مع انتشارها، وبلوغ قيمتها المادية أرقاما كبيرة، أصبحت الجوائز العربية هدفا في حد ذاتها، حيث تصدر الأعمال غالبا في توقيتات محددة من السنة، حتى تطابق شروط التقدم لها، ويندر أن تخلو النقاشات الأدبية، سواء في الندوات، أو في الصحافة، أو حتى في أحاديث «النميمة» من الكلام عن التربيطات، والعلاقات التي صارت تحكم بعض الجوائز، لدرجة التشكيك في نزاهتها.

فماذا تمثل الجائزة للكاتب؟ وهل هي قادرة على إكسابه نقلة كبيرة من حيث المقروئية والذيوع؟ وهل تضيف قيمةً ما إليه أم أنها مجرد تعبير عن ذوق لجنة معينة في توقيت معين؟ هل الكاتب الذي يحصل على جائزة أفضل من بقية المتقدمين؟ ولماذا أصبح هناك ما يشبه اللهاث خلف الجوائز؟ في هذا التحقيق إجابات مختلفة على لسان أدباء عرب حصل معظمهم على جوائز مرموقة محلية وعربية.

الشاعر السعودي علي الحازمي يؤكد أن الجوائز الأدبية لا تمثل له قيمة معينة سواء كان ذلك في الماضي أم الحاضر، ولم يعد أبدا أن الفائز بجائزة هو الأفضل، ومع ذلك لا يستطيع تجاهل أهمية بعض الجوائز العالمية التي لفتت انتباهنا إلى أسماء أدبية كنا في أمسِّ الحاجة إلى قراءة إبداعاتها. ويقول إننا لو تأملنا الآلية التي تقوم عليها الجوائز لوجدنا أنها في المجمل تعبِّر عن وجهة نظر لجنة ما حول عمل أدبي أو تجربة إبداعية، اللجنة أيضا عليها أن تنجز عملها في توقيت معين وخلال فترة يفترض أن تكون محددة، مثل هذه الظروف وما يصاحبها من ضغوطات قد تنتج بالضرورة نتائج مشوهة في النهاية.

ويلفت الانتباه إلى أن هناك الكثير من الأسباب التي قد تربك دقة هذه النتائج كأن لا يعلم مبدعون كثر عن الجائزة أو عن توقيت المشاركة فيها، أو أن يمتنع الكثير منهم عن المشاركة فيها لأسباب مختلفة، وفي المقابل على اللجنة أن تنجز مهمتها، ويكون اختيار الاسم الفائز على طريقة الجود من الموجود، وقد يحدث أن تسيس الجائزة كأن تمنح لاسم من بلد ما لظرف سياسي ما، هناك أمور عديدة غير الجودة الأدبية قد تحول بين وصول الاسم الذي يستحق أن يمنح الجائزة وبين الجائزة. ومع ذلك تظل الجوائز الأدبية براقة لأنها تسهم بطريقة أو بأخرى في تقديم الأصوات الأدبية إلى شرائح عديدة من المجتمع، وتسهم بمقروئية عالية لتلك الأعمال الفائزة، وقد تذهب بها إلى أبعد من ذلك، كتلقي عروض للترجمة وما شابه ذلك. يعلق: «كل هذه الأسباب تعد كافية لما نلاحظه من سباق على هذه الجوائز ناهيك عن المقابل المادي. وفي النهاية أنا ضد أي مشاركة في أي مسابقة أدبية تفرض على المبدع انحناءة ما سواء في الشروط أو الآلية».

