أستعيد اليوم وأنا أشارك زملائي في إذاعة الشباب احتفالهم بمرور عشرين سنة على انطلاقها، الفرحة العارمة التي ملأت استوديوهات إذاعة سلطنة عُمان بتدشين هذه الإذاعة في الثالث والعشرين من يوليو 2003م، باسم «برنامج الشباب»، لتكون – كما صرح القائمون عليها آنئذ - صوتًا للشباب العُماني ومنبرًا للتعبير عن قضاياهم وآمالهم وطموحاتهم. وإذا كانت قد مرت خلال هذه السنوات العشرين بمراحل شدّ وجذب، بحيث إنها أبلت بلاءً حسنا في بعض الفترات، ولم تكن في مستوى الطموح في فترات أخرى، فإن خير احتفاء بها من وجهة نظري هو تذكّر بعض برامجها الجميلة التي استقطبتْ الشباب بالفعل، وكانت معبّرةً عنهم، وعمّا يختلج في دواخلهم من أحاسيس.
في طليعة هذه البرامج يأتي «هذا الصباح» الذي بثته إذاعة الشباب بالاشتراك مع الإذاعة العامة سنة 2009، وهو برنامج كانت فكرته تقوم على تقديم نقد للأداء الحكومي من خلال استقبال اتصالات من المستمعين. ورغم المدة القصيرة التي استمر فيها البرنامج، بسبب ظروف عدة تكالبت عليه أهمها ضيق المؤسسات الحكومية بالنقد آنذاك، إلا أنه مازال باقيًا في ذاكرة المستمعين إلى اليوم. وفي تصوّري أننا بحاجة ماسّة في هذه المرحلة من عمر عُمان الحديثة إلى مثل هذا البرنامج.
من البرامج الناجحة الأخرى التي بقيتْ في ذاكرتي «ورق مكشوف» الذي قدمه حميد البلوشي سنة 2005، واستضاف خلاله العديد من الشخصيات العُمانية العامة من إعلاميين وفنانين وأدباء، إذْ تتناسل حكايات هؤلاء الضيوف سارِدةً طفولاتهم، ومواقفهم الطريفة، وأسرارهم الصغيرة، بل ووجوههم الأخرى الغائبة ربما عن عين المستمع. وهو شبيه ببرنامج جميل آخر ستقدمه إذاعة الشباب بعد عدة سنوات وهو «حديث الروح» لنايلة البلوشية الذي كان يبث مساء كل خميس. ورغم أنه يتشابه في فكرته مع «ورق مكشوف» في استضافته للشخصيات العُمانية، إلا أنه تميز عنه بسعيه الحثيث لتوثيق قصة نجاح الضيف من جوانبها المتعددة، إضافة إلى عدم التزامه بشرط الشهرة أو كون الشخصية عامة كما كان حميد البلوشي يفعل. إذ يحدث أن تنفض نايلة الغبار عن شخص مجهول تمامًا للمستمعين، لكنهم سيكتشفون بعد ساعتَيْ الحلقة أنه شخصية ثرية عاشت حياة حافلة جديرة بالتوثيق. كما تميّز أيضًا بعدم اكتفائه بالضيوف العُمانيين وإنما كان ينتهز فرصة زيارة بعض الشخصيات العربية المهمة لعُمان ويسجّل معها حلقات خاصة. ومن المؤسف حقًّا أن هذا البرنامج ظهر في بدايات الأرشفة الإلكترونية للبرامج الإذاعية، والتي كانت تشوبها بعض الأخطاء الناجمة عن قلة الخبرة، فكان أن فُقِدَ عدد غير قليل من حلقاته.
ومن برامج إذاعة الشباب الجديرة بالتذكّر أيضا برنامج «الميدان» الذي احتفى بهذا الفنّ الشعبي العُماني، وقد قدمه الشاعر سالم سلطان السعدي، الذي تمكن بذاكرته القوية الحافِظة لكثير من الأشعار الشعبية، وبضيوفه من شعراء الميدان وحَفَظته، من تحبيب هذا الفنّ التراثي إلى مستمعي الإذاعة. كما أتذكّر أيضًا برنامج «طرب» لسُهى الرُقيشية سنة 2005 الذي كان يحتفي بالغناء العربي الأصيل، وبرنامجها الآخر «ترحال» المهتم بتغطية الأحداث والفعاليات الثقافية.
تطفئ إذاعة الشباب إذن شمعتها العشرين وقد راكمتْ رصيدًا لا يُستهان به من النجاحات، سواء من البرامج الجيدة التي ذكرتُ بعضها أعلاه، أو حتى الجوائز التي حصدتها منذ سنواتها الأولى (أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الجائزة الذهبية في برامج المنوعات في مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون عام 2006 التي فاز بها برنامج «جرب حظك» لندى البلوشية). غير أن ما تحتاجه الإذاعة أكثر في هذه المرحلة من وجهة نظري هو تغيير نظرة بعض القائمين عليها للشباب. إذْ ليس صحيحًا أنهم منفتحون فقط على برامج «الفرفشة» والموضة والأغاني الراقصة، بل إنهم يتوقون أيضًا إلى البرامج الجادة التي تناقش قضاياهم، وتعبّر عن همومهم وتطلعاتهم، وإذا كانت الإذاعة قد بدأت الانتباه لهذا الأمر فعلًا في الآونة الأخيرة، إلا أنه مازال يلزمها الكثير من العمل في هذا الجانب.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
في طليعة هذه البرامج يأتي «هذا الصباح» الذي بثته إذاعة الشباب بالاشتراك مع الإذاعة العامة سنة 2009، وهو برنامج كانت فكرته تقوم على تقديم نقد للأداء الحكومي من خلال استقبال اتصالات من المستمعين. ورغم المدة القصيرة التي استمر فيها البرنامج، بسبب ظروف عدة تكالبت عليه أهمها ضيق المؤسسات الحكومية بالنقد آنذاك، إلا أنه مازال باقيًا في ذاكرة المستمعين إلى اليوم. وفي تصوّري أننا بحاجة ماسّة في هذه المرحلة من عمر عُمان الحديثة إلى مثل هذا البرنامج.
من البرامج الناجحة الأخرى التي بقيتْ في ذاكرتي «ورق مكشوف» الذي قدمه حميد البلوشي سنة 2005، واستضاف خلاله العديد من الشخصيات العُمانية العامة من إعلاميين وفنانين وأدباء، إذْ تتناسل حكايات هؤلاء الضيوف سارِدةً طفولاتهم، ومواقفهم الطريفة، وأسرارهم الصغيرة، بل ووجوههم الأخرى الغائبة ربما عن عين المستمع. وهو شبيه ببرنامج جميل آخر ستقدمه إذاعة الشباب بعد عدة سنوات وهو «حديث الروح» لنايلة البلوشية الذي كان يبث مساء كل خميس. ورغم أنه يتشابه في فكرته مع «ورق مكشوف» في استضافته للشخصيات العُمانية، إلا أنه تميز عنه بسعيه الحثيث لتوثيق قصة نجاح الضيف من جوانبها المتعددة، إضافة إلى عدم التزامه بشرط الشهرة أو كون الشخصية عامة كما كان حميد البلوشي يفعل. إذ يحدث أن تنفض نايلة الغبار عن شخص مجهول تمامًا للمستمعين، لكنهم سيكتشفون بعد ساعتَيْ الحلقة أنه شخصية ثرية عاشت حياة حافلة جديرة بالتوثيق. كما تميّز أيضًا بعدم اكتفائه بالضيوف العُمانيين وإنما كان ينتهز فرصة زيارة بعض الشخصيات العربية المهمة لعُمان ويسجّل معها حلقات خاصة. ومن المؤسف حقًّا أن هذا البرنامج ظهر في بدايات الأرشفة الإلكترونية للبرامج الإذاعية، والتي كانت تشوبها بعض الأخطاء الناجمة عن قلة الخبرة، فكان أن فُقِدَ عدد غير قليل من حلقاته.
ومن برامج إذاعة الشباب الجديرة بالتذكّر أيضا برنامج «الميدان» الذي احتفى بهذا الفنّ الشعبي العُماني، وقد قدمه الشاعر سالم سلطان السعدي، الذي تمكن بذاكرته القوية الحافِظة لكثير من الأشعار الشعبية، وبضيوفه من شعراء الميدان وحَفَظته، من تحبيب هذا الفنّ التراثي إلى مستمعي الإذاعة. كما أتذكّر أيضًا برنامج «طرب» لسُهى الرُقيشية سنة 2005 الذي كان يحتفي بالغناء العربي الأصيل، وبرنامجها الآخر «ترحال» المهتم بتغطية الأحداث والفعاليات الثقافية.
تطفئ إذاعة الشباب إذن شمعتها العشرين وقد راكمتْ رصيدًا لا يُستهان به من النجاحات، سواء من البرامج الجيدة التي ذكرتُ بعضها أعلاه، أو حتى الجوائز التي حصدتها منذ سنواتها الأولى (أذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الجائزة الذهبية في برامج المنوعات في مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون عام 2006 التي فاز بها برنامج «جرب حظك» لندى البلوشية). غير أن ما تحتاجه الإذاعة أكثر في هذه المرحلة من وجهة نظري هو تغيير نظرة بعض القائمين عليها للشباب. إذْ ليس صحيحًا أنهم منفتحون فقط على برامج «الفرفشة» والموضة والأغاني الراقصة، بل إنهم يتوقون أيضًا إلى البرامج الجادة التي تناقش قضاياهم، وتعبّر عن همومهم وتطلعاتهم، وإذا كانت الإذاعة قد بدأت الانتباه لهذا الأمر فعلًا في الآونة الأخيرة، إلا أنه مازال يلزمها الكثير من العمل في هذا الجانب.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني