هل يمكن القول اليوم إن زمن الحتميات قد ولَّى؟ وأن ليس هناك حتمية جغرافية؛ أو اجتماعية؛ أو زمنية؛ على سبيل المثال؛ تعيش فعلا هذه الحقيقة المرة؟ وإذا كان هذا السؤال واقعيا أو منطقيا، لما لا نزال نرى شعوبا تعيش في الدرك الأسفل من سلم الحضارة، مع أنها تمتلك مقومات الحضارة الحديثة؟ ترى؛ هل هناك عامل آخر، لا يزال يمخر في أسباب تطلعات الشعوب نحو الآفاق الأرحب، والطموحات الكبيرة، التي تعيشها شعوب أخرى؟ وهل يمكن النظر في عامل الاستعمار القبيح الذي يكرس كل الحتميات المعروفة وغير المعروفة، ويعزف على بقائها ليل نهار ليمتد عمر بقائه؛ منتصرا، متعنتا، يضع كل المبادئ والقيم الإنسانية تحت رجليه، وبلا هوادة؟ حيث يعينه على ذلك مجموعة من الصعاليك والحرامية، والخونة، وعديمو الضمير الإنساني، وإلا ما معنى أن يتمدد مفهوم الدولة العميقة في كثير من تجارب الأنظمة السياسية؟ وأن أي تغيير يطالب به المخلصون من أبناء الشعوب يقابل بمواجهة لا هوادة فيها، حيث تراق الدماء على الأرصفة، وذنبها الوحيد أنها لا تخضع لمبدأ الحتميات، وترى في الغد أملها المنظور الذي ينقلها من حالة العسر إلى حالة اليسر.
طبع الإنسان على اختلاق مفهوم الحتميات عندما يعجز أن يكون حرا، ولا تتوافق حريته مع طموحاته، هناك هامش من الحرية؛ غير منكور؛ ولكن هذا الهامش لا يحقق الكثير من الطموحات التي تغتلي بها الأنفس غالبا، فينكفئ الإنسان على الحتمية التي يؤمن بها، وإلا ما معنى أن تجد إنسانا ما يسكن في قمة جبل، وعنده معززات الحياة الموجودة عند من يسكن المدينة؛ حيث لم تثنه وعورة المكان، ولم ترسخ فيه قناعة البقاء بدون ما يكون عنده ما عند الآخرين ممن لا يعيشون حالته الملتحمة مع المكان الذي يعيش فيه، حيث لم يؤمن بحتمية المعاناة الجغرافية عن الاستمتاع بما هو متاح عند من تبسط له الجغرافية اتساعها اللا متناهي، حيث يستنطق هذا الانبساط في استغلاله لها على المستويين أو البعدين الأفقي؛ والرأسي على حد سواء، ويبدو وفق هذا المثل أعلاه، أن اختلاق الحتميات هو فعل إنساني يأخذ به عندما يريد، ويسقطه عندما يريد، وقد يستثنى من ذلك الحالات القاهرة، التي لا قبل لها من قوة الفرد ملجأ.