اتبع صوتك الداخلي

من حهته، يقول الكاتب المصري محمد خير: إن أهمية الجائزة تختلف أحيانا بحكم توقيتها في حياة الكاتب، وأحيانا أخرى تختلف بحكم المجال الإبداعي، إنها مهمة في البدايات لتخبرك أن لديك شيئا ما، وأنه قد اتفق على ذلك ثلاثة أو خمسة أشخاص على الأقل هم أعضاء لجنة تحكيم، وهي مهمة أحياناً في منتصف الطريق لتخبرك أنك لا تزال على المسار الصحيح، وقد تكون مهمة إذا مُنحت إليك في مجال إبداعي تحتاج فيه إلى بعض الثقة، لكن في كل حالاتها، وفي كل توقيتاتها لا ينبغي أن تنسيك أنك تتبع أولا وأخيرا صوتك الداخلي، وأنك حين قررت صغيرا أنك تحب الكتابة لم تكن تعرف شيئا عن الجوائز.

هل منحها لكاتب يعني أنه الأفضل أم أنها تعبِّر عن وجهة نظر لجنة معينة في توقيت ما؟ أسأل ويجيب: «هي في كل الحالات تعبِّر عن وجهة نظر اللجنة، وقد يعني ذلك أحيانا أن الكاتب هو الأفضل بالفعل وقد لا يعني. المهم أن كلمة «الأفضل» هنا - سواء صحت أو أخطأت - يُقصد بها الأفضل بين مجموعة متسابقين، أو على وجه الدقة، مجموعة نصوص معينة في توقيت معين ومسابقة معينة، وذلك التحديد لا يقلل من قيمة الجائزة ولكنه أيضا لا يمنع الفرح بها».

أما لماذا أصبح هناك لهاث في مطاردة الجوائز؟ فيتحفظ في البداية على كلمة «اللهاث»، ثم يقول: «الظروف الاقتصادية الصعبة للكتَّاب عموما، وفي هذه السنوات خصوصا، تضافرت مع ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي، لتجمع بين الأعباء المادية والنفسية، بين احتياج الكاتب إلى دعم اقتصادي يقيم أود حياته المزدوجة، التي يقدم أحلى ساعاتها في عمل لا يجلب أجرا تقريبا، واحتياجه كذلك إلى بعض الضوء حتى لا يُنسى. الكتابة بين هذين العبأين، وأقصد الكتابة الجيدة، تحتاج إلى قوة نفسية ربما تزيد كثيرا عما احتاجت إليه أجيال سابقة».

حالة إرضاء

الكاتب العماني هلال البادي يبدأ كلامه قائلاً: «سأكون كاذبا لو قلت إن الجوائز لا تعنيني، ولا أظن أن أي كاتب ومبدع سيقول إنه غير معني بالجوائز، أو إنها لا تشكل شيئا بالنسبة إليه».

يعتقد هلال أن الجوائز وبعيدا عن جانبها المادي تمثل حالة إرضاء بالنسبة للكاتب، تمثل حالة نفسية ليس من السهولة تفسيرها، لكن في المقام الأول والأهم، هي حالة من الاعتراف الذاتي بأن ما نكتبه يمثل قيمة، مهما ادعينا أننا قد تحققنا، وبأننا وصلنا، لكن يظل هناك بعض الشك في الأعماق الخفية يقول لنا إننا نحتاج إلى اعتراف، اعتراف بما نكتب، هذا الاعتراف ليس ممن هم حولنا، بل من إنجازٍ ما نحققه على مستوى الكتابة، وهنا يأتي دور الجوائز في تحقيق هذا الشعور وهذا الرضا، وإن كان بشكل مؤقت وغير دائم، لكن المهم أنك في مرحلة ما تحتاج إلى استنطاق ذاتك تجاه ما تكتب، وإزالة حالة الشك المتربصة بك. في مستوى آخر، بحسب البادي، فإن البحث عن مردود مالي وقيمي هو حق أصيل للكاتب والمبدع، والجوائز على اختلاف قيمها المادية، تحقق مثل هذا الأمر، كما أن قوة بعض الجوائز في منح صك للفائزين وحتى المشاركين والواصلين إلى قوائمها المختلفة، صك يفتح أبوابًا أخرى، ليست بالضرورة أبواب المال. أما عن مقولة أن الجوائز أفسدت الإبداع والمبدعين والذوق، فهذا كلام مرسل، لا صحة على مصداقيته، مثله مثل مقولة إن البؤس والشقاء والعذابات التي تمر بالمبدعين هي التي تُخرِج الإبداع الحقيقي، وغالباً من يروج مثل هذه المقولات يريدون ما تمنحه الجوائز من قيمة مادية وتكريمية دون منافسة، مع أن فكرة الجوائز هي التنافس، ومهما كانت النتائج فإنها لا تلغي قيمة المبدع الحقيقي ولا إبداعه. يعلق: «هناك كتَّاب عظام لم يفوزوا بنوبل مثلاً فهل كان إبداعهم قاصرا؟ على سبيل المثال أذكر ميلان كونديرا الذي رحل عن عالمنا ولم يفز بهذه الجائزة حتى مع تكرار ترشيح اسمه سنويا، والأمر يقاس على آخرين متحققين ويستحقون نوبل وغيرها، ولكنهم لم يفوزوا بها، فهل عدم فوزهم بنوبل ينسف إبداعهم؟ وهل نوبل ذاتها أفسدت الذائقة والإبداع؟».

يرى البادي أن الأمر ذاته ينطبق على جوائز عربية مثل البوكر المخصصة للرواية. يقول: «منذ لحظة إنشائها وهي تشهد كل عام لغطا غير متناهٍ حول مصداقيتها وأحقية الفائزين فيها بالفوز، بل إنني ومنذ سنوات أقول إن هذه الجائزة تحديدا كانت تنتصر في مرحلة من مراحلها للجغرافيا والتوزيع الجغرافي، ثم بدت أنها تنتصر للأسماء، ولكن هل مثل هذا الكلام ينفي أهمية هذه الجائزة؟ بل ينفي ما قدمته من إنجاز لكتَّاب الرواية العرب؟ في نظري مهما كان الكلام والنقد الموجه لمثل هذه الجوائز فهو لا يعني أنها لم تُفِد الإبداع والمبدعين على حد سواء».

وبحسب البادي ينبغي علينا تذكر أن الإبداع الإنساني لا يُقيَّم وفق معادلات رياضية، بل وفق ذائقة عدد من المحكمين وضعوا إطارا تقييميا اختاروا من خلاله الأعمال المرشحة للفوز والأعمال الفائزة، ويعلق: «لاحظ هنا أنني أقول الأعمال وليس أصحاب تلك الأعمال، ذلك أن التقييم ليس للكتَّاب بل لما كتبوا، وغالبا لو اختلفت اللجان لاختلف المرشحون والفائزون أيضا، ومهما كانت النتائج، فمجددا لا تعني شيئا مقابل المبدع، فهو يظل مبدعا وإن لم يفز، والنص الإبداعي الحقيقي عصي على النسيان لمجرد أنه لم يفز بجائزة من الجوائز».

ذوق لجنة التحكيم

الكاتبة المصرية منى الشيمي ترى أن «الجوائز مهمة بالطبع»، وتتساءل: «كم جائزة لكل مجال في عالمنا العربي؟»، وتجيب على نفسها: «الجوائز الجادة القيّمة تعدُّ على الأصابع، يركز الإعلام كل عام على من فاز بأي منها، ينتشر الخبر إلى المهتمين ويصبح الفائز بها نجما بين يوم وليلة»، وترى أن «هذا ليس معيارا سليما، فقد يتدخل ذوق لجنة التحكيم، أو يتم اختيار الفائز لاعتبارات أخرى غامضة كما يحدث أحيانا، ووارد جدا أن بعض الكتَّاب الجيدين هنا وهناك لم يقدموا في هذه الجوائز، لانشغالهم أو عدم متابعتهم، ولذلك فإن الجوائز لا تُقدم الأفضل على الساحة، بل تختار أفضل من تقدَّم لها».

تنتقل منى إلى القيمة المادية للجوائز، وتراها مهمة جدا. تقول: «أثثتُ شقتي الصغيرة بقيمة جائزة ساويرس، بعد أن قضيت عاما فيها من دون أثاث! تخيل أن يفوز شاب في مقتبل العمر، فتعينه على تكاليف الزواج! أو كاتبة فتدفع مصاريف مدارس أولادها. أعرف كثيرين حلَّت أموال الجوائز بعض مشاكلهم، هذا بالإضافة إلى أن الجائزة تشجع من حصل عليها لمواصلة الكتابة، هي بمثابة تربيتة على الكتف، تحمل ضمنيا رأيا يقول: «أنت مميز.. واصل». في كل مرة كنت أحصل على جائزة كنت أكتب عملا جديدا تحت تأثير نشوة الفوز، الأهم من وجهة نظري ألا يقع الكاتب في فخ هذا الإحساس، ويدمن حالة إفراز الدوبامين التي تسببها، ولا يكتب فقط إلا للحصول عليها، إضافة إلى النرجسية التي قد يُصاب بها، وتجعله يعيش في فقاعة إحساسه بأنه الكاتب «الفلتة» الذي لم يجُد الزمان بمثله».

أسماء يحق لها أن تغتر بنفسها

الكاتب العراقي صفاء سالم إسكندر يرى أن «فعل الكتابة هو فعل تعريفي، أي أنه فعل لأجل المكانة، يشير إلى صاحبه بوضوح، وبخلاف ذلك لتجردت الأعمال من أسماء أصحابها، وهذا غير مُنصِف بالمرة». ويلفت الانتباه إلى أنه قرأ جوابًا للكاتب البيروفي ماريو فارجاس يوسا يقول فيه: إنه يكتب لأجل المال والشهرة. يعلق إسكندر: «الكاتب يريد أن يلفت نظر القرَّاء إليه، ولا يكون ذلك عادة إلا من خلال الجوائز، القارئ يتعرف إلى الكاتب من خلال الجائزة، رغم أن كلمة «جائزة» في عالم الكتابة تصاحبها احتجاجات كثيرة، بسبب اللغط الذي يصاحبها، ومع ذلك يبقى المريدون لها كثيرين، لكن المشكلة إذن تحدث إذا صار همُّ الجائزة أكبر من همِّ الكتابة».

ويقول: «هناك أسماء يحق لها أن تغتر بنفسها؛ لأنها تجاوزت الجوائز، حقلها المعرفي أكثر اتساعا، مثل إيكو وأدونيس وكونديرا وموراكامي، فهذه الأسماء تدخل في سباق يقيمه القراء كل عام، لتعيين من يستحق جائزة نوبل، ومع ذلك تأتي النتائج خلاف المتوقع»، ويضيف: «أريد القول: إن الجائزة حق مشروع، لكنها لا تعني أن كاتبها هو الأفضل، وإنما الأفضل من وجهة نظر لجنة التحكيم، وبالتأكيد هذا ليس تعميما شاملا».

الجوائز ترفع مستوى التوقع

الكاتب السعودي رائد العيد يقول في بداية كلامه: «الجوائز في بدايات الكاتب لا تُحمد غالبا، ترفع مستوى التوقع والتطلع وكثيرا ما تكون عائقة عن الإبداع والتجريب، لذلك أرى أن الحصول على الجوائز في مرحلة متقدمة من تجربة الكاتب أفضل له».

أساله: هل منحها لكاتب يعني أنه الأفضل أم أنها تعبِّر عن وجهة نظر لجنة معينة في توقيت ما؟ فيجيب: «الجائزة ليست صك اعتراف ربَّاني حتى تعني أن صاحبها الأفضل، وإنما هي اتفاق خاص محصور بلجنة الجائزة ونظامها. وترتفع قيمة صاحبها بجودة نظام الجائزة وموضوعية القائمين عليها».

ولماذا أصبح هناك ما يشبه اللهاث في مطاردة الجوائز؟ يقول: «كثيرا ما تكون الجائزة حملة تسويقية للكاتب تعفيه من سنوات يبحث القراء خلالها عنه، مع ما فيها من مكافأة مالية، إلا أن البحث عن المكانة والتقدير والوصول بالدرجة الأولى هو الدافع للكاتب اللاهث وراء الجوائز. وهو استعجال قد يُدخل صاحبه في قاعدة: من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه».

نقلة نوعية

الكاتب المغربي أنيس الرافعي يقول: «أعتقد أن حصولي على جائزة الملتقى، وهي بمثابة أوسكار القصة العربية، جاء لا ليمنح امتيازا أو حظوة خاصين لأنيس الرافعي الشخص باعتباره الأفضل أو الأول، وإنما ليتوِّج مشروعا جماليا معينا، قد تتفق أو قد تختلف معه، عكف صاحبهُ، لسنوات طويلة، وبكدح سردي مثابر، على مفرداته المتنوعة ضمن مشغلهِ التجريبي المفتوح».

ويضيف: «في تقديري، الجائزة عرفت خلال دورتها الخامسة نقلة نوعية على عدة مستويات، تمثلت أولا في إعادة الاعتبار للمشروع الكتابي ذي البصمة المتفردة والتراكم النوعي، وثانيا في إرجاع الجائزة لسلالتها الحقيقية، وهم كتَّاب القصة، الذين أخلصوا لهذا الجنس، وضحوا في سبيل رده إلى مكانته الاعتبارية الطبيعية، وأخيرا، في المجهود المتميز للأديب المرموق طالب الرفاعي لتمنيع رئاسة لجنة التحكيم باسم قوي ولامع من عيار الدكتور عبد الله إبراهيم، ينتصر بموضوعية ونزاهة سامقين للنص الأجدر فقط، وليس للمحاصصة الجغرافية، أو الأهواء الذاتية، أو الحسابات المصلحية، أو النرجسية المتورمة، بكل صدق، لقد سعدت بالفوز، لكني لم أحس أنني انتصرت على أحد. وبعد هذا الفوز قررت أن لا أشارك في الجائزة مرة أخرى؛ لأن ما كان يهمني منها ليس هو المال، وإنما التقدير والتوقير على الصعيد العربي. فمن يفوز بأوسكار واحد، لا يحتاج بعد ذلك للفوز بأوسكارات كثيرة حتى يثبت أنه الأجدر».

أما بخصوص كثرة قناصي الجوائز أو الهرولة في مطاردتها، فمرده، بحسب أنيس، إلى قلة الريع الثقافي والوضع الطبقي والاجتماعي للكتّاب. يقول: «لدينا غزالة واحدة مقابل ألف ذئب، إذا صحت هذه الاستعارة، وهذا ما يفضي إلى هذا الركض الجماعي نحو المكاسب المادية والرمزية. نحتاج بالتأكيد لدراسات ثقافية موسعة لفهم سيكولوجية الفائز والخائب على حد سواء».

القدرة على التقييم

أما الشاعر المغربي صلاح بوسريف فيرى أن مسألة الجوائز ستبقى، خصوصا في العالم العربي، تُثير النقاش، ويختلف الرأي حولها، وهذا أمر طبيعيٌّ، فكل كاتب يرى أنّ عمله هو ما يستحق الجائزة، وأنَّ الخلل فيمن كانوا ينتقون الأعمال. ويرى أننا يجب هنا أن نطرح، من جهة، مشكلة الموضوعية والتجرُّد والقدرة على التقييم والحكم، بالاكتفاء بالعمل في ذاته، دون النظر إلى الشخص، أو إلى غيره من الاعتبارات التي تنتفي فيها القيمة الفنية والأدبية، كما يجب أن نطرح من جهة أخرى، ما يمكن أن يضيفه العمل، ليس للجائزة، بل للفن والأدب، وللثقافة العربية، في عمومها. ويعلق: «أنا لا أرى في الجائزة ما يُعبِّر عن الماضي أو الحاضر، بقدر ما أتصوَّرُها عملا للمستقبل، لما يمكن أن يكون مُجدِّدا ومُغَيِّرا، أو أفقا وطريقا آخر في الكتابة والإبداع، غير ما هو موجود ومُتاح أو سائد، مما عرفناه أو نتداوله، وإلا ما قيمة الجائزة في ذاتها. بقدر ما تكون الجائزة، بهذا المعنى، وتعطي قيمة للكاتب، ليس كشخص، بل كفكر وإبداع، ورؤية ثقافية فنية وجمالية، بقدر ما تخدم الإبداع والثقافة، في سياقهما الكونيِّ، وليس العربيَّ فقط. وهذا لا يعني أنَّ هذا الكاتب أو الكتاب، أفضل من غيره، فالمسألة ليست مسألة سباق مسافات، بقدر ما هي مسألة إضافة، ومسألة قيمة، تسمح بتوسيع أفق الثقافة، وخلق فُرَص للتجديد والتغيير، وهذا ما تعنيه كلمة إبداع في أصلها، أو في الأساس اللغوي والمفهومي الذي تقوم عليه، بما هو صيرورة واستمرار».

بهذا المعنى فإن التنافس، بحسب بوسريف، ينبغي أن يكون في القيمة، في الإضافة، في النص، أو في العمل، وليس الشخص في ذاته، مهما كانت قيمة هذا الشخص، وهذا ما يكون خطأ بعض الجوائز التي تنتصر لما هو سائد، ولا تتطلع إلى المستقبل أو الآتي. وهو يوافق على أن هناك لهاثا خلف الجوائز، من قبل غير الخلاقين من المبدعين، أما من يكون مشغولا بالإبداع، وبالإضافة، فالجائزة، بالنسبة له تكون اعترافا، وتثمينا، وتتويجا، وتقديرا، لما يقترحه من أفكار، خصوصا حين يكون العمل استثناءً، وخَوْضا في الطُّرُق الصعبة، التي تُزْعِج القارئ، وتخلق في نفسه نوعا من القلق الذي هو تعبير عن الجِّدة والطرافة والاستثناء، بل وعلى الشَّغَف والتَّأمُّل والسُّؤال.

ويقول: «لا بُدّ أن تستمر الجوائز، لكن، بتجديد لجانها، وبتغيير معاييرها، وبالبقاء في حدود العمل، والحرص على الموضوعية والتَّجرُّد، والتأكيد على قيمة العمل، وليس على ما يكون بعيدا عنه. وأن يكون العمل فرصة لخلق النقاش، ولطرح الأسئلة، ووضع الإبداع في سياقه الثقافي المستقبلي».

جودة المنجز الأدبي

الكاتب السعودي محمد العرادي يؤكد أنه قبل أي نقاش حول الجوائز الأدبية لا بد من استحضار السياقات السياسية والثقافية التي تحرك تلك الجوائز، العالمية منها والعربية، فالقيمة الفنية غالبا تكون الجزء المعلن من مجموعة مبررات غير معلنة لمنح الجائزة. إضافة إلى أثر اللجان المُحكِّمة في كل دورة، فالجائزة في المعنى الأخيرة هي إعلان رأي مجموعة أشخاص لهم توجهات فنية قد لا تكون طليعية أو لا تفضل ذوقيا أعمالا أعلى في قيمتها الفنية من العمل الفائز إلا أنها غير مناسبة -أي هذه الأعمال الأعلى فنيا- لتطلعات وتوجهات لجنان التحكيم. يستخلص العرادي من تمهيده أن «الجوائز غير محايدة على مستوى مضمون وشكل العمل الفني وليست دائما دليلا على جودة المنجز الأدبي وإن كانت إشارة مهمة في بعض الأحيان. هذا لا يلغي أهمية الجوائز الأدبية وأثرها في إيجاد حراك أدبي لقيمتها المادية وتسويق الكثير من الأعمال الجيدة، لقدرة بعض المؤسسات المانحة على رفع مستوى التحكيم، ولكنها في المقابل قادرة أيضا على ترويج أنماط فنية رديئة».

أما سعي الأدباء والكتاب لحيازة الجوائز فأمر يمكن تفسيره من ثلاثة أوجه بحسب العرادي: «من حيث قيمتها المادية؛ لأن نصيب الكاتب من مبيعات كتبه في الغالب أمر لا يستحق العناء وربما لا تغطي حتى تكاليف التحرير والتدقيق اللغوي، فالجوائز والتكريمات هي مسار الحصول على مردود مادي. ولأنها اعتراف بالكاتب وبمنجزه وتكريس له، وتحقق له انتشارا ومقروئية لم تكن تتحقق لولا الجائزة».

عملية معقدة

وترى الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت أن الجوائز بشكل عام لها مردودها الطيب في نفوس المبدعين والفنانين على اختلاف دروب إبداعهم. فالجوائز الرفيعة، مثل أوسكار في السينما، أو بريتزكر في العمارة، أو نوبل في الآداب وغيرها من الجوائز ذائعة الصيت، من شأنها أن تُشير بإصبع مضيء إلى مبدع كبير في مجاله، قد يسلِّط الضوء على المطمور من إنتاجه الذي قد يكون قد غاب عن شرائح من المتابعين، فضلا عن المردود الأدبي والمادي اللذين لا شك في أهميتهما كذلك.

لكن في مجال الأدب تحديدًا يظل «الجمهور الطبيعي»، بحسب فاطمة ناعوت، هو الجائزة الأهم لدى المبدع دائما. فالجوائز ولجان التحكيم وقوائم التصفيات عملية معقدة لها أبعاد وحسابات كثيرة، من بينها القيمة الفنية دون شك، لكنها لا تخلو كذلك من اعتبارات أخرى، من أخطرها أنها تضع القطعة الفنية على طاولات التشريح تحت مباضع النقد التي قد تفتك بجسد النص. والعمل الأدبي بشكل عام، خصوصا الشعر، كائن رهيف لا يحتمل مباضع النقد الحادة، بل يميل إلى هدوء غرفة وخفوت شمعة ووحدة قارئ ينفردُ بكتاب مثلما ينفرد مغرمٌ بمحبوبته بعيدا عن عيون الدخلاء. لهذا ربما يعزفُ الشعراءُ عن التقدم للجوائز، لأنهم يرون أن القصيدةَ حالٌ من الحلول الصوفي في جسد الوجود، تلك الحال الفردانية التي تنزعج من الضوضاء وتفرُّ من الصخب واللجان والأضواء.

وتعلق: «أقول هذا بالرغم من أنني عضوٌة في لجان تحكيم العديد من الجوائز الأدبية، لكنني دائمًا أتعامل مع النصوص المقدمة برهبة الداخل إلى محراب صلاة، وأضع درجات التقييم بحذر، بحيث أبدأ بتقييم المُسلّمات: مثل سلامة اللغة التي لا يُعدُّ النصُّ نصَّا دونها، والمباشرة التي تنأي بالنص عن الأدب، والطزاجة التي دونها يُعدُّ النصُّ منحولا عن آخر، وغيرها من بديهيات الكتابة، وبعد ذلك أقتربُ بحذر من جسد النص من الوجهة الفنية، ولأفعل هذا لا بد أن أغمض عينيَّ لكي أحسب كم خفقة خفقها قلبي مع قراءته، وكم وخزة ضربني بها النصُّ في منعطفاته. وربما لكل هذا الوجل، لم أتقدم كشاعرة مطلقًا في مسابقة أدبية، مع كامل احترامي لكل شاعر يتقدم لجائزة. لكنها الجسارةُ التي لا أمتلكها، والمجدُ الذي لم يُغرني».