ليت هند رجب التي أحرقت نيران الإجرام الإسرائيلي طفولتها تكون جرس إنذار يوقد الضمير الإنساني من توحشه؛ ليستيقظ ويرى بأم عينه أن النازية التي حاربها العالم في النصف الأول من القرن الماضي تعود من جديد محملة بكل أحقاد التاريخ وأوهامه، وترتكب اليوم أبشع من كل الجرائم التي ارتكبها النازيون الأوائل أمام مسمع ومرأى العالم المتحضر الذي يحتفل في كل لحظة بإنجازاته العلمية ومنجزه السياسي الأكبر المتمثل في الديمقراطية الليبرالية التي يفترض وفق أدبياتها أنها تحتفي بإنسانية الإنسان وبحقوقه وكرامته.

لقد عاش اليهود وهم المظلومية لسنوات طويلة في التاريخ قبل الهولوكوست وبعده، ومن كثرة ترديدهم تلك المظلومية التي وقعت عليهم تلبسوها في أبشع صورها؛ لذلك يرتكبون اليوم أبشع من جرائم النازيين والفاشيين، وأبشع من كل الجرائم التي ارتكبتها البشرية منذ آدم إلى اليوم.

كانت هند بنت السنوات الست تكمل مكالمة هاتفية مع موظفة الإسعاف في الهلال الأحمر بعد أن وجدت نفسها بين جثث مجموعة من أفراد عائلتها في سيارة استهدفها جيش الاحتلال.. أخبرت هند موظفة الهلال الأحمر أن أفراد عائلتها المرافقين لها في السيارة استشهدوا، وكانت تقول للموظفة وهي ترتجف من الخوف: «خذيني تعَالي.. أمانة خايفة تعالي.. رني على حدا يجي يأخذني»، وبقيت هند على الخط لمدة ثلاث ساعات فيما أخذ الهلال الأحمر إذنا عبر وسطاء للذهاب لإنقاذها.. ورغم إعطاء الإذن إلا أن النازيين الجدد أرادوا تحويل الموضوع إلى لعبة يتسلون بها.. فانتظروا حتى وصلت سيارة الإسعاف إلى جوار هند التي فرحت للوهلة الأولى أن ستنجو من القصف الذي يحيط بها من كل مكان.. وفي ذروة المشهد المأساوي قامت قوات الاحتلال الصهيوني باغتيال هند واستهداف سيارة الإسعاف ثم تفجيرها بمن فيها.. استشهدت هند واستشهد خمسة من أفراد أسرتها واستشهد اثنان من المسعفين الذين خرجوا لإنقاذها.

ورغم أن مأساة هند ليست الوحيدة في قطاع غزة ولكنها يمكن أن تعطي تصورا لهول المآسي التي يعيشها الفلسطينيون جراء جرائم الاحتلال النازي. ولأن قصة هند لقيت متابعة منذ لحظة اختفائها قبل 12 يوما من قبل الكثير من الناشطين في مختلف العالم فإنها كفيلة بأن تدق جرس الإنذار، وتحاول جعل العالم يستوعب حجم الجرائم التي ترتكب في فلسطين، وحجم الجرائم التي تستعد إسرائيل النازية لارتكابها في رفح التي أجبرت أكثر من مليون فلسطيني للنزوح إليها وهي تستعد الآن لجريمتها الكبرى باجتياح رفح المكتظة بالنازحين وتسجيل أكبر كارثة إنسانية متوقعة.. رغم أن إسرائيل ترتكب في اليوم الواحد أكثر من عشر مجازر لا تقل فظاعتها عن أي مجزرة عبر التاريخ.. وهي الآن تشعل الأفران بوقود الغرب لحرق مئات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء.. ولكن لا أحد يتكلم، بل إن الغرب القادر على كبح نازية إسرائيل يدعم بقوة «دفاع إسرائيل عن نفسها».

ويعرف الكثير من العرب ممن يحتفون بالذاكرة ولا يركنون إلى النسيان تاريخَ الغرب الإمبريالي المتوحش الذي رافق صعوده التكنولوجي وتقدمه العلمي الكثير من المجازر الدموية وسلب خيرات الشعوب وتدميرها.. وحجم الجرائم التي ارتكبتها الإمبريالية الأوروبية في العالم العربي وفي أفريقيا وفي بقاع كثيرة من آسيا لا يمكن أن تنسى مهما تجاوزتها الشعوب من أجل أن ترمم حاضرها الذي لم يخلُ من مجازر جديدة راح ضحيتها ملايين الأبرياء كما حدث في أفغانستان والعراق على سبيل المثال؛ لذلك لا يمكن أن يتوقع أحد أن يمنع الغرب نازية إسرائيل وتوحشها وهوسها بالقتل والدمار وشرب الدماء.