في كثير من المناقشات تستحضر حتمية الجغرافيا، وحتمية الزمن، والحتمية الاجتماعية، على أنها السبب في تأخر الشعوب، وفي مشاركتها في الحضارة الإنسانية، وهو نقاش يستحضر بعض الواقع الذي تعيشه بعض الشعوب، مع أنه من يدقق بعمق يجد أن الحتمية الجغرافية؛ على وجه الخصوص؛ لا يمكن التسليم لها بصورة مطلقة، والدليل أنك لو استحضرت أي بقعة جغرافية اليوم على امتداد الكرة الأرضية، وقارنت حالها قبل خمسين عاما، لوجدت أن واقعها تغير كثيرا عما كان، وأن هذه البقعة الجغرافية التي اخترتها عينة للقياس على مشهد تغيرها من عدمه، لتأكد لك أنها تشهد مخاضا مستمرا، ينقله من حالة متواضعة إلى حالة أكثر نموا، لماذا؟ لأن الفاعل الحقيقي في المكون الجغرافي هو الإنسان، وليس الأرض، نعم؛ الأرض تزودك بالكثير من الثروات الطبيعية، ولكنها لا تكبلك بقيود الحركة، وبالتالي فعليك كإنسان تعيش في بقعة جغرافية ما، أن تستثمر المعطيات الطبيعية في بقعتك الجغرافية، ومن ثم أن تقدمها للآخر على أنها منتج، فالإنسان نفسه أكبر منتج طبيعي متى تم استثماره الاستثمار الحقيقي، ولكم قرأنا عن تجارب الكثير من الدول التي استثمرت في الإنسان؛ وهي لا تملك الأدنى من المقومات الطبيعية، فانتقل بها إنسانها من مستوى الصفر، إلى مستوى الأرقام الفلكية، وكان للزمن فعل الكبير في هذا الاشتغال، فالزمن عامل محفز متى تم استغلاله الاستغلال الأمثل، والإنسان في بقعته الجغرافية الفقيرة، هو ذات الإنسان في بقعته الجغرافية ذات الغنى في التصنيف، ولكن لم يمتحن إرادته في الأولى، واستطاع توظيف إرادته في الثانية، وللذين يرجعون تأخر شعب ما دون آخر إلى أسباب قدرية؛ فهذا فقر في التفكير والتقييم، لأن المساحة التي يؤكدها الباحثون أن نسبة ما هو متاح أمام الفرد لكي يعمل من خلاله يصل إلى (90%) بينما ما هو مقدر عليه، أو خاضع له وفق معنى القدرية هو (10%) فقط، ولذلك نجحت الشعوب نجاحا مقدرا، عندما وعت هذه الحقيقة، وانتصرت على ذاتها انتصارا كبيرا، والدليل العملي الأكبر لهذه الحقيقة أن من يساهم اليوم في صنع الحضارة الإنسانية ليس فقط أولئك الذين نشأوا وعاشوا في الدول المتقدمة علميا، بل يساعدهم في ذلك؛ وربما يتفوق عليهم في بعض ما ينجز؛ هم أولئك الذين هاجروا إليهم من مختلف الجغرافيات التي تؤمن بالكثير من الحتميات في ثقافتها الحاضرة، وهذا واقع يعرفه الجميع، إذن المسألة ليست مسألة حتمية جغرافية، ولا حتمية زمنية، ولا حتمية ثقافية – كنتيجة – ولكن هناك شيء ما «سوسة» لا يزال يمخر في المعطيات الحضارية لدى البشر، وأقربها إلى الفهم (الاستعمار البغيض) الذي يجد له المساحة الآمنة في جغرافية ما؛ دون أخرى، وهذا ما يجب أن يطلق عليه حتمية الاستعمار.
في المجتمعات التي لا تزال تعاني من مرابض الجهل المختلفة، تتموضع فيها الكثير من الحتميات، وتكاد تشل حركة الحياة فيها، ويعاني فيها الأفراد معاناة لا هوادة فيها، وكأن من يعيش فيها يصارع «طواحين الهواء» وفق رواية (دون كيشوت) المعروفة؛ للكاتب الأسباني (ميغيل دي سرفانتس) – وفق المصدر – في الآونة الأخير بدأ مثل هذا النموذج من المجتمعات يتراجع بشكل كبير، حفزته أكثر وسائل التواصل الاجتماعي التي اكتسحت السهل والجبل، وقربت البعيد، وسافرت بالقريب، وساعدت في تضخم قرية كرة الثلج العالمية، يضاف إلى ذلك الجهد غير المنكور للأنظمة السياسية التي تحرص على إنقاذ مواطنيها من الوقوع في مزابل الجهل والتخلف، وذلك من خلال نشر العلم، والثقافة، والوعي الشامل بكل معانيه، للإيمان الموجود بأن
«المرء مع من لا يفهمه مثل السجين» كما هو المنقول عن؛ جلال الدين الرومي، فالأنظمة تحتاج إلى الكثيرين ممن يفهمون، حتى تنمو مشروعاتهم التنموية، وتؤتي بثمارها اليانعة على الجميع، واستثني هنا الأنظمة الديكتاتورية التي لا تخدم إلا نفسها، وهي على النقيض مما نتحدث عنه، وهي زائلة بحكم التاريخ، وتجربة الحياة.
الحتمية الزمنية بطبيعتها لا تحتاج إلى استئذان من أحد لكي تمارس حيويتها وديناميكيتها، فالشمس تطلع من المشرق، وتنهي مشوارها اليوم في المغرب، وفي ذات الوقت تشرق في يوم جديد على مكان ما من الجغرافيا، فهل هناك من عاقل يؤمن بالحتمية الزمنية؟ فهذه المناولة اليومية للزمن؛ هي في ذاتها تشعر الإنسان بكثير من الحرية والأمل؛ فمع شروق الشمس لليوم الجديد، تكون كل الكائنات على موعد مع الحياة، هذه الحياة التي تعطي اتساع الأفق، وعلى هذه الكائنات كلها أن تسبح في ملكوت الله، عن عمر بن الخطاب؛ رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أنكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا» – رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد – حسب المصدر. فالغدو والرواح؛ حسب النص؛ هو فعل زمني بامتياز، وتقوم الحتمية الاجتماعية على التفاعل، وإن كان هذا التفاعل مرهون بمقدار الحرية الممنوحة للشعوب لكي تتفاعل بكامل طاقتها، في أي مشروع مطروح على الواقع، بمعنى أن الحتمية الاجتماعية ليست جامدة؛ وفق مفهوم «الحتمية» وإنما الأمر مرتهن بثيمة الحرية، وقدرة الإنسان على التفاعل والتكامل مع الآخر، فالجماعة الإنسانية حتمية ضرورية للبقاء الإنساني، وتفاعلها مع الجماعات الأخرى هو الذي يعطيها نفس البقاء والاستمرار، والارتقاء، والتعبير عن ذاتها من خلال ما تنجزه على الواقع الذي تتقاسمه مع الآخرين، فما فائدة المرجوة عندما تتموضع الجماعة الإنسانية على مفاهيم تحد من عطائها؟
تشكل الحتميات مقاربات مهمة لتطور المجتمعات، وإذا كانت هذه من مهمات السياسيين على وجه الخصوص، فإن الأفراد غير معذورين عن النظر فيها، والتفكير فيها، والمقاربة بها في شؤونهم الخاصة، فهناك من الناس – بفضل الله – انتقلوا من حالة العسر إلى حالة اليسر، وقد ولدوا وآباؤهم في مستنقع الفقر، وقد استمعت مرة إلى قصة أحد الناجحين، ويعد من علماء العصر اليوم، أنه نشأ في دار أيتام، لا أم ولا أب يرعاه، سوى برنامج الدار الذي يكاد يخلو من كثير معززات الأمومة والأبوة، ومع ذلك فهو اليوم يتبوأ المكانة الكبيرة بين علماء التخصص الذي درسه، ويعد هذا النموذج (انشقاق كبير عن كل الحتميات المعروفة).
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
طبع الإنسان على اختلاق مفهوم الحتميات عندما يعجز أن يكون حرا، ولا تتوافق حريته مع طموحاته، هناك هامش من الحرية؛ غير منكور؛ ولكن هذا الهامش لا يحقق الكثير من الطموحات التي تغتلي بها الأنفس غالبا، فينكفئ الإنسان على الحتمية التي يؤمن بها، وإلا ما معنى أن تجد إنسانا ما يسكن في قمة جبل، وعنده معززات الحياة الموجودة عند من يسكن المدينة؛ حيث لم تثنه وعورة المكان، ولم ترسخ فيه قناعة البقاء بدون ما يكون عنده ما عند الآخرين ممن لا يعيشون حالته الملتحمة مع المكان الذي يعيش فيه، حيث لم يؤمن بحتمية المعاناة الجغرافية عن الاستمتاع بما هو متاح عند من تبسط له الجغرافية اتساعها اللا متناهي، حيث يستنطق هذا الانبساط في استغلاله لها على المستويين أو البعدين الأفقي؛ والرأسي على حد سواء، ويبدو وفق هذا المثل أعلاه، أن اختلاق الحتميات هو فعل إنساني يأخذ به عندما يريد، ويسقطه عندما يريد، وقد يستثنى من ذلك الحالات القاهرة، التي لا قبل لها من قوة الفرد ملجأ.
في كثير من المناقشات تستحضر حتمية الجغرافيا، وحتمية الزمن، والحتمية الاجتماعية، على أنها السبب في تأخر الشعوب، وفي مشاركتها في الحضارة الإنسانية، وهو نقاش يستحضر بعض الواقع الذي تعيشه بعض الشعوب، مع أنه من يدقق بعمق يجد أن الحتمية الجغرافية؛ على وجه الخصوص؛ لا يمكن التسليم لها بصورة مطلقة، والدليل أنك لو استحضرت أي بقعة جغرافية اليوم على امتداد الكرة الأرضية، وقارنت حالها قبل خمسين عاما، لوجدت أن واقعها تغير كثيرا عما كان، وأن هذه البقعة الجغرافية التي اخترتها عينة للقياس على مشهد تغيرها من عدمه، لتأكد لك أنها تشهد مخاضا مستمرا، ينقله من حالة متواضعة إلى حالة أكثر نموا، لماذا؟ لأن الفاعل الحقيقي في المكون الجغرافي هو الإنسان، وليس الأرض، نعم؛ الأرض تزودك بالكثير من الثروات الطبيعية، ولكنها لا تكبلك بقيود الحركة، وبالتالي فعليك كإنسان تعيش في بقعة جغرافية ما، أن تستثمر المعطيات الطبيعية في بقعتك الجغرافية، ومن ثم أن تقدمها للآخر على أنها منتج، فالإنسان نفسه أكبر منتج طبيعي متى تم استثماره الاستثمار الحقيقي، ولكم قرأنا عن تجارب الكثير من الدول التي استثمرت في الإنسان؛ وهي لا تملك الأدنى من المقومات الطبيعية، فانتقل بها إنسانها من مستوى الصفر، إلى مستوى الأرقام الفلكية، وكان للزمن فعل الكبير في هذا الاشتغال، فالزمن عامل محفز متى تم استغلاله الاستغلال الأمثل، والإنسان في بقعته الجغرافية الفقيرة، هو ذات الإنسان في بقعته الجغرافية ذات الغنى في التصنيف، ولكن لم يمتحن إرادته في الأولى، واستطاع توظيف إرادته في الثانية، وللذين يرجعون تأخر شعب ما دون آخر إلى أسباب قدرية؛ فهذا فقر في التفكير والتقييم، لأن المساحة التي يؤكدها الباحثون أن نسبة ما هو متاح أمام الفرد لكي يعمل من خلاله يصل إلى (90%) بينما ما هو مقدر عليه، أو خاضع له وفق معنى القدرية هو (10%) فقط، ولذلك نجحت الشعوب نجاحا مقدرا، عندما وعت هذه الحقيقة، وانتصرت على ذاتها انتصارا كبيرا، والدليل العملي الأكبر لهذه الحقيقة أن من يساهم اليوم في صنع الحضارة الإنسانية ليس فقط أولئك الذين نشأوا وعاشوا في الدول المتقدمة علميا، بل يساعدهم في ذلك؛ وربما يتفوق عليهم في بعض ما ينجز؛ هم أولئك الذين هاجروا إليهم من مختلف الجغرافيات التي تؤمن بالكثير من الحتميات في ثقافتها الحاضرة، وهذا واقع يعرفه الجميع، إذن المسألة ليست مسألة حتمية جغرافية، ولا حتمية زمنية، ولا حتمية ثقافية – كنتيجة – ولكن هناك شيء ما «سوسة» لا يزال يمخر في المعطيات الحضارية لدى البشر، وأقربها إلى الفهم (الاستعمار البغيض) الذي يجد له المساحة الآمنة في جغرافية ما؛ دون أخرى، وهذا ما يجب أن يطلق عليه حتمية الاستعمار.
في المجتمعات التي لا تزال تعاني من مرابض الجهل المختلفة، تتموضع فيها الكثير من الحتميات، وتكاد تشل حركة الحياة فيها، ويعاني فيها الأفراد معاناة لا هوادة فيها، وكأن من يعيش فيها يصارع «طواحين الهواء» وفق رواية (دون كيشوت) المعروفة؛ للكاتب الأسباني (ميغيل دي سرفانتس) – وفق المصدر – في الآونة الأخير بدأ مثل هذا النموذج من المجتمعات يتراجع بشكل كبير، حفزته أكثر وسائل التواصل الاجتماعي التي اكتسحت السهل والجبل، وقربت البعيد، وسافرت بالقريب، وساعدت في تضخم قرية كرة الثلج العالمية، يضاف إلى ذلك الجهد غير المنكور للأنظمة السياسية التي تحرص على إنقاذ مواطنيها من الوقوع في مزابل الجهل والتخلف، وذلك من خلال نشر العلم، والثقافة، والوعي الشامل بكل معانيه، للإيمان الموجود بأن
«المرء مع من لا يفهمه مثل السجين» كما هو المنقول عن؛ جلال الدين الرومي، فالأنظمة تحتاج إلى الكثيرين ممن يفهمون، حتى تنمو مشروعاتهم التنموية، وتؤتي بثمارها اليانعة على الجميع، واستثني هنا الأنظمة الديكتاتورية التي لا تخدم إلا نفسها، وهي على النقيض مما نتحدث عنه، وهي زائلة بحكم التاريخ، وتجربة الحياة.
الحتمية الزمنية بطبيعتها لا تحتاج إلى استئذان من أحد لكي تمارس حيويتها وديناميكيتها، فالشمس تطلع من المشرق، وتنهي مشوارها اليوم في المغرب، وفي ذات الوقت تشرق في يوم جديد على مكان ما من الجغرافيا، فهل هناك من عاقل يؤمن بالحتمية الزمنية؟ فهذه المناولة اليومية للزمن؛ هي في ذاتها تشعر الإنسان بكثير من الحرية والأمل؛ فمع شروق الشمس لليوم الجديد، تكون كل الكائنات على موعد مع الحياة، هذه الحياة التي تعطي اتساع الأفق، وعلى هذه الكائنات كلها أن تسبح في ملكوت الله، عن عمر بن الخطاب؛ رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أنكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا» – رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد – حسب المصدر. فالغدو والرواح؛ حسب النص؛ هو فعل زمني بامتياز، وتقوم الحتمية الاجتماعية على التفاعل، وإن كان هذا التفاعل مرهون بمقدار الحرية الممنوحة للشعوب لكي تتفاعل بكامل طاقتها، في أي مشروع مطروح على الواقع، بمعنى أن الحتمية الاجتماعية ليست جامدة؛ وفق مفهوم «الحتمية» وإنما الأمر مرتهن بثيمة الحرية، وقدرة الإنسان على التفاعل والتكامل مع الآخر، فالجماعة الإنسانية حتمية ضرورية للبقاء الإنساني، وتفاعلها مع الجماعات الأخرى هو الذي يعطيها نفس البقاء والاستمرار، والارتقاء، والتعبير عن ذاتها من خلال ما تنجزه على الواقع الذي تتقاسمه مع الآخرين، فما فائدة المرجوة عندما تتموضع الجماعة الإنسانية على مفاهيم تحد من عطائها؟
تشكل الحتميات مقاربات مهمة لتطور المجتمعات، وإذا كانت هذه من مهمات السياسيين على وجه الخصوص، فإن الأفراد غير معذورين عن النظر فيها، والتفكير فيها، والمقاربة بها في شؤونهم الخاصة، فهناك من الناس – بفضل الله – انتقلوا من حالة العسر إلى حالة اليسر، وقد ولدوا وآباؤهم في مستنقع الفقر، وقد استمعت مرة إلى قصة أحد الناجحين، ويعد من علماء العصر اليوم، أنه نشأ في دار أيتام، لا أم ولا أب يرعاه، سوى برنامج الدار الذي يكاد يخلو من كثير معززات الأمومة والأبوة، ومع ذلك فهو اليوم يتبوأ المكانة الكبيرة بين علماء التخصص الذي درسه، ويعد هذا النموذج (انشقاق كبير عن كل الحتميات المعروفة).
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني