ليريك هيوز هَيل- الفاينانشال تايمز - ترجمة : قاسم مكي - في الصين يلتهم المدرسون بقايا الطعام من أطباق وجبة غداء طلابهم في نفس المائدة. هذه الدقة في الاقتصاد تجيء في أعقاب حث الرئيس شي شعبَ بلده بوجوب التقليل من هدر الغذاء لدوافع منها تعزيز الاكتفاء الذاتي للصين من المواد الغذائية. هنالك عدة أسباب محددة وراء قلق الصين من شح الغذاء من بينها الفيضانات والجفاف والتوترات المتزايدة مع مصدِّري الغذاء كالولايات المتحدة واستراليا وإعدام ملايين الخنازير عندما تفشت إنفلونزا الخنازير في العام الماضي. هذه العوامل كلها كان لها تأثيرها. ففي يوليو ارتفعت أسعار الغذاء الصينية بنسبة 13% على أساس سنوي. لكن الصين ليست البلد الوحيد الذي يشهد تنامي القلق بشأن الطعام. فهنالك مخاوف شبيهة حول العالم. يمثل نقص الغذاء في البلدان الغنية والفقيرة على السواء نافذة يمكن الإطلال منها على تحديات الاقتصاد الدولي في حقبة ما بعد الجائحة وعواقب الانقطاعات في سلسلة الأمداد والإغلاقات. كما هناك أيضا خطر ارتفاع أسعار الغذاء الذي يمكن أن يكون نذيرا بارتفاع عام في مستوى التضخم. وهذا بدوره يمكن أن يقود إلى ارتفاع أسعار الفائدة مما يهدد التعافي الاقتصادي. فتماما كما كشف كوفيد-19 أن العالم لم يكن مستعدا لمواجهة أزمة صحة عالمية نحن أيضا بلا استعداد للتعامل مع اندلاع أزمة غذاء على مستوى العالم. الشيء الأكثر أهمية الآن يتمثل في الجانب الإنساني لمشكلة الغذاء. فلجنة الأمن الغذائي العالمي التابعة للأمم المتحدة تتوقع أن يتضاعف معدل سوء التغذية كنتيجة مباشرة للجائحة وأن من سيفقدون أرواحهم بسبب سوء التغذية والأمراض المرتبطة بها أكثر من أولئك الذين سيقضون نحبهم بسبب فيروس كورونا. ويقدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن عدد من سيواجهون أزمة حادة في الأمن الغذائي عالميا سيتضاعف تقريبا هذا العام إلى حوالي 265 مليون نسمة. من جانبها، تتوقع منظمة أوكسفام وفاة 12 ألف شخص يوميا من الجوع بنهاية هذا العام. كما تواجه سلفا مناطقُ النزاعات مثل اليمن وسوريا ولبنان وكوريا الشمالية أوضاعَ نقصٍ في الغذاء. وفي إفريقيا حتى قبل الجائحة كان حوالي 20% من السكان يعانون من سوء التغذية. وفي الأمريكتين تواجه الدول الفاشلة مثل فنزويلا مشكلة جوعٍ متفاقمة وتضخم في أسعار الغذاء. لكن المشكلة ليست محصورة في الدول الفاشلة أو البلدان النامية. فانعدام الأمن الغذائي يتزايد أيضا ببلدان في ثراء الولايات المتحدة، حيث تذكر عائلة واحدة من بين كل خمس عائلات أنها ليس لديها ما يكفي لإطعامها. كما امتدت صفوف بنوك الطعام في أثناء الجائحة. وكانت إغلاقات المدارس الأمريكية تعني أن التلاميذ الذين يعتمدون على المدارس في الحصول على وجبة يومية لن يجدوها. يبدو من غير المعقول أن ترتفع تكاليف الغذاء في الوقت الحالي في ظل تدني أسعار الطاقة التي تشكل أحد المدخلات المفتاحية في إنتاج الغذاء. لكن أسعاره في الولايات المتحدة زادت بأكثر من 4% خلال الإثني عشر شهرا الماضية على الرغم من هبوط أسعار النفط بنسبة 30% في أثناء نفس الفترة. كما من الممكن أيضا أن تبدأ أسعار الطاقة في الارتفاع بين غمضة عينٍ «جيوبوليتيكية» وانتباهتها. كما يبدو من غير البديهي أن ترتفع أسعار الغذاء بالنظر إلى توقع إنتاج كميات قياسية من الذرة الشامية وفول الصويا في الولايات المتحدة هذا العام. لقد تكيَّفت بعضُ قطاعات إنتاج الغذاء مثل اللحوم ومنتجات الدواجن على نحو جيد نسبيا مع صدمة كوفيد- 19 من خلال «الأتمتة». أيضا إنتاج الأرز والقمح عالميا في وضع جيد. رغما عن ذلك، إنتاج الغذاء ليس كافيا في حد ذاته. مع انتشار كوفيد-19 حول العالم فرضت بلدان منتجة مثل روسيا وتايلاند قيودا على الصادرات. أيضا قامت البلدان المستوردة بتخزين احتياطيات غذائية. ولم يكن بمقدور بعض المنتجين توزيع الغذاء الذي ينتجونه. فالنهاية الفجائية لتناول الوجبات في المطاعم (بسبب الإغلاقات) كانت تعني أن مزارعين عديدين لا يمكنهم بيع منتجاتهم وأنهم يلزمهم التخلص منها. كل هذا أحدث تشويها في الأسعار. بجانب ذلك هو أيضا تذكير بأن المشكلة لا تتعلق بكمية الغذاء المنتج بقدر ما تتعلق بكيفية توزيعه. وكما استنتج الاقتصادي أمارتيا سين (حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998- المترجم) في دراسته الرائدة عن مجاعة البنغال في عام 1943 فقد كان الافتقار إلى المعلومات وضعف السياسات وليس توافر الغذاء وراء تلك المجاعة الجماعية. الصلة بين الجوع والاضطرابات السياسية واضحة طوال مسيرة التاريخ. واليوم من الممكن أن تقود إلى عالم لا توجد فيه فقط تباينات واسعة في الدخل ولكن أيضا، وعلى نحو أشد سطوعا، بين الجوعى ومن يتوافر لهم الطعام . الأثر المحتمل لأوضاع نقص الغذاء على الاقتصاد الكلي واضحة أيضا. فارتفاع الأسعار يمكن أن يزيد التضخم . وفي عالمنا الذي يتغذى بالدَّين (القروض) يمكن حتى لارتفاع طفيف في أسعار الفائدة أن يقضي على التعافي الاقتصادي قبل أن يشتدَّ عودُه (في مَهدِه). هل توجد أية حلول فورية أو انتصارات سهلة. من الممكن أن تساعد تقنية المعلومات في تحقيق قدر أكبر من الكفاءة. بل يمكن إيجاد إحدى أفضل استخدامات «سلسلة الكُتَل» في تعقب الغذاء أثناء رحلته من المزرعة إلى المائدة مما يساهم في تحسين شفافية السوق. في كلا الحالين، البديل غير مريح. وإذا شهدت الأوضاع المزيد من السوء سيتجه كل بلد إلى الاعتماد على نفسه (في تدبير غذائه). ومن الممكن أن يبدأ تنافس تترتب عنه عواقب وخيمة على الفقراء والتعافي الاقتصادي المأمول.