كُتب كثيرا عن موضوع فصل الدين عن الدولة؛ فلماذا الحديث عنه مرة أخرى؟
إن الحديث عن هذا الموضوع لدى المسلمين لن ينقطع؛ طالما أن نظام الدولة لديهم لم يستقر، واستقراره ليس قريبا، فها هي ثورات الربيع العربي مضى عليها أكثر من عشر سنوات، ولا زالت الأرض تميد تحت أقدام الأنظمة الحاكمة والشعوب على حد سواء. ولهيمنة الدين على الاجتماع الإسلامي؛ فقد كان من أعضل القضايا التي واجهت صياغة دساتير ما بعد الربيع العربي هي المواد المتعلقة بعلاقة الدين بالدولة، مما جعل الحديث عن هذه العلاقة تتعدى المشرّعين إلى الشارع، لاسيما في ظل العولمة الرقمية. ولذا؛ فإن الكتابة حول هذه العلاقة ستستمر، بل هي مطلوبة، ليس بالنسبة لتلك الدول التي اجتاحتها الثورات فحسب، بل بقية الدول هي المعنية بها أكثر، لأجل أن تحدث في مجتمعاتها تحولا سلسا قدر المستطاع، إنه لا يمكن إيقاف حركة الزمن نحو المستقبل.
هناك فرق بين فصل الدين عن الدولة، بمعنى؛ عدم ترك الدولة الفرصة لرجال الدين بأن يتدخلوا في شأنها، وهذا أمر أحرزت فيه الدولة الحديثة تقدما كبيرا، فاليوم؛ لم تتبقَ إلا دول معدودات يدير شأنها رجال الدين، وبين تسخير الدولة للدين، فلا يكاد تجد دولة تركت ورقة الدين جانبا، وانتهجت في تسيير شأنها دون أن تقحمه، خاصةً.. أثناء الحروب، ويكفي أن نذكر روسيا وأوكرانيا شاهدا حيا، فكلا الطرفين يستغلان العاطفة الدينية في حشد المحاربين إلى خندقه من المسيحيين والمسلمين، ليقاتلوا إخوانهم في الجبهة الأخرى. وفي جانب السلم؛ رأينا الملك البريطاني تشارلز الثالث يُقسِم أمام الكنيسة البروتستانتية ليُسخِّر نفسه حاميا لها. ولا تزال؛ فرنسا حامية الكاثوليكية، وروسيا حامية الأرثوذوكسية، وبريطانيا حامية البروتستانتية.
إن الدولة الحديثة لم تستطع أن تحيّد الأحزاب ذات المرجعية الدينية عن الوصول إلى الحكم، كما هو في بعض الدول الأوروبية. الأكثر من ذلك؛ فإن الأمم المتحدة لم تتمكن من تحييد الأنظمة التي تتبنى الرؤية الدينية العقائدية، وأبرز مثال عليها إسرائيل، التي تستصدر قراراتها في تعاملها مع الفلسطينيين من هذه المنظمة ذاتها. وبالنسبة لأمريكا فحدّث ولا حرج عن سياساتها التي تقوم على إيديولوجيتها الدينية. فإذا.. إذا كانت الدولة قد تمكنت من إبعاد رجال الدين عن إدارتها، فإنها لم تستغنِ عن استعمال الدين في إدارة ملفاتها.
لقد كتبت في كتابي «السياسة بالدين»؛ الصادر عام 2018م: (لا دين بدون سياسة، ولا سياسة بدون دين، حتمية تأريخية، حاول الإنسان المعاصر بدولته المدنية أن يخرج عنها، فلم ينجح إلا بمقدار ما يكفل للفرد اختياراته الدينية التي لا تصادر على الآخرين اختياراتهم)، وما زالت تتأكد لدي هذه النظرة، فعلينا أن نتحدث عن العلاقة بين الدين والدولة، وليس عن الفصل بينهما، خاصةً؛ عندنا نحن المسلمين، الذين نعيش مجتمعا تشكلت بنيته بلبنات الدين الصلبة.
