• أصدقائي الأعزاء هنا: سيتوقف نشر حلقات "أنساغ" طوال شهر رمضان المبارك، وسوف تستأنف النشر بعد عطلة عيد الفطر السَّعيد. وكل عام وأنتم بخير بالمناسبتين الكريمتين معاً.

(1)

ابتدأت البلاد في الوأد والمهاجرين الذين لا نعرفهم. وكان كَمَدُ الشُّهداء في القبور الجماعيَّة المجهولة. وكان الوادي الصَّغير كبيرا، وصار الوأد الرَّاية.

هكذا تصير الذاكرة.

(2)

أيتها الشمس: أشرقي.

أيتها الشمس: لا تغربي.

أيها البحر: لا تسافر.

أيها العاشق: لا تكُف.

أيها الكاتب: لا تنسَ.

(3)

الذاكرة تفيض ولا تمتلئ. الذاكرة تمتلئ ولا تفيض.

الأمر يختلف لديك، لكنه سيَّان لدى الذاكرة.

ولا أحد ينبغي عليه أن يكترث (إلا بطريقته) بذلك.

(4)

لن يستشهد في الغيلة القادمة (ليس لأنه أكثر حذرا منكم).

(5)

نسر

قارب مثقوب

ذاكرة بعيدة.

(6)

في تلك البلاد كان يتعين عليك الانضمام إلى مساقات دراسيَّة مكثَّفة، والاشتراك في ورش عمل تنفيذيَّة، وتقديم امتحانات شفهيَّة ومكتوبة صارمة. وإن اجتزت كل هذا سيعطونك شهادة موثَّقة تثبت أنك قد أصبحت بغلا صالحا.

بعد سنوات قليلة من ذلك، وللتعامل مع الانخفاض المستمر في ثروة الحمير الوطنيَّة، وجَّهت السلطات بإجراء فحص الـ DNA لكل مواطن.

وهكذا لم يعد الملك يحكم سوى قصره والإسطبل الذي فيه.

(7)

في كل مرَّة يأتي الموت باعتباره وكيلا نزيها، وصارما، وصادقا، ومخلصا، ودقيقا، ونظيف القلب والذِّمة واليدين، ينصرف الميت إلى ما يعنيه ولا يخصُّ الموت.

الموت مجال من مجالات الاطمئنان الأخير.

(8)

المرَّة التَّالية مجرَّد احتمال للموت. أما الفكرة القادمة، فيجب أن تكون من اختراع الموت بصورة يمكن الاعتداد بها (لأن الموت، لغاية الآن، لم يفعل ما يمكن الاعتداد به).

(9)

هذه النَّخلة ضلَّت عن أُمِّها (انظروا كيف تترنَّح النَّجمة).

أنا لا أزال أحبُّكِ (ليس من شأنكم أن تنظروا كيف تهزُّ مريم النَّخلة).

(10)

أغنية "كلمة ولو جبر خاطر" بصوت طلال مدَّاح أسوأ الكمائن، أسوأ الذكريات، أول وآخر الحب، أوهى الأعذار، أقوى شكيمة ممكنة، بداية القيامة، أبشع الحتوف، الحب ذاهبا في البحر.

(11)

اسبقيني إلى هنا (أنا لا أستطيع).

(12)

على خاصرتكِ تتشكَّل البِحار، وتتلوى القوقعة (كما في تصوير عاشق مبتدئ).

(13)

الأذى رحلة طويلة وتضاريس لا تنتهي أبدا (الأذى يتشكَّل دوما، وهذا تحوير غير مؤذٍ لعنوان المجموعة الشِّعريَّة "تشكيل الأذى" لـ ميسون صقر القاسمي).

(14)

النَّهار فُضْلَة.

(15)

يقولون إن من حناجرهم تنبثق الشُّموس والطُّيور، لكن ليس البحر إلا بداية ما خلَّف الماء.

(16)

هذا الغراب صديقي (وتلك الرَّصاصة، أيضا).

(17)

اللَّثغة على الرَّغيف، والحنين على الحَلمة.

(18)

لا أحد يريدكَ هنا (إيَّاك أن تذهب إلى هناك).

(19)

تبتسمين ابتسامة وداعيَّة في آخر لقاء (أَبتسم لك الليلة، بعد مضي السَّنوات، بصورة أفضل من خلف تلك الابتسامة).

(20)

لا تبعث تحيَّتك الأخيرة إلى البحر (دعهم يعذِّبونك بصورة أفضل).

(21)

أتهجَّاكِ واقفا (أتذكَّركِ حين انسدل وأموت).

(22)

أُعدُّ في كل ليلة مأدبة كبيرة لأيتامي، وأنتِ سعفة بعيدة.

(23)

صار في وسعي أن أموت في هذه الليلة (وكم، قبل هذا، دشَّنتُ أعمالا غير كاملة).

(24)

أخاف الموت (ولا أتحسَّس مسدَّسي).

(25)

يُصاب بالهلع كل من أحصى عدد الانقراضات، اليوم.

(26)

في برهةٍ ما، في اللحظة النموذجيَّة، والاسترشاديَّة، والنَّقدية، والسِّيَريَّة، من حياة كل كاتب (تقريبا)، وحسب ما كنتُ ولا أزال أعرف، تكون الكتابة خليطا سحريَّا، ومتوافقا، ومتفاعلا، ومتناغما، من ثلاثة عناصر في الأقل: الموهبة الكبيرة، والثقافة الغزيرة، والمعاناة الهائلة.

بالنسبة لي، في تجربتي الضئيلة في الحياة وفي الكتابة، صرتُ الآن أتمسَّك بالثَّالثة فقط، وموقنا بها بعد أن خاب أملي في الاثنتين اللتين قَبْلَها (وقَبلي).

(27)

على الكتابة الكف عن كونها وهما. على الكتابة أن تكون الحقيقة (والطريق إلى الحقيقة محض مخيال ذاتي عنيد كما في قولنا عن "النظرة الكريتيَّة" لـ نيكوس كازانتزاكيس).

(28)

الكارثة هي أنه، في تلك البلاد، لم يعد مطلوبا من المرء أن يتصنَّع الغباء مع الأغبياء كي يخرج من السَّهرة بأقل الخسائر الممكنة. ولكن بات عليه أن يفتعل الغباء مع الأذكياء كي يحاول تجنب الدعوة الثانية.

(29)

في هذه المفازة لم يعد أحد يستطيع أن يتذكَّر الوطن (في هذه المفازة، نحن نقتات على الخبز، والجبن، وما تبقَّى من دماء).

(30)

يشاركون في جنازتك (لا يريحهم أنك مستلقٍ على ظهرك كما أمِّك، ومحمول مثل مدفع فيتناميٍّ مضاد للطائرات في الحرب الأمريكيَّة، وتضحك).

دعهم يشاركون في جنازتك، ولا تكتم ضحكتك.

(31)

لن يفعل "الأوفياء" شيئا لأجلك، فغايتهم الوفاء لأنفسهم فقط (والمؤسف أنهم لم يفعلوا حتى ذلك لغاية الآن).

(32)

لا أزال في انتظارك أيها الانتظار.

(33)

القُرَّاء وحدهم من يجعلون الكاتب "نُخبويَّا"، والقُرَّاء وحدهم هم من يُنَصِّبون الكاتب "شعبيَّا". والكارثة الأكبر هي أن القُرَّاء وحدهم هم من "يتَّهِمون" الكاتب بذلك. القُرَّاء وحدهم من سَيُعْلُونَك، والقُرَّاء وحدهم من سيضجرون منك، ويرفسونك.

القُرَّاء (بهذا المعنى الشَّعبوي تقريبا) وحدهم آخر ما ينبغي أن يحفل به الكاتب.

(34)

كلا، لا تُعْطِهم روحك (أقصد: لا تأخذ منهم العهد، ولا الإبل والخِراف، ولا السُّيوف في المعركة).

(35)

أكتشف الآن أنها مشكلتي (أنا)، وليست مشكلة السَّعادة (وهذا ليس اكتشافا متأخرا جدا، في أية حال).

(36)

الإنسان لا يوجد لغاية الآن (هؤلاء مجرد نسخ ركيكة من المضاجعات والأدعية).

(37)

أموت في كل مرة لا أراك فيها (وهذا من باب الاحتياط فحسب).

(38)

كل هذا العطب الذي في الخبز والفانوس.