يأتي هذا المقال استكمالا للمقال السابق الذي حمل عنوان «قراءة حول دمج صناديق التقاعد الحكومية» الذي تم نشره بجريدة عمان في شهر مايو 2022م. حيث تمت الإشارة إلى الأهمية الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن عملية الدمج لتعظيم الجوانب التشغيلية والاستثمارية لصندوق الحماية (بعد الدمج) والتي لم تكن تأخذ مسارها الصحيح في فترة وجود (11) صندوقا تقاعديّا. عليه يأتي إصدار نظام صندوق الحماية الاجتماعية تأكيدا للمبادئ الاجتماعية بالنظام الأساسي للدولة المتمثلة في أن الدولة تكفل للمواطن خدمة التأمين الاجتماعي والمعونة في حالات الشيخوخة والعجز والمرض، وبالتالي تعدى مسمى الصندوق من النهج التقليدي «صندوق التقاعد» إلى توجهٍ سامٍ ليحمل اسم «صندوق الحماية الاجتماعية» بحيث يشمل جميع أفراد المجتمع وليس المتقاعدين فقط. كما يأتي إصدار نظام الحماية تنفيذا لمحدّدات «رؤية عمان 2040»، المضمنة بأولوية قطاع الرفاه والحماية الاجتماعية، التي تهدف إلى أن يكون جميع أفراد المجتمع يتمتعون بتغطية تأمينية تكاملية تركز على الأشخاص الأكثر إلحاحا، وتدار منظومة الحماية بفاعلية وعدالة واستدامة في منح المزايا والمنافع الاجتماعية.
ولعله من الجيد التفريق بين الأنظمة والقوانين من حيث مسارها التشريعي. فالقوانين ذات التأثير الاقتصادي والاجتماعي تأخذ دورتها التشريعية المحددة بقانون مجلس عمان، وبالتالي بعد العرض على المجلس تُرفع للمقام السامي للاعتماد النهائي كما هو حال قانون الحماية الاجتماعية الذي صدر أمس. إلا أن الأنظمة على سبيل المثال، نظام الحماية الاجتماعية ونظام تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية، فإنها لا تجري عليها الدورة التشريعية وبالتالي لا يتم عرضها على مجلس عمان بشقيه الشورى والدولة، حيث إنها أنظمة وليست قوانين. فالنظام هو إطار هيكلي إداري يعنى بتحديد وتوضيح الأهداف والصلاحيات والتفويضات والهيكل التنظيمي ورقابة الأداء والتبعية والاستقلالية، وبالتالي كلا النظامين الصادرين لم يتطرقا إلى مكونات برامج الحماية والتأمين الاجتماعي، حيث ورد ذلك تفصيلا في قانون الحماية الاجتماعية.
وأصبحت أغلب الدول في سباق مع الزمن نحو العمل على تحسين منظومة الحماية والتقاعد، وهناك تصنيف أو ترتيب لأفضل صناديق التقاعد والحماية على مستوى العالم. ففي عام 2022م، حلت آيسلندا ونيذرلاند والدنمارك في المراكز الأولى لأفضل صناديق التقاعد بحصولها على تصنيف( A ) حسب التقرير السنوي الذي يعده معهد (Mercer.com) بالتعاون مع جامعة موناش في استراليا. ، مع العلم أن معهد (Mercer ) لديه 3 مرتكزات للتقييم وهي: الكفاية بنسبة (40%)، والاستدامة أو الشمول المالي (35%)، والتكاملية بنسبة (25%) التي تتعلق بالتشريعات والحوكمة وتكاليف العمليات التشغيلية. كما أن عدد الدول على مستوى العالم التي دخلت في القياس بلغت (44) دولة وشاركت بأنظمة الدخل التقاعدية. وبالتالي الدول التي لم تحصل على أي تقييم فإنها تكون قد حصلت على أقل من 35% من المعايير الأساسية للتقييم السابق ذكرها.