قضية فصل الدين عن الدولة.. ظهرت في أوروبا خلال عصر التنوير، بدايةً؛ كانت باستناد المَلك إلى الشعب للتخلص من هيمنة الكنيسة، لكن لم يلبث الأمر طويلا حتى نادى الفلاسفة بأن الشعب يجب أن يحكم نفسه، أي أن الحاكم ينال تفويضه بالحكم؛ تشريعا وانتخابا من الشعب، فالشعب وحده مصدر السلطات، وبهذا حصلت القطيعة بين الدين وبين إدارة الدولة وتشريعاتها، فالشعب.. ليس له دين واحد حتى يمكن اعتباره في التشريع. لكن ما لا يمكن نفيه أن الشعب لم يتجرد من دينه، ومعنى هذا أن الدين الذي خرج من الباب دخل من النافذة. فالبشر.. بنزعتهم يُهرعون إلى الدين وقت الحاجة إليه، لاسيما؛ لحظة الصراع، ولحظة الحفاظ على الهُوية.
والدولة.. ليست كيانا مصمتا، بل هي ديناميكية، ونظامها يختلف من بلد لآخر، وما يعنينا هنا الدولة لدى المسلمين، ولفهمها علينا الحديث عن علاقة الدولة بالدين في الغرب، لأن النموذج الغربي هو السائد عالميا، وتحت تأثيره جرى تركيب الدولة الحديثة لدى المسلمين. دخلت المسيحية الغرب والدولة قائمة مهيمنة على الاجتماع البشري، فكان دخولها في الدولة دخولا قسريا، بمعنى؛ أنها كانت تعمل بأنظمتها قبل المسيحية، هذا أولا، وثانيا؛ لم يكن دخولها في الاجتماع إلا من باب تسيير جموعه، فسياسيا؛ هناك ثلاثة أنظمة متمايزة: المجتمع والمسيحية والدولة، وهي وإن تشابكت، إلا أنها لم تنصهر في كيان واحد.
أما الدولة في الإسلام فتختلف عن الدولة المسيحية، صحيح؛ أنه تم تبني النموذج الفارسي في الدولة الأموية، وهي ما يحق أن يقال عنها: أول دولة في الإسلام. أما قبل ذلك فقد بنى النبي محمد أمة -شرحت ذلك مفصلا في «السياسة بالدين»- أي أن الإسلام كان سابقا على الدولة، فإذا شئنا أن نقول إن الدين كان مقحما على الدولة في المسيحية؛ فإن الدولة مقحمة على الدين في الإسلام، وهذه الأسبقية للدين لدى المسلمين هي أسبقية عامة، فأي نظام سياسي نقترحه لينظّم حياتهم؛ فالإسلام سابق عليه، سياسيا كان أم اجتماعيا أم اقتصاديا أم غيره. فعندما يُجرَّد أيُ نظام للمسلمين من دينهم فهو تجريد لهم من أخص خصائصهم، فهم بعده لن يكونوا مسلمين، ولا يجدي أن يكونوا -مثلا- مسلمين في البيت وغير مسلمين في البرلمان.
فإن قلتَ: هل هذا يعني أن الدولة لدى المسلمين يجب أن تمضي باعتبارها دولةً دينية؟
قلتُ: الجواب على هذا السؤال معقد، ليس على المستوى التنظيري، وإنما على المستوى العملي، ومع ذلك لابد من الجواب؛ ويأتي في النقاط الآتية:
- أن نموذج الدولة الذي طبّقه المسلمون قرونا من الزمن لم يكن هو النموذج النبوي، فقد بنى النبي نظام الأمة، الذي يتيح لكل مجتمع أن يمارس نظام الحكم الذي يناسب وضعه، فالدولة الشاملة.. التي تهيمن على شعبها؛ جبايةً لثرواتهم وخضوعا لعصا سلطتها لم تكن موجودة، بل وغير مقصودة في الدين الإسلامي.
- لم يتفق المسلمون على نظام سياسي واحد، وقد أجملتُ أنظمتهم التقليدية في نظامين؛ هما: نظام الخلافة؛ الذي لم يكن الفقيه يتحكم به، ونظام الإمامة؛ الذي كان على رأسه الفقهاء. وبناءً عليه؛ فلا يوجد نظام محدد يلزم المسلمين، وعلى كل حال لم تكن لهذه الدول دساتير يمكن أن تُعتمَد مرجعا للدولة الحديثة.
- وجدت لكل نظام دولة أعرافها وتقاليدها في الحكم، وكانت جميعها متفقة على أن الأمر؛ سياسةً واجتماعا بيد الحاكم.
- لعدم وجود نظام حكم محدد ومفصّل في الإسلام؛ فعلى كل دولة أن توجِد نظامها المناسب، ولأن كليات الإسلام العليا كالعدالة والمساواة والحرية والكرامة والشورى لا تتعارض مع نظام الدولة الحديثة، وتتوافق مع متطلبات الشعب بمختلف توجهاته وأديانه، فيصبح إقرار الدستور بهذه الكليات هو عمل بما جاء به الإسلام بالأساس.
وصفوة القول.. إن قضية فصل الدين عن الدولة لا محل لها لدى المسلمين، فالمسلمون.. لم توجد لديهم دولة يتحكم بها رجال الدين، وحتى نظام الإمامة لم يكن الفقهاء مشرّعين له، وإنما كان عملهم تحقيق المقتضيات التي جاء بها الإسلام -بحسب رؤيتهم الفقهية- من خلال مراقبتهم للنظام. ولأن الإسلام يؤمن بالاستنباط المرتكز على كليات التشريع «الآيات المحكمات»، لا التقليد الفقهي؛ فالدولة في الإسلام لديها القابلية لأن تتجدد باستمرار في أنظمتها وقوانينها ومؤسساتها، وهذه المؤسسات تلقائيا متفقة مع هدي الإسلام؛ طالما أنها تحقق المبادئ العليا التي جاء بها، فالإسلام.. ليس وظيفة تحتكرها جهة دون أخرى، وإنما هو هدي؛ إيماني وأخلاقي يلتزم بتطبيقه الإنسان. وبهذه الطريقة قد تتجنّب مجتمعاتنا المسلمة الصراع السياسي باسم الدين.
إن الحديث عن هذا الموضوع لدى المسلمين لن ينقطع؛ طالما أن نظام الدولة لديهم لم يستقر، واستقراره ليس قريبا، فها هي ثورات الربيع العربي مضى عليها أكثر من عشر سنوات، ولا زالت الأرض تميد تحت أقدام الأنظمة الحاكمة والشعوب على حد سواء. ولهيمنة الدين على الاجتماع الإسلامي؛ فقد كان من أعضل القضايا التي واجهت صياغة دساتير ما بعد الربيع العربي هي المواد المتعلقة بعلاقة الدين بالدولة، مما جعل الحديث عن هذه العلاقة تتعدى المشرّعين إلى الشارع، لاسيما في ظل العولمة الرقمية. ولذا؛ فإن الكتابة حول هذه العلاقة ستستمر، بل هي مطلوبة، ليس بالنسبة لتلك الدول التي اجتاحتها الثورات فحسب، بل بقية الدول هي المعنية بها أكثر، لأجل أن تحدث في مجتمعاتها تحولا سلسا قدر المستطاع، إنه لا يمكن إيقاف حركة الزمن نحو المستقبل.
هناك فرق بين فصل الدين عن الدولة، بمعنى؛ عدم ترك الدولة الفرصة لرجال الدين بأن يتدخلوا في شأنها، وهذا أمر أحرزت فيه الدولة الحديثة تقدما كبيرا، فاليوم؛ لم تتبقَ إلا دول معدودات يدير شأنها رجال الدين، وبين تسخير الدولة للدين، فلا يكاد تجد دولة تركت ورقة الدين جانبا، وانتهجت في تسيير شأنها دون أن تقحمه، خاصةً.. أثناء الحروب، ويكفي أن نذكر روسيا وأوكرانيا شاهدا حيا، فكلا الطرفين يستغلان العاطفة الدينية في حشد المحاربين إلى خندقه من المسيحيين والمسلمين، ليقاتلوا إخوانهم في الجبهة الأخرى. وفي جانب السلم؛ رأينا الملك البريطاني تشارلز الثالث يُقسِم أمام الكنيسة البروتستانتية ليُسخِّر نفسه حاميا لها. ولا تزال؛ فرنسا حامية الكاثوليكية، وروسيا حامية الأرثوذوكسية، وبريطانيا حامية البروتستانتية.
إن الدولة الحديثة لم تستطع أن تحيّد الأحزاب ذات المرجعية الدينية عن الوصول إلى الحكم، كما هو في بعض الدول الأوروبية. الأكثر من ذلك؛ فإن الأمم المتحدة لم تتمكن من تحييد الأنظمة التي تتبنى الرؤية الدينية العقائدية، وأبرز مثال عليها إسرائيل، التي تستصدر قراراتها في تعاملها مع الفلسطينيين من هذه المنظمة ذاتها. وبالنسبة لأمريكا فحدّث ولا حرج عن سياساتها التي تقوم على إيديولوجيتها الدينية. فإذا.. إذا كانت الدولة قد تمكنت من إبعاد رجال الدين عن إدارتها، فإنها لم تستغنِ عن استعمال الدين في إدارة ملفاتها.
لقد كتبت في كتابي «السياسة بالدين»؛ الصادر عام 2018م: (لا دين بدون سياسة، ولا سياسة بدون دين، حتمية تأريخية، حاول الإنسان المعاصر بدولته المدنية أن يخرج عنها، فلم ينجح إلا بمقدار ما يكفل للفرد اختياراته الدينية التي لا تصادر على الآخرين اختياراتهم)، وما زالت تتأكد لدي هذه النظرة، فعلينا أن نتحدث عن العلاقة بين الدين والدولة، وليس عن الفصل بينهما، خاصةً؛ عندنا نحن المسلمين، الذين نعيش مجتمعا تشكلت بنيته بلبنات الدين الصلبة.
قضية فصل الدين عن الدولة.. ظهرت في أوروبا خلال عصر التنوير، بدايةً؛ كانت باستناد المَلك إلى الشعب للتخلص من هيمنة الكنيسة، لكن لم يلبث الأمر طويلا حتى نادى الفلاسفة بأن الشعب يجب أن يحكم نفسه، أي أن الحاكم ينال تفويضه بالحكم؛ تشريعا وانتخابا من الشعب، فالشعب وحده مصدر السلطات، وبهذا حصلت القطيعة بين الدين وبين إدارة الدولة وتشريعاتها، فالشعب.. ليس له دين واحد حتى يمكن اعتباره في التشريع. لكن ما لا يمكن نفيه أن الشعب لم يتجرد من دينه، ومعنى هذا أن الدين الذي خرج من الباب دخل من النافذة. فالبشر.. بنزعتهم يُهرعون إلى الدين وقت الحاجة إليه، لاسيما؛ لحظة الصراع، ولحظة الحفاظ على الهُوية.
والدولة.. ليست كيانا مصمتا، بل هي ديناميكية، ونظامها يختلف من بلد لآخر، وما يعنينا هنا الدولة لدى المسلمين، ولفهمها علينا الحديث عن علاقة الدولة بالدين في الغرب، لأن النموذج الغربي هو السائد عالميا، وتحت تأثيره جرى تركيب الدولة الحديثة لدى المسلمين. دخلت المسيحية الغرب والدولة قائمة مهيمنة على الاجتماع البشري، فكان دخولها في الدولة دخولا قسريا، بمعنى؛ أنها كانت تعمل بأنظمتها قبل المسيحية، هذا أولا، وثانيا؛ لم يكن دخولها في الاجتماع إلا من باب تسيير جموعه، فسياسيا؛ هناك ثلاثة أنظمة متمايزة: المجتمع والمسيحية والدولة، وهي وإن تشابكت، إلا أنها لم تنصهر في كيان واحد.
أما الدولة في الإسلام فتختلف عن الدولة المسيحية، صحيح؛ أنه تم تبني النموذج الفارسي في الدولة الأموية، وهي ما يحق أن يقال عنها: أول دولة في الإسلام. أما قبل ذلك فقد بنى النبي محمد أمة -شرحت ذلك مفصلا في «السياسة بالدين»- أي أن الإسلام كان سابقا على الدولة، فإذا شئنا أن نقول إن الدين كان مقحما على الدولة في المسيحية؛ فإن الدولة مقحمة على الدين في الإسلام، وهذه الأسبقية للدين لدى المسلمين هي أسبقية عامة، فأي نظام سياسي نقترحه لينظّم حياتهم؛ فالإسلام سابق عليه، سياسيا كان أم اجتماعيا أم اقتصاديا أم غيره. فعندما يُجرَّد أيُ نظام للمسلمين من دينهم فهو تجريد لهم من أخص خصائصهم، فهم بعده لن يكونوا مسلمين، ولا يجدي أن يكونوا -مثلا- مسلمين في البيت وغير مسلمين في البرلمان.
فإن قلتَ: هل هذا يعني أن الدولة لدى المسلمين يجب أن تمضي باعتبارها دولةً دينية؟
قلتُ: الجواب على هذا السؤال معقد، ليس على المستوى التنظيري، وإنما على المستوى العملي، ومع ذلك لابد من الجواب؛ ويأتي في النقاط الآتية:
- أن نموذج الدولة الذي طبّقه المسلمون قرونا من الزمن لم يكن هو النموذج النبوي، فقد بنى النبي نظام الأمة، الذي يتيح لكل مجتمع أن يمارس نظام الحكم الذي يناسب وضعه، فالدولة الشاملة.. التي تهيمن على شعبها؛ جبايةً لثرواتهم وخضوعا لعصا سلطتها لم تكن موجودة، بل وغير مقصودة في الدين الإسلامي.
- لم يتفق المسلمون على نظام سياسي واحد، وقد أجملتُ أنظمتهم التقليدية في نظامين؛ هما: نظام الخلافة؛ الذي لم يكن الفقيه يتحكم به، ونظام الإمامة؛ الذي كان على رأسه الفقهاء. وبناءً عليه؛ فلا يوجد نظام محدد يلزم المسلمين، وعلى كل حال لم تكن لهذه الدول دساتير يمكن أن تُعتمَد مرجعا للدولة الحديثة.
- وجدت لكل نظام دولة أعرافها وتقاليدها في الحكم، وكانت جميعها متفقة على أن الأمر؛ سياسةً واجتماعا بيد الحاكم.
- لعدم وجود نظام حكم محدد ومفصّل في الإسلام؛ فعلى كل دولة أن توجِد نظامها المناسب، ولأن كليات الإسلام العليا كالعدالة والمساواة والحرية والكرامة والشورى لا تتعارض مع نظام الدولة الحديثة، وتتوافق مع متطلبات الشعب بمختلف توجهاته وأديانه، فيصبح إقرار الدستور بهذه الكليات هو عمل بما جاء به الإسلام بالأساس.
وصفوة القول.. إن قضية فصل الدين عن الدولة لا محل لها لدى المسلمين، فالمسلمون.. لم توجد لديهم دولة يتحكم بها رجال الدين، وحتى نظام الإمامة لم يكن الفقهاء مشرّعين له، وإنما كان عملهم تحقيق المقتضيات التي جاء بها الإسلام -بحسب رؤيتهم الفقهية- من خلال مراقبتهم للنظام. ولأن الإسلام يؤمن بالاستنباط المرتكز على كليات التشريع «الآيات المحكمات»، لا التقليد الفقهي؛ فالدولة في الإسلام لديها القابلية لأن تتجدد باستمرار في أنظمتها وقوانينها ومؤسساتها، وهذه المؤسسات تلقائيا متفقة مع هدي الإسلام؛ طالما أنها تحقق المبادئ العليا التي جاء بها، فالإسلام.. ليس وظيفة تحتكرها جهة دون أخرى، وإنما هو هدي؛ إيماني وأخلاقي يلتزم بتطبيقه الإنسان. وبهذه الطريقة قد تتجنّب مجتمعاتنا المسلمة الصراع السياسي باسم الدين.