يحتفل العالم اليوم بمناسبة «اليوم العالمي لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب»، وهو مناسبة مهمة تذكر المجتمع الدولي بمسؤولياته المشتركة التي عليه القيام بها بشكل عملي دون الاكتفاء بإحياء الذكرى عبر كلمات وخطب رنانة في وقت ترزح فيه الكثير من شعوب العالم تحت جور العنف والتطرف الذي فاق الإرهاب وتجاوزه إلى فعل الإبادة والتصفيات العرقية؛ لذلك فإن العالم الذي يستذكر هذه المناسبة تقع أمامه مسؤولية جسيمة لاتخاذ إجراءات موحدة ومشتركة ضد كل تيارات العنف والتطرف التي تهدد بتفكيك نسيج المجتمعات في الكثير من دول العالم، التي ترمي بذور الإرهاب والتطرف في كل مكان نتيجة تعرض الكثير من المجتمعات والقوميات لشتى صنوف الظلم والتنكيل والقهر، وسد جميع منافذ المستقبل المشرق. وأوضح مثال عملي يقع في هذه اللحظة أمام أنظار العالم هو ما يحدث للشعب الفلسطيني الذي يباد ويقهر على أرضه فيما العالم يقف صامتا دون تحريك ساكن حقيقي يمكن أن يوقف الإبادة.

إنَّ التطرف العنيف يقوض كل فرص السلام والأمن، ويعتدي بصورة واضحة على حقوق الإنسان وكل أنواع التنمية المستدامة التي تحاول المجتمعات صناعتها لشعوبها. ولا يمكن ربط هذه الظاهرة بديانة معينة أو بقومية أو جنسية أو حضارة من الحضارات.. وهي ظاهرة تتغذى على المظالم، وتستغل نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ما يخلق أرضًا خصبة لانتشار الإرهاب؛ لذا تبدو مخاطر التطرف متعددة، فهي لا تؤثر في الضحايا المباشرين فحسب، بل تعمل على تقويض الأمن والأمان وكل المبادئ التي تتوافق عليها البشرية أو تحتمي بها.

إن العالم الذي يقدم نفسه بوصفه متقدمًا ومتطورًا يضطلع بدور محوري في التصدي لهذه الظاهرة ومنعها قبل أن تصل إلى مرحلة يتحول فيها العالم أجمع إلى منطقة صراع كبرى؛ لذلك من الأهمية بمكان أن تستفيد دول العالم من قدراتها في مكافحة الإرهاب عبر التدابير الأمنية، وهذا أمر في غاية الأهمية.. ولكن هناك ما هو أكثر أهمية منه في سياق معالجة الظاهرة وهو معالجة الأسباب الجذرية للتطرف العنيف، ويشمل ذلك معالجة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز قيم العدالة والمساواة وتعزيز التعليم والحوار كأدوات للصمود في مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة.

لكن الأمر لا يبدو بالسهولة التي نتصورها في ظل عالم يقوم على فكرة التجاذب والصراع الصريح والخفي.. وتؤكد الدراسات والأبحاث العلمية مدى تعقيد التطرف العنيف وتوصي دائما باتباع منهج علمي متكامل في مكافحته. ويشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن استراتيجيات الوقاية الفعالة يجب أن تركز على بناء مجتمعات شاملة يشعر فيها كل فرد بأنه جزء أساسي من نسيجها، ويشعر فيها بالعدل والأمان، وأنه يستطيع معالجة مظالمه بالوسائل السلمية دون التفكير في العنف. وتشير الأبحاث التي أجرتها مؤسسات بحثية مثل معهد الاقتصاد والسلام «IEP» إلى العلاقة بين العوامل الاجتماعية مثل: البطالة، والتمييز، وعدم القدرة على الوصول إلى التعليم وتزايد التطرف والعنف.

وإذا كانت أي دولة مهما كانت قوتها وإمكانياتها لا يمكن أن تكون في منأى كامل عن آثار التطرف والإرهاب، فإنها لا يمكن، أيضا، أن تقوم بمفردها باستئصال جذوره؛ فالأمر يحتاج إلى جهود دولية متكاملة، كما أنه يحتاج إلى رؤية واضحة تقوم على مبادئ العدل والمساواة في النظر إلى جميع الناس من الزاوية نفسها وعدم الكيل بمكيالين؛ فبذور التطرف والإرهاب وإن نبتت في مكان ما محدد بإطار جغرافي إلا أن أثرها يطول العالم أجمع وخاصة المكان الذي يشعر فيه المتطرف أن ضيمًا قد ناله منه أو ناله بتأثير مباشر أو غير مباشر منه.

لذلك فإن هذا العالم الذي يمر بمرحلة من التحولات الكبرى ومخاضات تغيرات جذرية في نظامه العالمي هو في أمس الحاجة إلى بناء منظومة قيم ومبادئ تمنع نشوء أي شعور بالمظلومية أو بغياب العدالة وهي أحد أهم أسباب التطرف والعنف. ونحمد الله أننا في سلطنة عُمان نعيش حالة سلم وعدالة اجتماعية ومساواة وهي عوامل شكلت مع الوقت شخصية العمانيين المتصالحة والبعيدة كل البعد عن العنف والتطرف والإرهاب، وقد رعت الدولة هذه الميزات وحصنتها بالقوانين والأنظمة التي يحترمها الجميع من تلقاء أنفسهم.