(1)
في العام الأول لنا من التحاقنا بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة العريقة)؛ كان العالم الجليل المرحوم الدكتور محمود فهمي حجازي يدرسنا مادة (المدخل إلى علم اللغة)؛ وكانت من أمتع المحاضرات وأغناها علما وفكرا وإثارة للأذهان وإنارة للعقول.. كان رحمه الله يخوض بنا غمار التراث العربي القديم، والدراسات المعاصرة بسلاسة ويسر وبراعة، كان يجمع بين ميزتين عظيمتين؛ تبحّره الواسع والدقيق بعلوم اللغة والتراث العربي في مجالاته كافة وامتلاكه ناصية البحث المعرفي فيها، وبين اطلاعه المتمكن على أحدث منهجيات البحث اللغوي والعلوم الإنسانية بفضل إجادته الممتازة للغات الأجنبية؛ وعلى رأسها الألمانية والفرنسية والإنجليزية، فضلا على الفارسية والتركية والعبرية وعدد من اللغات المنقرضة التي لم يتبق منها سوى نقوش وكتابات أثرية؛ مثل الأكادية والحبشية والآرامية والسريانية.
أذكر أنه في واحدة من هذه المحاضرات الرائعة؛ سأله واحد منا عما يمكن أن يبدأ به رحلة تعرفه على كنوز وروائع التراث الإسلامي والعربي؛ في جانبه العقلي والفكري؛ لكن بصورة كلية وشاملة، وتغطي مساحة زمنية كبيرة...
جاءت إجابة الدكتور حجازي سريعة ومباشرة وموجزة حاسمة "اقرأوا كتب المرحوم أحمد أمين كلها لا تنقصوا منها شيئا". فلما استزاده الطلبة لبيان ما يقصد وسببه؛ أجاب بأن السلسلة التي عكف على إخراجها المرحوم أحمد أمين، واستهلها بكتابه الأشهر «فجر الإسلام»؛ هي مما لا غنى عنه لأي طالب أو دارس أو باحث أو قارئ عام في تاريخ حضارة الإسلام، والثقافة الإسلامية العربية، والفكر الإسلامي.
كان حديث الدكتور حجازي مُلهما لنا جميعًا، وإن كنتُ على المستوى الشخصي قد قرأت لأحمد أمين كتبًا أخرى (منها سيرته الذاتية البديعة «حياتي» التي لم تنل ما تستحقه أبدًا من قيمة وتقدير وشهرة.. لكن هذا حديث آخر) وكنت قرأت شيئًا بسيطًا عن موسوعته تلك لكن بغير توسع ولا تفصيل (مقال مهم كتبه المرحوم الدكتور شوقي ضيف عن «ضحى الإسلام»). وجاءت إشارة الدكتور حجازي، عليه رحمة الله، كي تحسم بداخلي قرار البحث عن هذه الأعمال والبدء في مطالعتها.
(2)
لحسن حظي، وحظ جيلي كله في هذه السنوات البعيدة من تسعينيات القرن الماضي أننا شهدنا ميلاد مشروع (مكتبة الأسرة) الذي ندين له بالفضل الكبير في تيسير الحصول على روائع الأعمال الأدبية والفكرية بأسعارٍ زهيدة ومناسبة.
وكان كتاب «فجر الإسلام»؛ وهو أولى حلقات بحث أحمد أمين حول تاريخ الحياة العقلية والفكرية للمسلمين، في طليعة الكتب التي ظهرت في هذا المشروع التنويري الكبير عام 1994، ثم ظهرت بقية الأجزاء تباعًا فصدر «ضحى الإسلام»؛ في ثلاثة أجزاء على مدار ثلاثة أعوام (1997، 1998، 1999).. ولحسن الحظ أيضًا، فإنها جاءت مصورة عن الطبعة الأولى التي صدرت عن (لجنة التأليف والترجمة والنشر) التي كان يرأسها ويشرف عليها أحمد أمين نفسه.
