عاشت سلطنة عمان خلال اليومين الماضيين تجربة فريدة من نوعها تمثلت في فتح حوار شفاف وصريح بين المواطنين من مختلف الفئات العُمرية وخصوصًا فئة الشباب وبين المسؤولين الحكوميين من صناع القرار. ورغم أن هذه هي النسخة الثانية من تجربة ملتقى «معا نتقدم» إلا أنها كانت أكثر نضجا من النسخة الأولى التي شهدت تأسيس الفكرة العام الماضي. ومن شاهد التجربة وعاش تفاصيلها على مدى يومين يستطيع أن يشعر بالكثير من الغبطة والسرور، ليس فقط على مستوى سقف الحرية العالي الذي ساد النقاش والطرح واستعراض طموحات الشباب وآمالهم لمستقبلهم كأفراد، ومستقبل وطنهم سلطنة عمان ولكن أيضا، وهذه نقطة غاية في الأهمية، على مستوى نوعية الأطروحات ونضجها وآفاقها البعيدة، حيث إن بعضها طُرح من فتيان وفتيات ما زالوا على مقاعد الدراسة وهذا يفصح عن التقدم المطرد الذي يشهده بناء الوعي المعرفي والعلمي في سلطنة عمان، فهذا الأمر وإن كان يشترك في بنائه جميع المؤسسات، إلا أنه من المهم الإشارة إلى مؤسستين رائدتين في صناعة الوعي في أي مكان في العالم وهما مؤسسة التعليم ومؤسسة الإعلام.

إن تجربة ملتقى «معا نتقدم» تؤسس لحالة صحية ومهمة في فتح حوار شفاف مستمر بين صناع القرار في الحكومة وبين أجيال الشباب التي تؤكد كل يوم أنها قادرة على المشاركة في تأسيس مسارات المستقبل، الأمر الذي يجعلها تشعر بالمسؤولية تجاه تنفيذ خطط الحكومة ومشروعاتها لأنها تعد نفسها أحد صناعها ومبتكريها.

وهذا الأمر لا يجب أن يقتصر فقط على ملتقى «معا نتقدم» ولكن من المهم أن تملك كل المؤسسات الحكومية مساحة دائمة لتبادل الأفكار وصناعتها.. وفي مقدمتها المؤسسة الإعلامية التي تفتح كل مساحاتها من أجل بث ونشر ونقاش الأفكار الملهمة التي تحمل في عمقها رغبة حقيقية نحو التقدم وعلاج التحديات التي قد تواجه أي مسار من مسارات التنمية.

وإذا كنا قد تحدثنا عن مستوى نضج الطرح وعمقه خلال يومي الملتقى فإنه من المهم أيضا الحديث عن مستوى أدوات عرض الخطاب ومهنيتها وقدرته على استخدام المنطق في الإقناع بعيدا عن أساليب التمترس وراء الصراخ ودغدغة المشاعر عبر استخدام الخطابات الشعبوية الأمر الذي يؤكد أن الخطاب العماني وأدوات طرحه يتميز بالمهنية العالية المستمدة من قيم المجتمع ومبادئه الأصيلة، وهذا التميز يستحق أن يبنى عليه لمسارات المرحلة القادمة.