وبمقارنة تلك المعايير التي على أساسها يتم تصنيف صناديق الحماية أو التقاعد، نجد أن صندوق الحماية الاجتماعية جاءت أهدافه متسقة مع تلك المعايير، ومنها تكوين حماية تأمينية كافية ولائقة لجميع أفراد المجتمع، بمعنى أن المنضوين تحت الحماية يمتد ليشمل جميع أصحاب الأعمال والمهن الحرة وليس الموظفين بالقطاعات المدنية والعسكرية والقطاع الخاص وبمزايا ومنافع كافية. كما أن الصندوق يهدف لتطوير منظومة متكاملة. هذا التكامل يأتي في المقام الأول من وضع (11) صندوقا تقاعديّا في كيان هيكلي واقتصادي واحد، ما يسهل من التوزيع العادل لنظم التأمين والمنافع التقاعدية. فعندما تكون هناك جهة مركزية موحدة سوف تتم معاملة المستفيدين من الحماية معاملة متساوية وشاملة، والذي من شأنه أن يؤدي إلى رفع وتيرة العمل بالصندوق الموحد ويسهل من متابعة وقياس الأداء السنوي ومتابعة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التشغيلية للصندوق.
ولعل معيار الاستدامة في منظومة الحماية الاجتماعية من العوامل التي طال انتظارها. فقبل ما يزيد على 10 سنوات مضت، كانت هناك أوامر سامية من السلطان الراحل - طيب الله ثراه - بتعزيز وتوحيد المنافع التقاعدية، إلا أن تلك الأوامر لم تر لطريق التنفيذ سبيلا، بسبب تأثر الاقتصاد العماني بتقلبات أسعار النفط في تلك الفترة، وبالتالي أغلب التطلعات التي كان المواطن ينتظرها في مجال الحماية الاجتماعية أجلت لعدم وجود برنامج استدامة مالية وموارد لتغطية الزيادات المالية المتوقعة من تنفيذ تلك الخطط. كما أن النتائج المالية لأغلب تلك الصناديق لا يتم نشرها حسب معايير الإفصاح المالي، وبالتالي فإن هناك هاجسا من قبل الجهات المختصة المسؤولة عن تلك الصناديق بأن ما يقرب من (5) صناديق سوف تتآكل أصولها المالية قبل نهاية عام 2030م وبالتالي فإن الأعباء المالية سوف تزيد على المالية العامة للدولة وذلك بضخ مبالغ كبيرة للإيفاء بمستحقات المشتركين والمنتفعين من تلك الصناديق. وبالتالي ينظر إلى هذا الكيان الإداري والاقتصادي لصندوق الحماية الاجتماعية، العمل على مساندة الحكومة في التخفيف من الأعباء المالية وتطبيق أعلى معايير الحوكمة والإفصاح والشفافية المتمثلة في نشر نتائج أعماله المالية بشكل سنوي لتقييم ومراجعة وقياس الأداء.
وعلى الصعيد الخارجي، يلاحظ أن هناك مشهدا ناتجا عن التعديلات الجذرية الهيكلية لأنظمة صناديق التقاعد وما يشاهد قبل فترة وجيزة في الشارع الفرنسي، من احتجاجات على تمديد السن القانوني للتقاعد ليس ببعيد. تلك المشاهدات تعطي دلالة جوهرية بأن دمج صناديق التقاعد الحكومية يصب في المصلحة العليا للوطن والمواطن. فأغلب تلك الصناديق ذات اشتراكات مالية ليست كبيرة وذات أصول مالية غير مستدامة الربحية، وبالتالي جمعها في كيان اقتصادي كبير باشتراكات شهرية كبيرة يتم تحصيلها من (650) ألف مشترك (بعد اكتمال الدمج) والمساهمة الحكومية عن كل موظف، سوف يعمل على تضخيم العائد على الإنفاق وعلى مقدرتها المضي في توسيع محافظها الاستثمارية وعلى ضخ قيمة مالية مضافة للاقتصاد الوطني. هذا الكيان الهيكلي الجديد لصندوق الحماية سوف يسهم بالدخول في استثمارات خارجية ذات رؤوس أموال كبيرة. في المقابل فإن الشركاء الأساسيين لهذا الصندوق من الحكومة والمؤمن عليهم والمتقاعدين وشركات القطاع الخاص والمحافظ الاستثمارية ومديري صناديق التقاعد العالمية يتطلعون بعد فترة من الزمن، إلى قيام الصندوق بتطبيق المعايير الدولية للمحاسبة والتدقيق فيما يتعلق بآليات الإفصاح المالي وعرض النتائج المالية السنوية لأداء الصندوق سواء في موقعه الإلكتروني أو في الصحف المحلية تطبيقا للممارسات المهنية المتعارف عليها. هذه الشفافية المطلوبة من صندوق الحماية من شأنها المساهمة في جذب استثمارات عالية القيمة وبعوائد ربحية مجزية، وبالتالي العمل على تحسين مستوى تصنيف أو ترتيب صندوق الحماية الاجتماعية لكي يتبوأ مركزا متقدما ضمن أفضل صناديق التقاعد أو الحماية على مستوى العالم.
ختاما، فإن صدور نظام الحماية الاجتماعية وقانون الحماية الاجتماعية يعتبر مكونا أساسيا في تحسين مؤشر التقدم الاجتماعي في رؤية عمان، لتكون سلطنة عمان من بين أفضل (40) دولة على مستوى العالم عام 2030م، ومن بين أفضل (20) دولة عام 2040م.
ولعله من الجيد التفريق بين الأنظمة والقوانين من حيث مسارها التشريعي. فالقوانين ذات التأثير الاقتصادي والاجتماعي تأخذ دورتها التشريعية المحددة بقانون مجلس عمان، وبالتالي بعد العرض على المجلس تُرفع للمقام السامي للاعتماد النهائي كما هو حال قانون الحماية الاجتماعية الذي صدر أمس. إلا أن الأنظمة على سبيل المثال، نظام الحماية الاجتماعية ونظام تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية، فإنها لا تجري عليها الدورة التشريعية وبالتالي لا يتم عرضها على مجلس عمان بشقيه الشورى والدولة، حيث إنها أنظمة وليست قوانين. فالنظام هو إطار هيكلي إداري يعنى بتحديد وتوضيح الأهداف والصلاحيات والتفويضات والهيكل التنظيمي ورقابة الأداء والتبعية والاستقلالية، وبالتالي كلا النظامين الصادرين لم يتطرقا إلى مكونات برامج الحماية والتأمين الاجتماعي، حيث ورد ذلك تفصيلا في قانون الحماية الاجتماعية.
وأصبحت أغلب الدول في سباق مع الزمن نحو العمل على تحسين منظومة الحماية والتقاعد، وهناك تصنيف أو ترتيب لأفضل صناديق التقاعد والحماية على مستوى العالم. ففي عام 2022م، حلت آيسلندا ونيذرلاند والدنمارك في المراكز الأولى لأفضل صناديق التقاعد بحصولها على تصنيف( A ) حسب التقرير السنوي الذي يعده معهد (Mercer.com) بالتعاون مع جامعة موناش في استراليا. ، مع العلم أن معهد (Mercer ) لديه 3 مرتكزات للتقييم وهي: الكفاية بنسبة (40%)، والاستدامة أو الشمول المالي (35%)، والتكاملية بنسبة (25%) التي تتعلق بالتشريعات والحوكمة وتكاليف العمليات التشغيلية. كما أن عدد الدول على مستوى العالم التي دخلت في القياس بلغت (44) دولة وشاركت بأنظمة الدخل التقاعدية. وبالتالي الدول التي لم تحصل على أي تقييم فإنها تكون قد حصلت على أقل من 35% من المعايير الأساسية للتقييم السابق ذكرها.
وبمقارنة تلك المعايير التي على أساسها يتم تصنيف صناديق الحماية أو التقاعد، نجد أن صندوق الحماية الاجتماعية جاءت أهدافه متسقة مع تلك المعايير، ومنها تكوين حماية تأمينية كافية ولائقة لجميع أفراد المجتمع، بمعنى أن المنضوين تحت الحماية يمتد ليشمل جميع أصحاب الأعمال والمهن الحرة وليس الموظفين بالقطاعات المدنية والعسكرية والقطاع الخاص وبمزايا ومنافع كافية. كما أن الصندوق يهدف لتطوير منظومة متكاملة. هذا التكامل يأتي في المقام الأول من وضع (11) صندوقا تقاعديّا في كيان هيكلي واقتصادي واحد، ما يسهل من التوزيع العادل لنظم التأمين والمنافع التقاعدية. فعندما تكون هناك جهة مركزية موحدة سوف تتم معاملة المستفيدين من الحماية معاملة متساوية وشاملة، والذي من شأنه أن يؤدي إلى رفع وتيرة العمل بالصندوق الموحد ويسهل من متابعة وقياس الأداء السنوي ومتابعة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التشغيلية للصندوق.
ولعل معيار الاستدامة في منظومة الحماية الاجتماعية من العوامل التي طال انتظارها. فقبل ما يزيد على 10 سنوات مضت، كانت هناك أوامر سامية من السلطان الراحل - طيب الله ثراه - بتعزيز وتوحيد المنافع التقاعدية، إلا أن تلك الأوامر لم تر لطريق التنفيذ سبيلا، بسبب تأثر الاقتصاد العماني بتقلبات أسعار النفط في تلك الفترة، وبالتالي أغلب التطلعات التي كان المواطن ينتظرها في مجال الحماية الاجتماعية أجلت لعدم وجود برنامج استدامة مالية وموارد لتغطية الزيادات المالية المتوقعة من تنفيذ تلك الخطط. كما أن النتائج المالية لأغلب تلك الصناديق لا يتم نشرها حسب معايير الإفصاح المالي، وبالتالي فإن هناك هاجسا من قبل الجهات المختصة المسؤولة عن تلك الصناديق بأن ما يقرب من (5) صناديق سوف تتآكل أصولها المالية قبل نهاية عام 2030م وبالتالي فإن الأعباء المالية سوف تزيد على المالية العامة للدولة وذلك بضخ مبالغ كبيرة للإيفاء بمستحقات المشتركين والمنتفعين من تلك الصناديق. وبالتالي ينظر إلى هذا الكيان الإداري والاقتصادي لصندوق الحماية الاجتماعية، العمل على مساندة الحكومة في التخفيف من الأعباء المالية وتطبيق أعلى معايير الحوكمة والإفصاح والشفافية المتمثلة في نشر نتائج أعماله المالية بشكل سنوي لتقييم ومراجعة وقياس الأداء.
وعلى الصعيد الخارجي، يلاحظ أن هناك مشهدا ناتجا عن التعديلات الجذرية الهيكلية لأنظمة صناديق التقاعد وما يشاهد قبل فترة وجيزة في الشارع الفرنسي، من احتجاجات على تمديد السن القانوني للتقاعد ليس ببعيد. تلك المشاهدات تعطي دلالة جوهرية بأن دمج صناديق التقاعد الحكومية يصب في المصلحة العليا للوطن والمواطن. فأغلب تلك الصناديق ذات اشتراكات مالية ليست كبيرة وذات أصول مالية غير مستدامة الربحية، وبالتالي جمعها في كيان اقتصادي كبير باشتراكات شهرية كبيرة يتم تحصيلها من (650) ألف مشترك (بعد اكتمال الدمج) والمساهمة الحكومية عن كل موظف، سوف يعمل على تضخيم العائد على الإنفاق وعلى مقدرتها المضي في توسيع محافظها الاستثمارية وعلى ضخ قيمة مالية مضافة للاقتصاد الوطني. هذا الكيان الهيكلي الجديد لصندوق الحماية سوف يسهم بالدخول في استثمارات خارجية ذات رؤوس أموال كبيرة. في المقابل فإن الشركاء الأساسيين لهذا الصندوق من الحكومة والمؤمن عليهم والمتقاعدين وشركات القطاع الخاص والمحافظ الاستثمارية ومديري صناديق التقاعد العالمية يتطلعون بعد فترة من الزمن، إلى قيام الصندوق بتطبيق المعايير الدولية للمحاسبة والتدقيق فيما يتعلق بآليات الإفصاح المالي وعرض النتائج المالية السنوية لأداء الصندوق سواء في موقعه الإلكتروني أو في الصحف المحلية تطبيقا للممارسات المهنية المتعارف عليها. هذه الشفافية المطلوبة من صندوق الحماية من شأنها المساهمة في جذب استثمارات عالية القيمة وبعوائد ربحية مجزية، وبالتالي العمل على تحسين مستوى تصنيف أو ترتيب صندوق الحماية الاجتماعية لكي يتبوأ مركزا متقدما ضمن أفضل صناديق التقاعد أو الحماية على مستوى العالم.
ختاما، فإن صدور نظام الحماية الاجتماعية وقانون الحماية الاجتماعية يعتبر مكونا أساسيا في تحسين مؤشر التقدم الاجتماعي في رؤية عمان، لتكون سلطنة عمان من بين أفضل (40) دولة على مستوى العالم عام 2030م، ومن بين أفضل (20) دولة عام 2040م.