في هذا المقال، سوف نقوم بتحليل بعض من النتائج والأرقام التي وردت بالحساب الختامي للدولة للسنة المالية (2023)، أيضا سوف نسلط الضوء للحديث عن الدين العام. الحساب الختامي هو بمثابة النتائج الرئيسية لما خطط له مسبقا في الميزانية العامة، فهو يتكون من الإيرادات والمصروفات التي تحسب لفترة زمنية محددة. عليه فهو يعكس الكفاءة في المحصلة النهائية لتقييم أداء الميزانية العامة. كما أن من المؤشرات الإيجابية للحساب الختامي هذا العام، هي السرعة في اعتماده وأيضا الإجراءات التي تنم على الشفافية والحوكمة حيث تم التصديق عليه من قبل السلطة التشريعية وهو مجلس الوزراء. في المعاملة المالية للحساب الختامي أو الميزانية العامة يتم عادة استخدام المبدأ النقدي عند احتساب الإيرادات والمصروفات، حيث يتمثل هذا المبدأ بأن يتم تحميل السنة المالية المنتهية بما يخصها من المصروفات والإيرادات الفعلية. بعكس مبدأ الاستحقاق والذي عند استخدامه يتم تسجيل العمليات المالية وهي المصروفات والإيرادات بناء على تاريخها وليس على تاريخ دفعها أو استلام النقدية أو الإيرادات. وعلى وجه العموم فإن الأداء المالي للحساب الختامي للدولة كان استثنائيا ويفوق التوقعات في المقدرة نحو تحقيق فائض مالي وصل إلى (936) مليون ريال، بعدما كان متوقعا أن يكون هناك عجزا يقدر بـ1,3 مليار ريال عماني.
بالنسبة بالإنفاق العام (المصروفات) فإنه لم يتجاوز المبلغ المعتمد إلا بنسبة (2%) والذي بلغ 11,606 مليار ريال. وقد يكون الجانب الأكبر في زيادة الإنفاق تم صرفها في الدعم الحكومي وكانت أعلى نسبة لذلك الصرف تمثل في دعم المنتجات النفطية حيث تجاوز المبلغ المصروف نسبة (800%) ليصل إلى (370) مليون ريال. وبالنسبة للمصروفات الإنمائية فقد سجلت زيادة في الإنفاق بنسبة (24%) وذلك نظير التوجه نحو زيادة المخصصات الإنمائية والاستثمارية للمحافظات، الأمر الذي يعطي مؤشرا بأن الزيادة في المصروفات كانت في الجوانب الهيكلية الإنتاجية والخدمية. في الجانب الآخر فإن المصروفات الجارية انخفضت بنسبة (1%) على الرغم من أن ما يقرب من (47) جهة حكومية تجاوزت الاعتمادات المخصصة لها بنسب متفاوتة وقليلة، بالمقارنة مع (12) جهة حكومية حافظت على اعتماداتها المالية أو أنها سجلت إنفاقا أقل عن المعتمد لها بالميزانية العامة. أيضا في ظل تسارع الدول وخاصة ذات الدخل المرتفع في زيادة المصاريف الدفاعية وشراء الأسلحة مع أن بعضا منها يستخدم في زيادة النعرات السياسية والحروب، إلا أن سلطنة عمان المعروفة ببقعة الأمن والسلام كان أداؤها في جانب مصروفات الدفاع والأمن متميزا، من حيث القدرة على ترشيد الإنفاق بنسبة وصلت إلى (4%). هذا ترشيد ساهم بطريقة مباشرة في توجيه موارد الدولة في التركيز على البرامج الاقتصادية والاجتماعية وأيضا في تخفيض الدين العام عن طريق زيادة الفائض في الميزانية العامة للدولة.
ولعل تنويع محفظة الإيرادات الحكومية بوضع تصور مالي بعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للإيرادات العامة هو نهج استراتيجي. وذلك لأن النفط يعد مصدرا غير مستدام وغير مستقر من حيث العرض والطلب والأسعار التي تتأثر بالتداعيات الاقتصادية والسياسية وإن كان تحكم الدول المصدرة للنفط (أوبك) والأعضاء من خارجها ومنهم سلطنة عمان ساهم في استقرار أسعار النفط خلال الفترة الماضية. ولكن القول بأن التحسن في الإيرادات كان كله بسبب ارتفاع أسعار النفط ليس دقيقا، حين كان مؤشر الإيرادات الجارية غير النفطية جيدا حيث ارتفع بنسبة (5.9%)، ذلك الارتفاع يعد الأعلى من حيث القيمة التي وصلت إلى (3524) مليون ريال وهي تمثل ما نسبته (28%) من جملة الإيرادات الكلية، الأمر الذي يدل على أن خطط التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل تسير في الاتجاه الصحيح.
والدين العام، يتم عن طريق الاقتراض من البنوك والمصارف سواء كانت محلية أو خارجية، والتي عادة تقوم بدراسة مالية واقتصادية مفصلة عن الأداء المالي للدولة ومدى مقدرتها على السداد في المواعيد المحددة للوفاء بتلك القروض. حيث تستعين بدراسة الجدارة الائتمانية عن طريق الدرجات التي تحصل عليها الدولة في التصنيف الائتماني الذي تجريه وكالات التصنيف العالمية، ومنها على سبيل المثال: ستاندر آند بورز، فيتش، وموديز. وسلطنة عمان نظرا لاستمرارها في تسديد مبلغ الدين العام والبعض منه يتم تسديده قبل تاريخ الاستحقاق، فقد حصلت على درجات بتصنيف ذي نظرة مستقبلية مستقرة وأيضا إيجابية، مع العلم بأن دول الخليج العربية تأتي في صدارة التصنيفات الائتمانية ذات الجدارة الجيدة على المستوى العربي.
عليه يلاحظ بأن هناك انخفاضا تدريجيا في محفظة الدين العام، حيث كان 15,3 مليار ريال في نهاية عام (2023) لينخفض بعد ذلك إلى 14,5 مليار في النصف الأول من عام (2024) حيث بلغ ما يعادل (33.9%) من الناتج المحلي الإجمالي. الناتج المحلي الإجمالي هو قيمة كل السلع والخدمات التي يتم إنتاجها خلال فترة زمنية معينة ويدخل في الناتج المحلي استخراج النفط حيث كلما زاد إنتاج النفط ارتفعت محصلة الناتج المحلي الإجمالي. كما أن الدين العام أصبح مكلفا ماليا ويدخل ضمن المصروفات الواجبة الدفع في تواريخ الاستحقاق. أيضا بلغت فوائد الدين العام المتوقع سدادها في عام (2023) مبلغا قدره 1.2 مليار ريال، ولكن خطط من وزارة المالية نحو تسديد الديون ذات الفوائد المرتفعة وأيضا في الأوقات الواجبة السداد، يعكس الرغبة في إيجاد نوع من الاستدامة للمالية والتي أثمرت عن انخفاض تكلفة الدين العام الفعلية بنسبة (13%) لتصل إلى 1.044 مليار ريال في نهاية عام (2023). هذا الأداء المتميز في إدارة الدين العام يعكس النظرة الاقتصادية للدولة المتمثلة في تحسين الجدارة الائتمانية.
عليه تلك النتائج التي تفوق التوقعات في مؤشرات الحساب الختامي والدين العام، لم تأت من فراغ، وإنما بوضع معالم خريطة الطريق لخطة التوازن المالي متوسطة المدى، والتي حددت عددا من المبادرات ومنها زيادة العوائد المحققة من الاستثمارات الحكومية وهذا مشاهد في الأداء الجيد لجهاز الاستثمار العماني خلال العام الماضي، وأيضا في العمل على فاعلية التحصيل ومنع التهرب الضريبي للدخل على الشركات، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. كما أن خطة التوازن المالي حددت تطبيق ضريبة الدخل على أصحاب الدخل المرتفع لتكون في عام (2022)، إلا أنه بالنظر للتحسن في الأداء المالي للدولة، والخطة بأن يتم تطبيق منظومة الحماية الاجتماعية أولا، فقد تم تأجيلها مع العلم بأن خطة التوازن متوسطة المدى تنتهي في (2024).
ولعل الجميع يلاحظ بأن هناك تحسنا ماليا في أداء الميزانية للدولة الذي يقاس بالنتائج المحققة بالحساب الختامي للدولة، والمؤشرات الإيجابية في استمرار انخفاض الدين العام بنسب جيدة. عليه فإن المتوقع مستقبلا وهو التوسع في تطبيق إصلاحات مالية هيكلية، ومنها فرض ضريبة الدخل على أصحاب الدخل المرتفع، فمن المؤكد بأن القائمين على هذا المسار لديهم بدائل من السيناريوهات الاقتصادية للآثار المحتملة في حال إقرار أية ضرائب من شأنها التأثير على النمو الاقتصادي والاجتماعي. كما أن هشاشة التركيبة المالية للمجتمع وعدم استعداده لأية صدمات مالية بعدما تنفس الصعداء نظير تطبيق منظومة الحماية الاجتماعية، يستلزم معه الحكمة والنظرة المالية المستقبلية من متخذي القرارات الاقتصادية للتداعيات لتطبيق تلك الضريبة على تدفق الاستثمارات على المستويين المحلي والخارجي.
د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس
بالنسبة بالإنفاق العام (المصروفات) فإنه لم يتجاوز المبلغ المعتمد إلا بنسبة (2%) والذي بلغ 11,606 مليار ريال. وقد يكون الجانب الأكبر في زيادة الإنفاق تم صرفها في الدعم الحكومي وكانت أعلى نسبة لذلك الصرف تمثل في دعم المنتجات النفطية حيث تجاوز المبلغ المصروف نسبة (800%) ليصل إلى (370) مليون ريال. وبالنسبة للمصروفات الإنمائية فقد سجلت زيادة في الإنفاق بنسبة (24%) وذلك نظير التوجه نحو زيادة المخصصات الإنمائية والاستثمارية للمحافظات، الأمر الذي يعطي مؤشرا بأن الزيادة في المصروفات كانت في الجوانب الهيكلية الإنتاجية والخدمية. في الجانب الآخر فإن المصروفات الجارية انخفضت بنسبة (1%) على الرغم من أن ما يقرب من (47) جهة حكومية تجاوزت الاعتمادات المخصصة لها بنسب متفاوتة وقليلة، بالمقارنة مع (12) جهة حكومية حافظت على اعتماداتها المالية أو أنها سجلت إنفاقا أقل عن المعتمد لها بالميزانية العامة. أيضا في ظل تسارع الدول وخاصة ذات الدخل المرتفع في زيادة المصاريف الدفاعية وشراء الأسلحة مع أن بعضا منها يستخدم في زيادة النعرات السياسية والحروب، إلا أن سلطنة عمان المعروفة ببقعة الأمن والسلام كان أداؤها في جانب مصروفات الدفاع والأمن متميزا، من حيث القدرة على ترشيد الإنفاق بنسبة وصلت إلى (4%). هذا ترشيد ساهم بطريقة مباشرة في توجيه موارد الدولة في التركيز على البرامج الاقتصادية والاجتماعية وأيضا في تخفيض الدين العام عن طريق زيادة الفائض في الميزانية العامة للدولة.
ولعل تنويع محفظة الإيرادات الحكومية بوضع تصور مالي بعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للإيرادات العامة هو نهج استراتيجي. وذلك لأن النفط يعد مصدرا غير مستدام وغير مستقر من حيث العرض والطلب والأسعار التي تتأثر بالتداعيات الاقتصادية والسياسية وإن كان تحكم الدول المصدرة للنفط (أوبك) والأعضاء من خارجها ومنهم سلطنة عمان ساهم في استقرار أسعار النفط خلال الفترة الماضية. ولكن القول بأن التحسن في الإيرادات كان كله بسبب ارتفاع أسعار النفط ليس دقيقا، حين كان مؤشر الإيرادات الجارية غير النفطية جيدا حيث ارتفع بنسبة (5.9%)، ذلك الارتفاع يعد الأعلى من حيث القيمة التي وصلت إلى (3524) مليون ريال وهي تمثل ما نسبته (28%) من جملة الإيرادات الكلية، الأمر الذي يدل على أن خطط التنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل تسير في الاتجاه الصحيح.
