يعرف اقتصاد السوق الاجتماعي (Social Market Economy) بأنه نظام اقتصادي يجمع بين حرية السوق ومبدأ التكافؤ الاجتماعي ويتبنّى اقتصاد السوق ولا يميل إلى أي نظام من أنظمة الاقتصاد أو أي شكل من أشكاله، أما مفهومه العلمي فإن اقتصاد السوق الاجتماعي يسعى إلى إعطاء بعض الصلاحيات والحقوق للأفراد والشركات في السوق مثل ممارسة حرية النشاط الاقتصادي من خلال ملكية وسائل الإنتاج وضمان المنافسة الحرة في السوق والمرونة في تسعير السلع والخدمات، وبدأ تطبيق هذا النظام الاقتصادي أول مرة في ألمانيا بواسطة وزير الاقتصاد الألماني آنذاك لودفيك إيرهارد، وكان أستاذا في علم الاقتصاد، وبالتطرق إلى نشأة نظام اقتصاد السوق الاجتماعي فإن بدايته كانت بعد إصدار عالم الاقتصاد ألفريد مولر أرماك (Alfred Muller Armack) كتابه بعنوان «إدارة الاقتصاد واقتصاد السوق» عام 1946 ودعا من خلاله إلى الربط بين نظام الاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية، ثم انتشر هذا النوع من الاقتصاد في عموم ألمانيا والنمسا وارتبط به النجاح الاقتصادي في ألمانيا أو ما يعرف بالمعجزة الاقتصادية الألمانية وذلك لأسباب أبرزها زيادة رفاهية السكان ووجود مستوى عالٍ من الضمان الاجتماعي.

بالرغم من أن اقتصاد السوق الاجتماعي يقبل بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة إلا أنه يدعو إلى تقييدها بضوابط حكومية لتحقيق منافسة عادلة في السوق لمنع الاحتكار وتضرر المؤسسات الصغرى والصغيرة والمتوسطة والكبرى، إضافة إلى اقترانه بضرورة توفير فرص وظيفية للباحثين عن عمل وذلك لإيجاد توازن اجتماعي واقتصادي في السوق ولتحقيق مبدأ التعويض الاجتماعي، ومع وجود دراسات وأبحاث اقتصادية تشير إلى أن اقتصاد الأعمال المستقلة والأنشطة التجارية الأخرى المرتبطة باقتصاد الأعمال ساهمت في ارتفاع معدلات البطالة في اقتصادات بعض الدول، فإن اقتصاد السوق الاجتماعي يهدف إلى الحفاظ على التوازن بين معدّل مرتفع للنمو الاقتصادي وتقليل التضخم وتخفيض معدلات الباحثين عن عمل وتوفير الخدمات الاجتماعية لإيجاد بيئة عمل صحية، فالدول عموما عبر اقتصاداتها المتنوعة تؤدي دورا أساسيا في توفير العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتوجد بيئة من النمو والابتكار في جميع المجالات الاقتصادية مما يسهم في تعزيز إمكانات الأفراد الاقتصادية وينعم الجميع بالازدهار والتغلب على عدم المساواة وتحقيق الرفاه والاستقرار الاجتماعي، وإن كان هناك كثير من المؤيدين لاقتصاد السوق الاجتماعي فإن تحرير السوق كليا ربما يسهم في صعوبة معالجة اختلالاته وتصويبها، أيضا تحرير الاقتصاد يؤدي إلى غياب التطبيق الفعّال للقوانين واتباع التشريعات والإجراءات الحكومية مما يعزّز مبدأ تحقيق الربح في القطاع الخاص كهدف أساسي ويتخلى عن مسؤوليته الاجتماعية ولذلك يجب ضمان تطبيق القوانين المرتبطة بالقطاع الخاص والمنظمة لآليات عمله والتأكد من تطبيقها لضبط إيقاع السوق تفاديا لأي تشوهات مالية أو إدارية ربما تحدث نتيجة تفعيل تطبيقات اقتصاد السوق الاجتماعي وإن كان القطاع الخاص يتبنى مشروع المسؤولية الاجتماعية الذي يساعد على تغيير الصورة النمطية للأشخاص تجاه القطاع الخاص بأن القطاع يهدف للربح المادي بالدرجة الأولى دون الاهتمام بجانب المسؤولية الاجتماعية، إلا أن الإنفاق على المسؤولية الاجتماعية مهدد بالأزمات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها القطاع الخاص وبالتالي ربما يكون ليس بندا أساسيا أو ملزما ولكن يعتمد على مقدار الوفورات المالية ولذلك بات من الأهمية توفير موازنات قادرة على مواجهة تباطؤ نمو الاقتصادات في العالم خاصة عند حدوث أزمات اقتصادية أو سياسية مفاجئة تحد من نسبة نمو الاقتصاد أو تحدث شللا في بعض القطاعات الاقتصادية كما حدث عند تفشي جائحة «كوفيد-19» أواخر عام 2019 وتضرر اقتصادات الدول المصدرة للنفط منذ عام 2014 نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية لأكثر من 50%.

إن جهود سلطنة عمان كبيرة في تحفيز الاقتصاد العماني والمضي في تحسين بيئة الاستثمار والأعمال ومع تفعيل أدوات السياسات الاقتصادية خلال فترة الأزمات الاقتصادية خاصة خلال فترة جائحة «كوفيد-19» التي أثرت على الاقتصاد العالمي عموما وتأثر بها الاقتصاد العماني، وأثبتت السياسات الاقتصادية المتخذة نجاحها في ظل تحسّن المؤشرات الاقتصادية والمالية للاقتصاد العماني مثل انخفاض الدين العام للدولة إلى 16.6 مليار ريال عماني إضافة إلى تحسّن التصنيف الائتماني لسلطنة عمان الصادر عن مؤسستي التصنيف الائتماني العالميتين وهما موديز وفيتش للتصنيف الائتماني.

ختاما.. مهمة اقتصاد السوق الاجتماعي هي التنسيق على أساس اقتصاد السوق بين مبدأ الحرية والتوازن والعدالة الاجتماعية والربط بينهما للوصول إلى شراكة بين القطاعين العام والخاص اللذين يتميزان بالمهنية والكفاءة في الإنتاج والعمل وقيام القطاع العام بالرقابة والإشراف على تنظيم السوق وتجويد أدائه وتذليل الصعاب والتحديات التي تواجهه لضمان عدم حدوث إخفاق أو تقصير في تحقيق العدالة والتوازن وضمان استمرار سلاسل الإمداد من السلع في السوق ووصولها للمستهلكين.