القرآن أحدث نقلة هائلة في عالم البشر، لقد انسلخ بين يديه من ثوبه الخَلِق، ليرتدي ثوبًا قشيبًا أهّله أن يلج عهدًا جديدًا. قد يُتصور أن النص القرآني صامت كالنصوص البشرية بعد أن طوى الزمن لحظة تنزّله، لكن التاريخ قال قولًا آخر؛ حيث أمدَّ القرآن المجتمعات المسلمة بأسباب تطورها، ولا يزال يمدها بأسباب بقائها، فكيف تعامل المسلمون معه؟ إجمالًا.. مرّ تفسير القرآن بثلاث مراحل أساسية؛ هي:
الأولى: التلقي.. وهي مرحلة نزول القرآن على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان نزوله منجمًا بحسب مقتضيات واقع الجماعة المسلمة، وحينها كان هو العنصر الفاعل من خلال بناء منظومة دينية متكاملة، يستغني فيها الإنسان والمجتمع عن غيره من كتب الأديان؛ إيمانًا وسلوكًا ومعرفةً. القرآن.. نزل وهو يحمل خاصيتين: إحداهما.. المبادئ والقيم الكلية «الآيات المحكمات»، وهي مطلقة؛ صالحة للاستمداد منها على مرّ الأزمان. والأخرى.. معالجة أوضاع المجتمع الذي نزل فيه القرآن «الآيات المفصّلات»، وهذه تجربة كبرى ينبغي الاستفادة من دلالات مجموعها؛ لاسيما في سياسة النفس وإدارة المجتمع.
الثانية: مدارس التفسير.. القرآن جاء بلغة العصر الذي نزل فيه، إلا أن قوته التأثيرية جعلته مرجعًا للأعمال التي أقامها الدارسون حوله؛ كعلم الكلام، والفقه وأصوله، واللغة والبيان، والسياسة والاجتماع، والتاريخ والحضارة، والتصوف والباطن. امتدت هذه المرحلة أكثر من ألف عام، ولا يزال الكثيرون ينهجون نهجها. وقد ظهر فيها العديد من مدارس التفسير بفنون مختلفة، يمكن تقسيمها إلى مدرستين كبريين؛ كثيرا ما تكون متداخلتين:
- مدرسة أهل الأثر.. الذين اعتمدوا بالأساس على المرويات التي جاءتهم عن أسلافهم، ولذلك؛ استندوا على منهج أهل الحديث، فأصيب التفسير بالجمود. وقد اختلف هؤلاء كثيرًا، لأن لكل مفسر سلفا يرجع إليهم، يراهم على الحق، ولا يعترف بسلف غيره، بل قد يراهم ضالين في معتقدهم، منحرفين عن سنة نبيهم.
- مدرسة أهل الرأي.. الذين اعتمدوا كثيرًا على التأويل، لأنهم رأوا فرقًا بين ظاهر النص الذي جاء بلغة زمن تنزله، والمستجدات المنهجية والعملية التي حصلت في زمانهم. هؤلاء أيضًا كانوا طرائق في التفسير، وبمرور الزمن تحول منهجهم إلى سلف لمن أتى بعدهم.
إن ما حصل للمسلمين في ظل الصراع السياسي ثم المذهبي الذي مروا به؛ أنهم تعاملوا مع القرآن بالتعضية، فأخذ كل فريق يجتزئ الآيات لما يخدم مذهبه وتوجهه الفكري والعقدي، ومن جرّاء التعضية المتواصلة ظهرت ثلاث منظومات كبرى حكمت فهم المسلمين للقرآن؛ هي: الرواية، وأصول الفقه، وعلم الكلام، فظل المسلمون طيلة هذه المرحلة يسيرون على مقرراتها، ويحتكمون إلى ما تنتجه من أحكام وتوجهات وآراء، حتى انقلب الأمر فأصبحت هي الحاكمة على فهمهم للقرآن، ولا يكاد أحدهم يفكر أن يفهمه خارج مقرراتها.
الثالثة: التجديد.. لمّا حصل التحول في العالم الغربي، ودخل في العصر الحديث، ثم ألقى بظلاله الكثيفة على العالم الإسلامي بعد أن مد فيه نفوذه الاستعماري؛ شعر المسلمون بالفجوة الكبرى بين حركة الحياة وجمود المناهج التي كانوا عليها، فتنبه مفكرو الإسلام لذلك، وعملوا على فتح باب الاجتهاد في تفسير القرآن بمناهج معاصرة، وقد لقيت -ولا زالت- هذه التفاسير الرفض من التيار التقليدي في كل المذاهب الإسلامية، بل تصاعد الأمر إلى التضليل والتكفير، لكن أثبتت وجودها، وتأثر بها كثير من المفكرين ودارسي القرآن، رغم إصرار عموم التيار التقليدي على الأخذ بالمناهج القديمة، متجاهلين أو غير واعين باحتياجات الواقع ومتطلبات المستقبل التي تذهب كل يوم بعيدًا عن تلك المناهج.
لقد اضطر المسلمون إلى إعادة قراءة منظوماتهم الفكرية بما ينسجم مع التحولات الكبرى القائمة؛ بما في ذلك تعاملهم مع القرآن، فظهرت طرائق جديدة، منها ما يسلّم بمرجعية القرآن لأعماله، وهؤلاء على سُبل متعددة؛ منهم: القرآنيون؛ وأغلب هؤلاء سلك مسلكًا ظاهريًا في فهم آيات القرآن. والقائلون بالهيمنة القرآنية؛ وهؤلاء أكثر توسعًا في الأخذ بمقاصده. وأصحاب «الإعجاز القرآني»؛ الذين بات أكبر همهم إثبات أن القرآن منزل من عند الله. ومنها ما عمل على نقد النص القرآني، وتمثله التوجهات التفكيكية والتحليلية كمقارنة الأديان والأنسنة والألسنة.
أما البداية؛ فكانت مع الهندي أحمد خان بهادر (ت:1898م).. فهو أول من أماط عنه دثار التفاسير القديمة، وقدّم رؤية جديدة لتفسير القرآن لم تكن مألوفة قبله، وقد ثارت حوله ردود فعل كثيرة. وقد عاصر خانَ؛ عميدُ المدرسة الإصلاحية محمد عبده (ت:1905م)، الذي قدّم عملًا منهجيا حول فهم القرآن مال فيه إلى طريقة المعتزلة، فأعاد تحرير كثير من مسائل التفاسير التقليدية برؤية عصرية، وقد نقل تفسيره محمد رشيد رضا (ت:1935م) في «تفسير المنار»، إلا أن رضا أعاد البوصلة مرة أخرى باتجاه السلف، بعد أن كاد التفسير ينعتق من المناهج القديمة. وكأي عمل كبير لا بد أن تترك أعمال خان وعبده أثرها على الفكر الإسلامي عمومًا، وعلى دارسي القرآن خصوصًا.
لقد وصلت فكرة ضرورة إعادة فهم القرآن إلى السوداني محمود محمد طه، فقدّم رؤيته حول ذلك؛ معالِجةً للأطروحات الفكرية المعاصرة، ومتأثرةً بها، أكثر من كونها منهجية، وأصدر في ذلك عدة كتب وألقى العديد من المحاضرات، ومن أهم كتبه «الرسالة الثانية من الإسلام». وقد حاول بتقسيمه القرآن إلى مكي هو أصل الدين الملزِم، ومدني جاء بأحكام اجتماعية متغيّرة، أن يعالج الفجوة الحاصلة بين ظاهر لفظ القرآن ومعطيات العصر، وقد دفع طه الثمن غاليًا في إعادة فهمه للقرآن، ومحاولة توظيفه في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي، فحُكِم عليه بالردة عن الإسلام في عهد الرئيس السوداني جعفر النميري (ت:2009م)، وأعدم عام 1985م شيخًا كبيرا بلغ من العمر 76 عاما.
ترك محمود طه أثره على ابن بلاده محمد أبو القاسم حاج حمد (ت:2004م)، فاعتنى بفهم القرآن، وعمل على تقديم منهجية لتفسيره، ومن أهم أعماله: «العالمية الإسلامية الثانية.. جدلية الغيب والإنسان والطبيعة»، و«منهجية القرآن المعرفية.. أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية»، و«أبستمولوجية المعرفة الكونية.. إسلامية المعرفة والمنهج».