والدين العام، يتم عن طريق الاقتراض من البنوك والمصارف سواء كانت محلية أو خارجية، والتي عادة تقوم بدراسة مالية واقتصادية مفصلة عن الأداء المالي للدولة ومدى مقدرتها على السداد في المواعيد المحددة للوفاء بتلك القروض. حيث تستعين بدراسة الجدارة الائتمانية عن طريق الدرجات التي تحصل عليها الدولة في التصنيف الائتماني الذي تجريه وكالات التصنيف العالمية، ومنها على سبيل المثال: ستاندر آند بورز، فيتش، وموديز. وسلطنة عمان نظرا لاستمرارها في تسديد مبلغ الدين العام والبعض منه يتم تسديده قبل تاريخ الاستحقاق، فقد حصلت على درجات بتصنيف ذي نظرة مستقبلية مستقرة وأيضا إيجابية، مع العلم بأن دول الخليج العربية تأتي في صدارة التصنيفات الائتمانية ذات الجدارة الجيدة على المستوى العربي.
عليه يلاحظ بأن هناك انخفاضا تدريجيا في محفظة الدين العام، حيث كان 15,3 مليار ريال في نهاية عام (2023) لينخفض بعد ذلك إلى 14,5 مليار في النصف الأول من عام (2024) حيث بلغ ما يعادل (33.9%) من الناتج المحلي الإجمالي. الناتج المحلي الإجمالي هو قيمة كل السلع والخدمات التي يتم إنتاجها خلال فترة زمنية معينة ويدخل في الناتج المحلي استخراج النفط حيث كلما زاد إنتاج النفط ارتفعت محصلة الناتج المحلي الإجمالي. كما أن الدين العام أصبح مكلفا ماليا ويدخل ضمن المصروفات الواجبة الدفع في تواريخ الاستحقاق. أيضا بلغت فوائد الدين العام المتوقع سدادها في عام (2023) مبلغا قدره 1.2 مليار ريال، ولكن خطط من وزارة المالية نحو تسديد الديون ذات الفوائد المرتفعة وأيضا في الأوقات الواجبة السداد، يعكس الرغبة في إيجاد نوع من الاستدامة للمالية والتي أثمرت عن انخفاض تكلفة الدين العام الفعلية بنسبة (13%) لتصل إلى 1.044 مليار ريال في نهاية عام (2023). هذا الأداء المتميز في إدارة الدين العام يعكس النظرة الاقتصادية للدولة المتمثلة في تحسين الجدارة الائتمانية.
عليه تلك النتائج التي تفوق التوقعات في مؤشرات الحساب الختامي والدين العام، لم تأت من فراغ، وإنما بوضع معالم خريطة الطريق لخطة التوازن المالي متوسطة المدى، والتي حددت عددا من المبادرات ومنها زيادة العوائد المحققة من الاستثمارات الحكومية وهذا مشاهد في الأداء الجيد لجهاز الاستثمار العماني خلال العام الماضي، وأيضا في العمل على فاعلية التحصيل ومنع التهرب الضريبي للدخل على الشركات، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. كما أن خطة التوازن المالي حددت تطبيق ضريبة الدخل على أصحاب الدخل المرتفع لتكون في عام (2022)، إلا أنه بالنظر للتحسن في الأداء المالي للدولة، والخطة بأن يتم تطبيق منظومة الحماية الاجتماعية أولا، فقد تم تأجيلها مع العلم بأن خطة التوازن متوسطة المدى تنتهي في (2024).
ولعل الجميع يلاحظ بأن هناك تحسنا ماليا في أداء الميزانية للدولة الذي يقاس بالنتائج المحققة بالحساب الختامي للدولة، والمؤشرات الإيجابية في استمرار انخفاض الدين العام بنسب جيدة. عليه فإن المتوقع مستقبلا وهو التوسع في تطبيق إصلاحات مالية هيكلية، ومنها فرض ضريبة الدخل على أصحاب الدخل المرتفع، فمن المؤكد بأن القائمين على هذا المسار لديهم بدائل من السيناريوهات الاقتصادية للآثار المحتملة في حال إقرار أية ضرائب من شأنها التأثير على النمو الاقتصادي والاجتماعي. كما أن هشاشة التركيبة المالية للمجتمع وعدم استعداده لأية صدمات مالية بعدما تنفس الصعداء نظير تطبيق منظومة الحماية الاجتماعية، يستلزم معه الحكمة والنظرة المالية المستقبلية من متخذي القرارات الاقتصادية للتداعيات لتطبيق تلك الضريبة على تدفق الاستثمارات على المستويين المحلي والخارجي.
د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس