات الجنائزية التي سبقت الإسلام مباشرة وأطلق عليها فترة سمد وقد تم في البداية دراسة ثلاثة مدافن بها بمحتوياتها الأثرية والتي قادت الباحثين إلى التوصل إلى معلومات تدل على وجود اللغة العربية مكتوبة ومنها تبين أن المدافن في سمد الشأن لا تنتمي إلى فترة واحدة وإنما تعود إلى فترات سابقة مثل فترة أم النار – أي (2500-2000) قبل الميلاد أي العصر النحاسي وكذلك فترة وادي سوق – (2000-1000) قبل الميلاد أي العصر البرونزي وفترة لزق من (1000-500) قبل الميلاد أي العصر الحديدي . الحارات القديمة أما بخصوص الحارة القديمة في وسط الميسّر والتي تتوسط المساكن الحالية فهي حديثة بعض الشيء، ويوجد في هذه الحارة برج أثري تحيط به بعض المساكن التي يبلغ عددها قرابة عشرين مسكنا، وقد بدأت وزارة التراث والثقافة خلال هذه الأيام في مشروع ترمميه، كما تشهد قرية الميسّر حركة ونهضة عمرانية مستمرة خاصة خلال السنوات الأخيرة حيث تتوفر بها خدمات الكهرباء والهاتف الثابت كما تم خلال نهاية عام 2003م رصف عدد من الطرق الداخلية وربطها عبر الطريق العام المضيبي - سمد الشأن ويتلقى أبناؤها دراستهم بالمدارس المتوفرة بنيابة سمد الشأن إلى جانب توفر عدة مدارس لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم كما تضم الميسّر بعض المحلات التجارية الصغيرة التي تلبي متطلبات الأهالي من السلع والكماليات. وكسائر القرى فإن قرية الميسّر ولموقعها المتميز بين عدة أودية تجري عند هطول الأمطار فإنها تمتلك منتوجات زراعية، وسكانها من المهتمين بأمور الأنشطة الزراعية، حيث تتوفر أنواع عديدة من أشجار النخيل أبرزها الزبد والخلاص والمبسلي إلى جانب قيام المزارعين بزراعة مختلف الأصناف الزراعية من خضار وفاكهة وزراعة الأعلاف الحيوانية وغيرها من المحاصيل الزراعية ويعتمد الأهالي في ري هذه المحاصيل على مياه فلجها المسمى بالميسّر كما تتواجد بالقرية بعض المزارع الصحراوية التي يعتمد المزارعون على ريها بواسطة الآبار التي شهدت في بعض السنوات حالات من الجفاف خاصة خلال السنوات الأخيرة. أخيرا فإن تاريخ وعراقة قرية الميسّر تدعو الزائر للتأمل في المدافن الأثرية المتوزعة هنا وهناك في أراضيها حيث تدل على حضارات سحيقة استوطنت بها على مر العصور لتكشف حقيقة ارتباط هذه القرية بالحضارات التاريخية القديمة في العالم.