لا كلفة الشهداء الذين بلغ عددهم في غزة أكثر من 10 آلاف شهيد -جلهم من الأطفال والنساء- ولا طبيعة الحدث الذي جرى في يوم 7 أكتوبر من طرف حماس في مستوطنات قطاع غزة، ولا تحرز قوى إقليمية من التورط في حرب المنطقة سيجعل من الحرب الدائرة اليوم في غزة حربا عادية، مثل الاجتياحات التي مرت بها غزة لثلاث مرات من قبل.

هذه المرة، فيما يحرص جميع العالم على عدم اتساع نطاق الحرب، وتسيّر أمريكا وأوروبا قطعا بحرية كبيرة كحاملات الطائرات والغواصات إلى منطقة الشرق الأوسط، وفيما يتوافد رؤساء غربيون ودبلوماسيون كبار من أجل احتواء الحرب، فإن معطيات كثيرة تنبئ بأن هذه الحرب الدائرة في غزة لن تكون كسابقاتها.

فمن ناحية إذ تغتر إسرائيل بدعم العالم لها -وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا- وتغتر مرةً أخرى بقوتها العسكرية والتكنولوجية الضاربة، كما تغتر بمحدودية مقاتلي المقاومة الفلسطينية في غزة، ومن ناحية إذ تمهلها الولايات المتحدة في إنجاز عمليات القصف والقتل، كل ذلك يدل على أن أمد هذه الحرب سيكون طويلا.

من البداية أدرك الأمريكيون (الذين لهم خبرات طويلة في مآزق حروب الهوامش الساخنة للحرب الباردة كفيتنام) خطورة إقدام إسرائيل على العملية البرية في غزة، لهذا فإن تحذيرهم الذي لم يجدِ نفعا حتى الآن مع الإسرائيليين، ربما تتكشف عواقبه في الأيام القليلة القادمة حين يتورط الجيش الإسرائيلي أكثر فأكثر في قطاع غزة.

وفي الوقت ذاته، ستبدو معركة أنفاق غزة بالنسبة لحماس معركة مصيرية وفرصة للانتقام نتيجةً لمقدار المقتلة الكبيرة التي ألحقتها إسرائيل بأهالي غزة عبر القصف العشوائي والمذابح الجماعية غير المسبوقة من قبل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، الأمر الذي سيكون معه عامل الزمن وحده هو الفيصل في مواصلة الحرب أو وقف إطلاق النار، فتاريخيا أن المعروف هو عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تحمُّل كلفة استفحال القتل بين جنوده، بالإضافة إلى أن خوض الجيش الإسرائيلي لهذه الحرب على خلفية استنقاذ الرهائن من حماس سيجعل الرهائن أكثر عرضة للقتل ما سيعني ضغوطا داخلية كبيرة على حكومة نتانياهو.

إسرائيل في مأزق لأن كل المؤشرات في تقديرنا تدل على أمد طويل لهذه الحرب التي صرّح حزب الله بأنها كلما توسعت ضد حماس في غزة فستكون ردود فعله بحسب توسع الإسرائيليين في الحرب.

قابلية الوضع للانفجار تحيط به أسباب كثيرة؛ فكثيرة هي الأطراف الدولية التي تريد أن تورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بإشعال حرب؛ فروسيا لها مصلحة وازنة في ذلك تتعلق بحربها في أوكرانيا، كما أن للصين مصلحة في ذلك أيضا ما يعني أن ثمة احتمالات كبيرة لانفجار الوضع باتجاه حرب إقليمية كبرى.

وحال تطور الحرب إلى حرب إقليمية كبرى، فإن ذلك سيكون مؤشرا لصراع أكبر في المنطقة؛ لأن من مصلحة إسرائيل توريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران وهي حرب متى ما وقعت فستعني الكثير لإسرائيل وأمن إسرائيل، ناهيك عن أن إسرائيل ستشارك في حرب كهذه.

كما أن معركة الانتخابات التي تواجه بايدن في العام القادم 2024، وخلفية الرهان على أصوات اللوبي اليهودي التي يتنافس على كسب رضاها كل من ترامب وبايدن ربما تؤدي إلى تهور الإدارة الأمريكية الديمقراطية في المضي بعيدا لدعم إسرائيل، بما سيعنيه ذلك من غضب كبير في العالم من أمريكا، ما يغري الجماعات المتطرفة بإعادة نشاطها في المنطقة وفي الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهذا الملف الديني على خلفية الصراع العربي الإسرائيلي سيكون محفزا كبيرا لانخراط الجماعات المتطرفة في الحرب، الأمر الذي سيتسبب كذلك في اتساع رقعة الحرب.

عاجلا أو آجلا ستحتاج إسرائيل إلى من ينزلها من أعلى الشجرة حال واجه جيشها خسائر كبيرة في غزة، وفي هذه الحالة لن يكون انسحابها شبيهًا بانسحاب شارون من بيروت في عام 1982 بل سيكون انسحابها فرصة جديدة لنشاط حماس، الأمر الذي سيزيد من إمكانات اشتعال الحرب وإطالة أمدها.

كل المؤشرات اليوم تقول -باعتراف ضباط كبار يقاتلون في الجيش الإسرائيلي- إن هناك تطورا كبيرا ونوعيا في القدرات القتالية لعناصر كتائب القسام وكتائب المقاومة الفلسطينية، وإن ذلك بحد ذاته سيجعل من المعركة مع حماس هذه المرة ليس ككل المرات وهذا تحديدا ما سيفاجئ الجيش الإسرائيلي أكثر في الأيام القادمة.