وهكذا أتيح لي ولأبناء جيلي كله أن يقرأ هذا الأثر العظيم، وأن نعيد التذكير به الآن، ونعرف به لأجيالٍ جديدة بمناسبة صدور طبعة جديدة منه ضمن سلسلة (كلاسيكيات) التي تصدر عن الدار المصرية اللبنانية؛ وفيها تظهر هذه السلسلة مجموعةً مكتملةً للمرة الأولى بكامل حلقاتها وأجزائها التي تقترب من العشرة؛ طبعة جديدة، دققها وراجعها على طبعاتها المختلفة وعلَّق عليها محمد فتحي أبو بكر، وقدّم لها الأكاديمي والناقد المعروف د.صلاح فضل.
(3)
لكن وقبل الشروع في الحديث عن "فجر الإسلام، وضحاه، وظهره، ويومه" لا بد من إشارةٍ مكثفة وسريعة إلى سيرة أحمد أمين (1886-1954) والتعريف به لمن لا يعرفه من الأجيال الجديدة، فهذا الرائد النهضوي الكبير كان أحد أضلاع المربع الذهبي في حياتنا الفكرية والثقافية المعاصرة "مع طه حسين، والعقاد، ومحمد حسين هيكل"، في النصف الأول من القرن العشرين.
المرحوم أحمد أمين (1886-1954م)؛ دون جدال أحد أكبر العقول المصرية والعربية في العصر الحديث، ورائد بارز من رواد نهضتنا الأدبية والثقافية في النصف الأول من القرن العشرين. إنه مؤرخ الحياة العقلية والفكرية للثقافة الإسلامية منذ ظهورها، ومؤسس العديد من الأنشطة والمعارف الثقافية والمؤسسات التي نمت وازدهرت وتطورت فيما بعد على يد تلاميذه وطلابه، وإذا ذكر اسمه ذُكرَت على الفور موسوعته الرائعة (فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، يوم الإسلام) التي أرّخ فيها لجوانب الحياة العقلية والفكرية والاجتماعية للحضارة الإسلامية، منذ ظهور الإسلام حتى القرن الخامس الهجري.
ويُقرن اسم أحمد أمين بأسماء عظماء جيله -طه حسين، محمد حسين هيكل، عباس محمود العقاد، أحمد حسن الزيات، مصطفى صادق الرافعي، توفيق الحكيم، وغيرهم- ممن حملوا على أكتافهم مهمة النهوض بثقافة وفكر هذه الأمة خلال الفترة الزمنية التي عاشوها وأسهموا فيها إسهامات رائعة، متعددة ومتنوعة تنوع المجالات المختلفة التي رادوا فيها الطريق لغيرهم، ممهدين السبيل لمن أتى بعدهم في أن يكملوا ما بدأوه (أو هذا ما نُقنع أنفسنا به الآن!)
ولد أحمد أمين في القاهرة في الأول من أكتوبر عام 1886، في أسرة محافظة تتمتع بقدر كبير من العلم والمعرفة، التحق بالمرحلة الابتدائية، ثم درس في الأزهر الشريف، ثم انتقل إلى مدرسة القضاء الشرعي التي تخرج فيها عام 1907، وعين عقب تخرجه قاضيا شرعيا، ثم مدرسا بمدرسة القضاء، ثم قاضيا في الواحات الخارجة سنة 1913، ثم مدرسا بكلية الآداب بالجامعة المصرية عام 1926، وظل مدرسا بها، فأستاذا حتى تولى عمادتها، كما عين في عام 1946 مديرا للإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، وكان أحمد أمين عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي.
تنوع إنتاجه المعرفي تنوعا كبيرا، حيث زاوج في تكوينه الفكري وتأسيسه الثقافي بين ثنائيات عديدة كان لها مردودها البارز على تكوينه وثقافته.. فقد جمع بين ثقافة أزهرية عميقة وخالصة، وثقافة أوروبية حديثة حصلها بكده واجتهاده عن طريق تعلمه اللغة الإنجليزية، وكان قد جاوز الثلاثين حين بدأ في تعلمها.
واطلع اطلاعًا واسعًا مستوعبًا على التراث العربي الإسلامي (وإسلامي هنا تشير إلى ما أنتجه المسلمون من فكر وحضارة وثقافة سواء كانوا عربًا أم غير عرب من الأجناس والأمم التي دخلت في الإسلام وأسهمت في عطائه الحضاري، مثل الفرس، والترك، والروم، والهنود، والبربر،...إلخ). كما اطلع على التراث الإنساني العالمي ممثلًا في روائع الفكر والأدب والفلسفة، تلك الروائع التي أبدعها عمالقة الفكر والإبداع على مر العصور..
كما تلاقت فيه إشكالية (التراث/ المعاصرة) بكل تجلياتها وأشكالها، وعلى كل المستويات بدءًا من زيه الأزهري التقليدي الخالص في بداية حياته والذي غيّره إلى الزي الأوروبي الحديث، مرورًا بتعليمه الذي جمع بين أطراف ثلاثة مثَّل كل طرف منها رافدًا مهما من روافد ثقافته وتكوينه.. فجمع بين التعليم الأزهري، والدراسة في مدرسة القضاء الشرعي -التي كانت تعد بمثابة نقطة التقاء بين التعليم الديني ممثلا في الأزهر وبين التعليم المدني الحديث ممثلا في الجامعة الحديثة- والتدريس بالجامعة المصرية الحديثة بكلية الآداب... وانتهاء بجمعه بين منهجين في الدرس والتحصيل والإبداع، أحدهما يمتد بجذوره إلى الثقافة العربية الإسلامية القديمة والآخر يتصل اتصالًا وثيقًا بالثقافة الغربية الحديثة بكل تجلياتها...
وقد كان لكل هذه العوامل -السابق ذكرها- أكبر الأثر في إمداده بالقدرة التحليلية النقدية الفائقة التي تميز بها، والرؤية العقلانية المستنيرة المتوازنة التي جعلته علَمًا عليها ودليلًا ومرشدًا. وقد برزت هاتان السمتان في كل أعماله ومؤلفاته، وبالأخص في عمله الموسوعي الضخم الذي نتناوله تفصيلا في مقالات تالية..
إيهاب الملاح ..كاتب وناقد مصري؛ باحث في التراث الثقافي
في العام الأول لنا من التحاقنا بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة العريقة)؛ كان العالم الجليل المرحوم الدكتور محمود فهمي حجازي يدرسنا مادة (المدخل إلى علم اللغة)؛ وكانت من أمتع المحاضرات وأغناها علما وفكرا وإثارة للأذهان وإنارة للعقول.. كان رحمه الله يخوض بنا غمار التراث العربي القديم، والدراسات المعاصرة بسلاسة ويسر وبراعة، كان يجمع بين ميزتين عظيمتين؛ تبحّره الواسع والدقيق بعلوم اللغة والتراث العربي في مجالاته كافة وامتلاكه ناصية البحث المعرفي فيها، وبين اطلاعه المتمكن على أحدث منهجيات البحث اللغوي والعلوم الإنسانية بفضل إجادته الممتازة للغات الأجنبية؛ وعلى رأسها الألمانية والفرنسية والإنجليزية، فضلا على الفارسية والتركية والعبرية وعدد من اللغات المنقرضة التي لم يتبق منها سوى نقوش وكتابات أثرية؛ مثل الأكادية والحبشية والآرامية والسريانية.
أذكر أنه في واحدة من هذه المحاضرات الرائعة؛ سأله واحد منا عما يمكن أن يبدأ به رحلة تعرفه على كنوز وروائع التراث الإسلامي والعربي؛ في جانبه العقلي والفكري؛ لكن بصورة كلية وشاملة، وتغطي مساحة زمنية كبيرة...
جاءت إجابة الدكتور حجازي سريعة ومباشرة وموجزة حاسمة "اقرأوا كتب المرحوم أحمد أمين كلها لا تنقصوا منها شيئا". فلما استزاده الطلبة لبيان ما يقصد وسببه؛ أجاب بأن السلسلة التي عكف على إخراجها المرحوم أحمد أمين، واستهلها بكتابه الأشهر «فجر الإسلام»؛ هي مما لا غنى عنه لأي طالب أو دارس أو باحث أو قارئ عام في تاريخ حضارة الإسلام، والثقافة الإسلامية العربية، والفكر الإسلامي.
كان حديث الدكتور حجازي مُلهما لنا جميعًا، وإن كنتُ على المستوى الشخصي قد قرأت لأحمد أمين كتبًا أخرى (منها سيرته الذاتية البديعة «حياتي» التي لم تنل ما تستحقه أبدًا من قيمة وتقدير وشهرة.. لكن هذا حديث آخر) وكنت قرأت شيئًا بسيطًا عن موسوعته تلك لكن بغير توسع ولا تفصيل (مقال مهم كتبه المرحوم الدكتور شوقي ضيف عن «ضحى الإسلام»). وجاءت إشارة الدكتور حجازي، عليه رحمة الله، كي تحسم بداخلي قرار البحث عن هذه الأعمال والبدء في مطالعتها.
(2)
لحسن حظي، وحظ جيلي كله في هذه السنوات البعيدة من تسعينيات القرن الماضي أننا شهدنا ميلاد مشروع (مكتبة الأسرة) الذي ندين له بالفضل الكبير في تيسير الحصول على روائع الأعمال الأدبية والفكرية بأسعارٍ زهيدة ومناسبة.
وكان كتاب «فجر الإسلام»؛ وهو أولى حلقات بحث أحمد أمين حول تاريخ الحياة العقلية والفكرية للمسلمين، في طليعة الكتب التي ظهرت في هذا المشروع التنويري الكبير عام 1994، ثم ظهرت بقية الأجزاء تباعًا فصدر «ضحى الإسلام»؛ في ثلاثة أجزاء على مدار ثلاثة أعوام (1997، 1998، 1999).. ولحسن الحظ أيضًا، فإنها جاءت مصورة عن الطبعة الأولى التي صدرت عن (لجنة التأليف والترجمة والنشر) التي كان يرأسها ويشرف عليها أحمد أمين نفسه.
وهكذا أتيح لي ولأبناء جيلي كله أن يقرأ هذا الأثر العظيم، وأن نعيد التذكير به الآن، ونعرف به لأجيالٍ جديدة بمناسبة صدور طبعة جديدة منه ضمن سلسلة (كلاسيكيات) التي تصدر عن الدار المصرية اللبنانية؛ وفيها تظهر هذه السلسلة مجموعةً مكتملةً للمرة الأولى بكامل حلقاتها وأجزائها التي تقترب من العشرة؛ طبعة جديدة، دققها وراجعها على طبعاتها المختلفة وعلَّق عليها محمد فتحي أبو بكر، وقدّم لها الأكاديمي والناقد المعروف د.صلاح فضل.
(3)
لكن وقبل الشروع في الحديث عن "فجر الإسلام، وضحاه، وظهره، ويومه" لا بد من إشارةٍ مكثفة وسريعة إلى سيرة أحمد أمين (1886-1954) والتعريف به لمن لا يعرفه من الأجيال الجديدة، فهذا الرائد النهضوي الكبير كان أحد أضلاع المربع الذهبي في حياتنا الفكرية والثقافية المعاصرة "مع طه حسين، والعقاد، ومحمد حسين هيكل"، في النصف الأول من القرن العشرين.
المرحوم أحمد أمين (1886-1954م)؛ دون جدال أحد أكبر العقول المصرية والعربية في العصر الحديث، ورائد بارز من رواد نهضتنا الأدبية والثقافية في النصف الأول من القرن العشرين. إنه مؤرخ الحياة العقلية والفكرية للثقافة الإسلامية منذ ظهورها، ومؤسس العديد من الأنشطة والمعارف الثقافية والمؤسسات التي نمت وازدهرت وتطورت فيما بعد على يد تلاميذه وطلابه، وإذا ذكر اسمه ذُكرَت على الفور موسوعته الرائعة (فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، يوم الإسلام) التي أرّخ فيها لجوانب الحياة العقلية والفكرية والاجتماعية للحضارة الإسلامية، منذ ظهور الإسلام حتى القرن الخامس الهجري.
ويُقرن اسم أحمد أمين بأسماء عظماء جيله -طه حسين، محمد حسين هيكل، عباس محمود العقاد، أحمد حسن الزيات، مصطفى صادق الرافعي، توفيق الحكيم، وغيرهم- ممن حملوا على أكتافهم مهمة النهوض بثقافة وفكر هذه الأمة خلال الفترة الزمنية التي عاشوها وأسهموا فيها إسهامات رائعة، متعددة ومتنوعة تنوع المجالات المختلفة التي رادوا فيها الطريق لغيرهم، ممهدين السبيل لمن أتى بعدهم في أن يكملوا ما بدأوه (أو هذا ما نُقنع أنفسنا به الآن!)
ولد أحمد أمين في القاهرة في الأول من أكتوبر عام 1886، في أسرة محافظة تتمتع بقدر كبير من العلم والمعرفة، التحق بالمرحلة الابتدائية، ثم درس في الأزهر الشريف، ثم انتقل إلى مدرسة القضاء الشرعي التي تخرج فيها عام 1907، وعين عقب تخرجه قاضيا شرعيا، ثم مدرسا بمدرسة القضاء، ثم قاضيا في الواحات الخارجة سنة 1913، ثم مدرسا بكلية الآداب بالجامعة المصرية عام 1926، وظل مدرسا بها، فأستاذا حتى تولى عمادتها، كما عين في عام 1946 مديرا للإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، وكان أحمد أمين عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي.
تنوع إنتاجه المعرفي تنوعا كبيرا، حيث زاوج في تكوينه الفكري وتأسيسه الثقافي بين ثنائيات عديدة كان لها مردودها البارز على تكوينه وثقافته.. فقد جمع بين ثقافة أزهرية عميقة وخالصة، وثقافة أوروبية حديثة حصلها بكده واجتهاده عن طريق تعلمه اللغة الإنجليزية، وكان قد جاوز الثلاثين حين بدأ في تعلمها.
واطلع اطلاعًا واسعًا مستوعبًا على التراث العربي الإسلامي (وإسلامي هنا تشير إلى ما أنتجه المسلمون من فكر وحضارة وثقافة سواء كانوا عربًا أم غير عرب من الأجناس والأمم التي دخلت في الإسلام وأسهمت في عطائه الحضاري، مثل الفرس، والترك، والروم، والهنود، والبربر،...إلخ). كما اطلع على التراث الإنساني العالمي ممثلًا في روائع الفكر والأدب والفلسفة، تلك الروائع التي أبدعها عمالقة الفكر والإبداع على مر العصور..
كما تلاقت فيه إشكالية (التراث/ المعاصرة) بكل تجلياتها وأشكالها، وعلى كل المستويات بدءًا من زيه الأزهري التقليدي الخالص في بداية حياته والذي غيّره إلى الزي الأوروبي الحديث، مرورًا بتعليمه الذي جمع بين أطراف ثلاثة مثَّل كل طرف منها رافدًا مهما من روافد ثقافته وتكوينه.. فجمع بين التعليم الأزهري، والدراسة في مدرسة القضاء الشرعي -التي كانت تعد بمثابة نقطة التقاء بين التعليم الديني ممثلا في الأزهر وبين التعليم المدني الحديث ممثلا في الجامعة الحديثة- والتدريس بالجامعة المصرية الحديثة بكلية الآداب... وانتهاء بجمعه بين منهجين في الدرس والتحصيل والإبداع، أحدهما يمتد بجذوره إلى الثقافة العربية الإسلامية القديمة والآخر يتصل اتصالًا وثيقًا بالثقافة الغربية الحديثة بكل تجلياتها...
وقد كان لكل هذه العوامل -السابق ذكرها- أكبر الأثر في إمداده بالقدرة التحليلية النقدية الفائقة التي تميز بها، والرؤية العقلانية المستنيرة المتوازنة التي جعلته علَمًا عليها ودليلًا ومرشدًا. وقد برزت هاتان السمتان في كل أعماله ومؤلفاته، وبالأخص في عمله الموسوعي الضخم الذي نتناوله تفصيلا في مقالات تالية..
إيهاب الملاح ..كاتب وناقد مصري؛ باحث في التراث الثقافي