(1)
«أظلم الأوقات في تاريخ الأمم هي الأوقات التي يؤمن فيها الإنسان بأن الشر هو الطريق الوحيد للخير..»
(علي أدهم)
(2)
منذ سنواتٍ طويلة وأنا معنيّ بالبحث والتنقيب عن روائع الأعمال والمؤلفات والترجمات التي أنجزتها صفوة العقول المصرية والعربية في القرنين التاسع عشر والعشرين (وبالأخص منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين).
ليس لدينا حتى الآن قاعدة بيانات كاملة ودقيقة عن الإنتاج العلمي والثقافي والحضاري الذي كتب باللغة العربية خلال هذه المرحلة. عدد كبير من المؤلفين والمثقفين المصريين والعرب عاشوا وماتوا، وقد أثرَوا الثقافة العربية بكم هائل من الأعمال في مجالات الإبداع الفكري والثقافي واللغوي والإنساني عموما، ولم يحظَوا بما يستحقون من شهرة وأضواء وتعريف.
مراجعة بسيطة لدوريات النصف الأول من القرن العشرين فيما عرف بالصحافة الأدبية أو المجلات الثقافية، سيجد أسماء رائعة على كل المستويات، وبعد العهد بين ذروة تألقها وإنتاجها وبين وقتنا هذا! من يعرف الآن اسما بقيمة حسن عثمان الذي نقل نصا إنسانيا خالدا بقيمة الكوميديا الإلهية من اللغة الإيطالية الوسيطة إلى اللغة العربية، وقد استغرق في هذا العمل الجبار 25 عاما عدا ما قضاه من سنوات إضافية لاستقصاء التفاصيل التاريخية والأدبية والاجتماعية المحيطة بإنتاج هذا الأثر فضلا عن سيرة صاحبه الأشهر دانتي ألييجري؟!
من يسمع الآن أو قرأ عن المترجم الفذ محمود محمود (شقيق زكي نجيب محمود) الذي اضطلع وحده بنقل وترجمة ما يزيد على 25 عملا من روائع الإبداع الفكري والثقافي والأدبي الأوروبي والأمريكي إلى اللغة العربية. هذان مجرد مثالين فقط، والأسماء بالعشرات!
إلى هذه الفئة من المثقفين الكبار وصُناع الثقافة المجهولين، ينتمي اسم الراحل الكبير والقدير علي أدهم (1897-1981) أحد صناع الثقافة المصرية والعربية في القرن العشرين، وهو ينتمي لفئة المثقفين العصاميين بكل ما تعنيه الكلمة (شأنه في ذلك شأن جورجي زيدان، وعباس العقاد ومن يناظرهما).
منذ سنوات الصبا وأنا أقرأ اسم علي أدهم في مجالات ودوائر معرفية متباينة وعديدة، فهو مؤلف ومترجم وكاتب مقال ومحرر ورئيس تحرير.. إلخ، وهو أديب وناقد ومؤرخ ومهتم بالفلسفة والسياسة وعلوم الاجتماع والقانون.. إلخ، وهو مسؤول ثقافي وإداري بارز في مؤسسات الثقافة الزاهرة آنذاك في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي!
أذهلني علي أدهم بغزارة إنتاجه، وتعدد مناحي كتابته وتآليفه وترجماته؛ جهد جبار ومعجز ومثير للإعجاب حقا!
لنلقِ نظرة يسيرة وموجزة على سيرة الرجل وأعماله ثم نتحدث بالتفصيل بعض الشيء عن أبرز هذه الأعمال (بمناسبة صدور طبعة جديدة من عملين تثقيفيين يصدران بالقاهرة خلال الأسابيع القادمة)
(3)
ولد المفكر الرصين وكاتب المقال عميق الرؤية، وكاتب التراجم والسير المميز، علي أدهم محمد جمعة بمدينة الإسكندرية الساحلية في 19 يونيو 1897. كان والده محمد جمعة (المصري المولد والنشأة، التركي الأصل) من الشبان المتحمسين لانتصارات القائد العثماني الشهير أدهم باشا، فلما رزق بأول أبنائه سّماه بالاسم المركّب «علي أدهم» تيمنًا باسم القائد الشهيد.
تلقّى أدهم تعليمه الابتدائي بمدرسة رأس التين، وحصل على الشهادة الابتدائية في سنة 1911 ثم التحق بالقسم الثانوي بالمدرسة نفسها، وكان من أساتذته بها في العام الدراسي 1914/1913 الشاعر الكبير عبد الرحمن شكري (أحد أعضاء مدرسة الديوان الشهيرة) الذي كان يحدث تلاميذه في غير أوقات الدرس بأحاديث عن الشعر والأدب، ويرغّبهم في القراءة والاطلاع.
وكان لذلك تأثيره في أدهم الذي قرأ، وهو طالب، روايات جورجي زيدان التاريخية، وتأثر بها غاية التأثر، واستوعب العديد من قصائد الشعر العربي لكبار الشعراء، وفي مقدمتهم المتنبي وأبو العلاء المعري.
وفي سنة 1915 انتقل أدهم إلى القاهرة ليستكمل دراسته الثانوية بالمدرسة الخديوية وحصل على شهادة البكالوريا في سنة 1916، وقد أتيح له أثناء وجوده بالقاهرة أن يتابع الحركة الأدبية في مصر وأن يتعرف على روّاد المدرسة الحديثة في الأدب والنقد وبخاصة العقاد. ثم عاد إلى الإسكندرية في سنة 1918 واستأنف صلته بأستاذه شكري، وواظب على حضور مجالسه الأدبية، وظل على صلته الوثيقة به إلى أن اعتزل شكري الحياة الأدبية.
ومنذ أوائل العشرينيات من القرن الماضي كان أدهم قد بدأ ينشر ثمرات فكره وزبدة مطالعاته في المجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت ومنها «البيان» و«الرجاء» و«المفيد» و«المشـكاة»، وغيرها. وفي سنة 1929 أصدر أول كتاب له، وهو ترجمة «محاورات رينان الفلسفية»، ثم تلاه كتاب «صقر قريش» في سنة 1938 وهو ترجمة لحياة عبد الرحمن الداخل، مؤسس الدولة الأموية بالأندلس.
وقد اعتبر أدهم كاتب مقال من الطراز الأول، ومقالاته، التي دأب على نشرها طوال حياته، تشهد له بالتميز والأصالة. وقد جمع في حياته جملة وافرة من هذه المقالات وأخرجها في عدّة كتب من أهمها وأدلّها على طريقته في البحث والتفكير: «بين السياسة والأدب» (1945)، «ألوان من أدب الغرب» (1947)، «على هامش الأدب والنقد» (1948)، «لماذا يشقى الإنسان؟» (1961)، «فصول في الأدب والنقد والتاريخ» (1979).
(4)
وإلى جانب هذا الرصيد الضخم من أدب «المقالة» واظب أدهم على تأليف الكتب ذات الموضوع الواحد في المجالات التي كانت تحظى بإعجابه الشخصي، ويؤثرها بالبحث والدراسة، وفي مقدمتها «تراجم عظماء الإنسانية ونوابغ الرجال» كتراجمه لأمراء الدولة الأموية في الأندلس، والتي بدأها بكتاب «صقر قريش»، وصدر له بعد ذلك تراجمه عن «منصور الأندلس» (1944)، و«المعتمد بن عبّاد» (1962)، و«عبد الرحمن الناصر» (1972). وفي هذا السياق تأتي ترجمته للخليفة العباسي «أبو جعفر المنصور» (1969).
وفي مجال التراجم الغربية أصدر ترجمته للزعيم الوطني الإيطالي «متزيني» (1952)، وله تراجم موجزة ولكنها كاشفة عن «بوذا» و«كونفشيوس»، و«مرقس أورليه»، و«غاريبالدي».
وفي كتاب «تلاقي الأكفاء» (1944) تحرّى أن يعقد موازنات تاريخية بين أبطال ورجال تعاصروا مثل «نابليون وثاليران»، و«فولتير» و«فردريك الأكبر»، و«أبو جعفر المنصور»، و«أبو مسلم الخراساني»، وفي طبعة ثانية (1977) أضاف فصولًا جديدة عن «جوته وشيلي»، و«تولستوي وأبو العلاء»، و«ابن خلدون وتيمور لنك».
كما شارك أدهم بنقل روائع من أدب الغرب في مجال القصة خاصة، وكتابه «الخطايا السبع» (1943) يضم نخبة من القصص العالمي تمتزج فيها الفكرة بالصورة ولا تخلو قصة منها عن فكرة فلسفية أو وصف حقيقة نفسية. ومجموعته الأخرى بعنوان «فيراتا أو الهارب من الخطيئة» عن ستيفان زفايج (1948) نموذج رفيع من نماذج أدب الأسطورة، وقد أضفى عليها ثوبًا قشيبًا من بلاغة اللغة العربية. وتأتي في هذا السياق ترجمته لمحاورة سلفادور دى ما دارياجا التي دعاها «روضات الفردوس» (1949) وهي محاورة متخيلة بين فريق من عظماء التاريخ استدعاهم المؤلف من رقادهم الأبدي للنظر في مشكلات العالم في العصر الحديث.
وقد كانت الدراسات السياسية والفكر السياسي إحدى اهتمامات أدهم الرئيسية، وله في هذا المجال دراسات متعددة نشر بعضها في كتب مستقلة، ونشر بعضها في مقالات متفرقة، من ذلك دراساته الوجيزة عن «المذاهب السياسية المعاصرة»، و«الجمعيات السرية»، و«حقيقة الشيوعية والاشتراكية»، و«الفوضوية» وغيرها.
(5)
فضلا على هذا النشاط الباذخ في التأليف والترجمة، فقد تولى علي أدهم رئاسة تحرير مجلة الكتاب العربي بضع سنوات. كما أشرف على إصدار بعض السلاسل الثقافية مثل «أعلام العرب»، و«اخترنا لك»، و«الألف كتاب»، و«تراث الإنسانية»، وله في هذه الأخيرة أكثر من عشرين دراسة موسّعة عن أمهات الكتب العالمية المعدودة من عيون التراث مع التعريف بمؤلفيها العظام، وتعدّ في مجموعها من أنفس الآثار الأدبية في سجل الثقافة العربية العصر الحديث.
«أظلم الأوقات في تاريخ الأمم هي الأوقات التي يؤمن فيها الإنسان بأن الشر هو الطريق الوحيد للخير..»
(علي أدهم)
(2)
منذ سنواتٍ طويلة وأنا معنيّ بالبحث والتنقيب عن روائع الأعمال والمؤلفات والترجمات التي أنجزتها صفوة العقول المصرية والعربية في القرنين التاسع عشر والعشرين (وبالأخص منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين).
ليس لدينا حتى الآن قاعدة بيانات كاملة ودقيقة عن الإنتاج العلمي والثقافي والحضاري الذي كتب باللغة العربية خلال هذه المرحلة. عدد كبير من المؤلفين والمثقفين المصريين والعرب عاشوا وماتوا، وقد أثرَوا الثقافة العربية بكم هائل من الأعمال في مجالات الإبداع الفكري والثقافي واللغوي والإنساني عموما، ولم يحظَوا بما يستحقون من شهرة وأضواء وتعريف.
مراجعة بسيطة لدوريات النصف الأول من القرن العشرين فيما عرف بالصحافة الأدبية أو المجلات الثقافية، سيجد أسماء رائعة على كل المستويات، وبعد العهد بين ذروة تألقها وإنتاجها وبين وقتنا هذا! من يعرف الآن اسما بقيمة حسن عثمان الذي نقل نصا إنسانيا خالدا بقيمة الكوميديا الإلهية من اللغة الإيطالية الوسيطة إلى اللغة العربية، وقد استغرق في هذا العمل الجبار 25 عاما عدا ما قضاه من سنوات إضافية لاستقصاء التفاصيل التاريخية والأدبية والاجتماعية المحيطة بإنتاج هذا الأثر فضلا عن سيرة صاحبه الأشهر دانتي ألييجري؟!
من يسمع الآن أو قرأ عن المترجم الفذ محمود محمود (شقيق زكي نجيب محمود) الذي اضطلع وحده بنقل وترجمة ما يزيد على 25 عملا من روائع الإبداع الفكري والثقافي والأدبي الأوروبي والأمريكي إلى اللغة العربية. هذان مجرد مثالين فقط، والأسماء بالعشرات!
إلى هذه الفئة من المثقفين الكبار وصُناع الثقافة المجهولين، ينتمي اسم الراحل الكبير والقدير علي أدهم (1897-1981) أحد صناع الثقافة المصرية والعربية في القرن العشرين، وهو ينتمي لفئة المثقفين العصاميين بكل ما تعنيه الكلمة (شأنه في ذلك شأن جورجي زيدان، وعباس العقاد ومن يناظرهما).
منذ سنوات الصبا وأنا أقرأ اسم علي أدهم في مجالات ودوائر معرفية متباينة وعديدة، فهو مؤلف ومترجم وكاتب مقال ومحرر ورئيس تحرير.. إلخ، وهو أديب وناقد ومؤرخ ومهتم بالفلسفة والسياسة وعلوم الاجتماع والقانون.. إلخ، وهو مسؤول ثقافي وإداري بارز في مؤسسات الثقافة الزاهرة آنذاك في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي!
أذهلني علي أدهم بغزارة إنتاجه، وتعدد مناحي كتابته وتآليفه وترجماته؛ جهد جبار ومعجز ومثير للإعجاب حقا!
لنلقِ نظرة يسيرة وموجزة على سيرة الرجل وأعماله ثم نتحدث بالتفصيل بعض الشيء عن أبرز هذه الأعمال (بمناسبة صدور طبعة جديدة من عملين تثقيفيين يصدران بالقاهرة خلال الأسابيع القادمة)
(3)
ولد المفكر الرصين وكاتب المقال عميق الرؤية، وكاتب التراجم والسير المميز، علي أدهم محمد جمعة بمدينة الإسكندرية الساحلية في 19 يونيو 1897. كان والده محمد جمعة (المصري المولد والنشأة، التركي الأصل) من الشبان المتحمسين لانتصارات القائد العثماني الشهير أدهم باشا، فلما رزق بأول أبنائه سّماه بالاسم المركّب «علي أدهم» تيمنًا باسم القائد الشهيد.
تلقّى أدهم تعليمه الابتدائي بمدرسة رأس التين، وحصل على الشهادة الابتدائية في سنة 1911 ثم التحق بالقسم الثانوي بالمدرسة نفسها، وكان من أساتذته بها في العام الدراسي 1914/1913 الشاعر الكبير عبد الرحمن شكري (أحد أعضاء مدرسة الديوان الشهيرة) الذي كان يحدث تلاميذه في غير أوقات الدرس بأحاديث عن الشعر والأدب، ويرغّبهم في القراءة والاطلاع.
وكان لذلك تأثيره في أدهم الذي قرأ، وهو طالب، روايات جورجي زيدان التاريخية، وتأثر بها غاية التأثر، واستوعب العديد من قصائد الشعر العربي لكبار الشعراء، وفي مقدمتهم المتنبي وأبو العلاء المعري.
وفي سنة 1915 انتقل أدهم إلى القاهرة ليستكمل دراسته الثانوية بالمدرسة الخديوية وحصل على شهادة البكالوريا في سنة 1916، وقد أتيح له أثناء وجوده بالقاهرة أن يتابع الحركة الأدبية في مصر وأن يتعرف على روّاد المدرسة الحديثة في الأدب والنقد وبخاصة العقاد. ثم عاد إلى الإسكندرية في سنة 1918 واستأنف صلته بأستاذه شكري، وواظب على حضور مجالسه الأدبية، وظل على صلته الوثيقة به إلى أن اعتزل شكري الحياة الأدبية.
ومنذ أوائل العشرينيات من القرن الماضي كان أدهم قد بدأ ينشر ثمرات فكره وزبدة مطالعاته في المجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت ومنها «البيان» و«الرجاء» و«المفيد» و«المشـكاة»، وغيرها. وفي سنة 1929 أصدر أول كتاب له، وهو ترجمة «محاورات رينان الفلسفية»، ثم تلاه كتاب «صقر قريش» في سنة 1938 وهو ترجمة لحياة عبد الرحمن الداخل، مؤسس الدولة الأموية بالأندلس.
وقد اعتبر أدهم كاتب مقال من الطراز الأول، ومقالاته، التي دأب على نشرها طوال حياته، تشهد له بالتميز والأصالة. وقد جمع في حياته جملة وافرة من هذه المقالات وأخرجها في عدّة كتب من أهمها وأدلّها على طريقته في البحث والتفكير: «بين السياسة والأدب» (1945)، «ألوان من أدب الغرب» (1947)، «على هامش الأدب والنقد» (1948)، «لماذا يشقى الإنسان؟» (1961)، «فصول في الأدب والنقد والتاريخ» (1979).
(4)
وإلى جانب هذا الرصيد الضخم من أدب «المقالة» واظب أدهم على تأليف الكتب ذات الموضوع الواحد في المجالات التي كانت تحظى بإعجابه الشخصي، ويؤثرها بالبحث والدراسة، وفي مقدمتها «تراجم عظماء الإنسانية ونوابغ الرجال» كتراجمه لأمراء الدولة الأموية في الأندلس، والتي بدأها بكتاب «صقر قريش»، وصدر له بعد ذلك تراجمه عن «منصور الأندلس» (1944)، و«المعتمد بن عبّاد» (1962)، و«عبد الرحمن الناصر» (1972). وفي هذا السياق تأتي ترجمته للخليفة العباسي «أبو جعفر المنصور» (1969).
وفي مجال التراجم الغربية أصدر ترجمته للزعيم الوطني الإيطالي «متزيني» (1952)، وله تراجم موجزة ولكنها كاشفة عن «بوذا» و«كونفشيوس»، و«مرقس أورليه»، و«غاريبالدي».
وفي كتاب «تلاقي الأكفاء» (1944) تحرّى أن يعقد موازنات تاريخية بين أبطال ورجال تعاصروا مثل «نابليون وثاليران»، و«فولتير» و«فردريك الأكبر»، و«أبو جعفر المنصور»، و«أبو مسلم الخراساني»، وفي طبعة ثانية (1977) أضاف فصولًا جديدة عن «جوته وشيلي»، و«تولستوي وأبو العلاء»، و«ابن خلدون وتيمور لنك».
كما شارك أدهم بنقل روائع من أدب الغرب في مجال القصة خاصة، وكتابه «الخطايا السبع» (1943) يضم نخبة من القصص العالمي تمتزج فيها الفكرة بالصورة ولا تخلو قصة منها عن فكرة فلسفية أو وصف حقيقة نفسية. ومجموعته الأخرى بعنوان «فيراتا أو الهارب من الخطيئة» عن ستيفان زفايج (1948) نموذج رفيع من نماذج أدب الأسطورة، وقد أضفى عليها ثوبًا قشيبًا من بلاغة اللغة العربية. وتأتي في هذا السياق ترجمته لمحاورة سلفادور دى ما دارياجا التي دعاها «روضات الفردوس» (1949) وهي محاورة متخيلة بين فريق من عظماء التاريخ استدعاهم المؤلف من رقادهم الأبدي للنظر في مشكلات العالم في العصر الحديث.
وقد كانت الدراسات السياسية والفكر السياسي إحدى اهتمامات أدهم الرئيسية، وله في هذا المجال دراسات متعددة نشر بعضها في كتب مستقلة، ونشر بعضها في مقالات متفرقة، من ذلك دراساته الوجيزة عن «المذاهب السياسية المعاصرة»، و«الجمعيات السرية»، و«حقيقة الشيوعية والاشتراكية»، و«الفوضوية» وغيرها.
(5)
فضلا على هذا النشاط الباذخ في التأليف والترجمة، فقد تولى علي أدهم رئاسة تحرير مجلة الكتاب العربي بضع سنوات. كما أشرف على إصدار بعض السلاسل الثقافية مثل «أعلام العرب»، و«اخترنا لك»، و«الألف كتاب»، و«تراث الإنسانية»، وله في هذه الأخيرة أكثر من عشرين دراسة موسّعة عن أمهات الكتب العالمية المعدودة من عيون التراث مع التعريف بمؤلفيها العظام، وتعدّ في مجموعها من أنفس الآثار الأدبية في سجل الثقافة العربية العصر الحديث.