لقد تحولت هذه الرؤية في التعامل مع القرآن ومحاولة إنزاله على أرض الواقع من أعمال فردية إلى عمل مؤسسي، تبلور في «المعهد العالمي للفكر الإسلامي»، والذي أنشأ في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1981م، ومن يقف على أهداف المعهد الخمسة يجد أن رؤيته وعمله منصبان على إعادة فهم القرآن بمناهج أكثر ملاءمة للعصر، وأقرب لسد الفجوة التي تركها الزمن بين ظاهر النص القرآني والواقع الذي فرض نفسه عليهم. كان أبو القاسم أحد مستشاري المعهد، ومن أبرز شخصياته العلمية: العراقي طه جابر علواني(ت:2016م)، والسعودي عبد الحميد أبو سليمان(ت:2021م).. اللذان كان لهما مريدون ومتأثرون بأفكارهم في العالم الإسلامي. لكن المعهد على رغم الأعمال الكثيرة والمهمة التي قام بها لم يتمكن من التحول إلى مؤسسة أكاديمية؛ تضع قواعد علمية رصينة في التفسير تتبناها الجامعات الإسلامية، فتعمل على تجديد مناهجها وتخريج طلبة متمكنين يواصلون درب التجديد، وظلت الأطروحات التي يقدمها المفكرون في هذا المجال من المعهد، أو من خارجه، تنتمي إلى نطاق التفكير الحر.
السوري محمد شحرور (ت:2019م).. أبرز شخصية ظهرت في محاولة فهم القرآن خارج سياق المنظومات المعرفية الثلاث للمسلمين: الرواية وعلم الكلام وأصول الفقه، وقد عمل على بناء نظرية معرفية جديدة لفهم القرآن، قائمة على أساس تفعيل «الآيات المحكمات»، ورغم أنه اعتمد على «نظرية عدم ترادف المعنى للكلمة الواحدة»، فأخرج كثيرًا من دلالات النص القرآني عن بنيته الأساسية، إلا أنه قدّم نظرية معرفية معتبرة، يمكن الانطلاق منها لفهم أفضل للقرآن يتناسب مع العصر، دون أن ينبتّ عن الأصل.
خميس بن راشد العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين».
الأولى: التلقي.. وهي مرحلة نزول القرآن على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكان نزوله منجمًا بحسب مقتضيات واقع الجماعة المسلمة، وحينها كان هو العنصر الفاعل من خلال بناء منظومة دينية متكاملة، يستغني فيها الإنسان والمجتمع عن غيره من كتب الأديان؛ إيمانًا وسلوكًا ومعرفةً. القرآن.. نزل وهو يحمل خاصيتين: إحداهما.. المبادئ والقيم الكلية «الآيات المحكمات»، وهي مطلقة؛ صالحة للاستمداد منها على مرّ الأزمان. والأخرى.. معالجة أوضاع المجتمع الذي نزل فيه القرآن «الآيات المفصّلات»، وهذه تجربة كبرى ينبغي الاستفادة من دلالات مجموعها؛ لاسيما في سياسة النفس وإدارة المجتمع.
الثانية: مدارس التفسير.. القرآن جاء بلغة العصر الذي نزل فيه، إلا أن قوته التأثيرية جعلته مرجعًا للأعمال التي أقامها الدارسون حوله؛ كعلم الكلام، والفقه وأصوله، واللغة والبيان، والسياسة والاجتماع، والتاريخ والحضارة، والتصوف والباطن. امتدت هذه المرحلة أكثر من ألف عام، ولا يزال الكثيرون ينهجون نهجها. وقد ظهر فيها العديد من مدارس التفسير بفنون مختلفة، يمكن تقسيمها إلى مدرستين كبريين؛ كثيرا ما تكون متداخلتين:
- مدرسة أهل الأثر.. الذين اعتمدوا بالأساس على المرويات التي جاءتهم عن أسلافهم، ولذلك؛ استندوا على منهج أهل الحديث، فأصيب التفسير بالجمود. وقد اختلف هؤلاء كثيرًا، لأن لكل مفسر سلفا يرجع إليهم، يراهم على الحق، ولا يعترف بسلف غيره، بل قد يراهم ضالين في معتقدهم، منحرفين عن سنة نبيهم.
- مدرسة أهل الرأي.. الذين اعتمدوا كثيرًا على التأويل، لأنهم رأوا فرقًا بين ظاهر النص الذي جاء بلغة زمن تنزله، والمستجدات المنهجية والعملية التي حصلت في زمانهم. هؤلاء أيضًا كانوا طرائق في التفسير، وبمرور الزمن تحول منهجهم إلى سلف لمن أتى بعدهم.
إن ما حصل للمسلمين في ظل الصراع السياسي ثم المذهبي الذي مروا به؛ أنهم تعاملوا مع القرآن بالتعضية، فأخذ كل فريق يجتزئ الآيات لما يخدم مذهبه وتوجهه الفكري والعقدي، ومن جرّاء التعضية المتواصلة ظهرت ثلاث منظومات كبرى حكمت فهم المسلمين للقرآن؛ هي: الرواية، وأصول الفقه، وعلم الكلام، فظل المسلمون طيلة هذه المرحلة يسيرون على مقرراتها، ويحتكمون إلى ما تنتجه من أحكام وتوجهات وآراء، حتى انقلب الأمر فأصبحت هي الحاكمة على فهمهم للقرآن، ولا يكاد أحدهم يفكر أن يفهمه خارج مقرراتها.
الثالثة: التجديد.. لمّا حصل التحول في العالم الغربي، ودخل في العصر الحديث، ثم ألقى بظلاله الكثيفة على العالم الإسلامي بعد أن مد فيه نفوذه الاستعماري؛ شعر المسلمون بالفجوة الكبرى بين حركة الحياة وجمود المناهج التي كانوا عليها، فتنبه مفكرو الإسلام لذلك، وعملوا على فتح باب الاجتهاد في تفسير القرآن بمناهج معاصرة، وقد لقيت -ولا زالت- هذه التفاسير الرفض من التيار التقليدي في كل المذاهب الإسلامية، بل تصاعد الأمر إلى التضليل والتكفير، لكن أثبتت وجودها، وتأثر بها كثير من المفكرين ودارسي القرآن، رغم إصرار عموم التيار التقليدي على الأخذ بالمناهج القديمة، متجاهلين أو غير واعين باحتياجات الواقع ومتطلبات المستقبل التي تذهب كل يوم بعيدًا عن تلك المناهج.
لقد اضطر المسلمون إلى إعادة قراءة منظوماتهم الفكرية بما ينسجم مع التحولات الكبرى القائمة؛ بما في ذلك تعاملهم مع القرآن، فظهرت طرائق جديدة، منها ما يسلّم بمرجعية القرآن لأعماله، وهؤلاء على سُبل متعددة؛ منهم: القرآنيون؛ وأغلب هؤلاء سلك مسلكًا ظاهريًا في فهم آيات القرآن. والقائلون بالهيمنة القرآنية؛ وهؤلاء أكثر توسعًا في الأخذ بمقاصده. وأصحاب «الإعجاز القرآني»؛ الذين بات أكبر همهم إثبات أن القرآن منزل من عند الله. ومنها ما عمل على نقد النص القرآني، وتمثله التوجهات التفكيكية والتحليلية كمقارنة الأديان والأنسنة والألسنة.
أما البداية؛ فكانت مع الهندي أحمد خان بهادر (ت:1898م).. فهو أول من أماط عنه دثار التفاسير القديمة، وقدّم رؤية جديدة لتفسير القرآن لم تكن مألوفة قبله، وقد ثارت حوله ردود فعل كثيرة. وقد عاصر خانَ؛ عميدُ المدرسة الإصلاحية محمد عبده (ت:1905م)، الذي قدّم عملًا منهجيا حول فهم القرآن مال فيه إلى طريقة المعتزلة، فأعاد تحرير كثير من مسائل التفاسير التقليدية برؤية عصرية، وقد نقل تفسيره محمد رشيد رضا (ت:1935م) في «تفسير المنار»، إلا أن رضا أعاد البوصلة مرة أخرى باتجاه السلف، بعد أن كاد التفسير ينعتق من المناهج القديمة. وكأي عمل كبير لا بد أن تترك أعمال خان وعبده أثرها على الفكر الإسلامي عمومًا، وعلى دارسي القرآن خصوصًا.
لقد وصلت فكرة ضرورة إعادة فهم القرآن إلى السوداني محمود محمد طه، فقدّم رؤيته حول ذلك؛ معالِجةً للأطروحات الفكرية المعاصرة، ومتأثرةً بها، أكثر من كونها منهجية، وأصدر في ذلك عدة كتب وألقى العديد من المحاضرات، ومن أهم كتبه «الرسالة الثانية من الإسلام». وقد حاول بتقسيمه القرآن إلى مكي هو أصل الدين الملزِم، ومدني جاء بأحكام اجتماعية متغيّرة، أن يعالج الفجوة الحاصلة بين ظاهر لفظ القرآن ومعطيات العصر، وقد دفع طه الثمن غاليًا في إعادة فهمه للقرآن، ومحاولة توظيفه في تغيير الواقع السياسي والاجتماعي، فحُكِم عليه بالردة عن الإسلام في عهد الرئيس السوداني جعفر النميري (ت:2009م)، وأعدم عام 1985م شيخًا كبيرا بلغ من العمر 76 عاما.
ترك محمود طه أثره على ابن بلاده محمد أبو القاسم حاج حمد (ت:2004م)، فاعتنى بفهم القرآن، وعمل على تقديم منهجية لتفسيره، ومن أهم أعماله: «العالمية الإسلامية الثانية.. جدلية الغيب والإنسان والطبيعة»، و«منهجية القرآن المعرفية.. أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية»، و«أبستمولوجية المعرفة الكونية.. إسلامية المعرفة والمنهج».
لقد تحولت هذه الرؤية في التعامل مع القرآن ومحاولة إنزاله على أرض الواقع من أعمال فردية إلى عمل مؤسسي، تبلور في «المعهد العالمي للفكر الإسلامي»، والذي أنشأ في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1981م، ومن يقف على أهداف المعهد الخمسة يجد أن رؤيته وعمله منصبان على إعادة فهم القرآن بمناهج أكثر ملاءمة للعصر، وأقرب لسد الفجوة التي تركها الزمن بين ظاهر النص القرآني والواقع الذي فرض نفسه عليهم. كان أبو القاسم أحد مستشاري المعهد، ومن أبرز شخصياته العلمية: العراقي طه جابر علواني(ت:2016م)، والسعودي عبد الحميد أبو سليمان(ت:2021م).. اللذان كان لهما مريدون ومتأثرون بأفكارهم في العالم الإسلامي. لكن المعهد على رغم الأعمال الكثيرة والمهمة التي قام بها لم يتمكن من التحول إلى مؤسسة أكاديمية؛ تضع قواعد علمية رصينة في التفسير تتبناها الجامعات الإسلامية، فتعمل على تجديد مناهجها وتخريج طلبة متمكنين يواصلون درب التجديد، وظلت الأطروحات التي يقدمها المفكرون في هذا المجال من المعهد، أو من خارجه، تنتمي إلى نطاق التفكير الحر.
السوري محمد شحرور (ت:2019م).. أبرز شخصية ظهرت في محاولة فهم القرآن خارج سياق المنظومات المعرفية الثلاث للمسلمين: الرواية وعلم الكلام وأصول الفقه، وقد عمل على بناء نظرية معرفية جديدة لفهم القرآن، قائمة على أساس تفعيل «الآيات المحكمات»، ورغم أنه اعتمد على «نظرية عدم ترادف المعنى للكلمة الواحدة»، فأخرج كثيرًا من دلالات النص القرآني عن بنيته الأساسية، إلا أنه قدّم نظرية معرفية معتبرة، يمكن الانطلاق منها لفهم أفضل للقرآن يتناسب مع العصر، دون أن ينبتّ عن الأصل.
خميس بن راشد العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين».