من المؤكد أن العالم أو على الأقل الكثير من قياداته المعنية بالتطورات على الصعيد الدولي وفي مقدمتها الحرب في أوكرانيا والأوضاع في أوروبا والشرق الأوسط قد تركزت أنظارهم على العاصمة الروسية يومي 23 و24 يونيو الماضي مع إعلان يفجيني بريغوجين رئيس مجموعة فاغنر العسكرية التي تحارب في أوكرانيا والتي قامت بالسيطرة على مدينة باخموت الأوكرانية بعد معارك طاحنة وصفت بأنها كانت بمثابة «مفرمة لحم» وحشية، أن بعض معسكرات قواته في أوكرانيا تعرضت لغارات الطيران الروسي وأنه سقطت أعداد كبيرة من قواته، وأنه ردا على ذلك يريد أن يأتي إليه كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان للقوات الروسية -أبرز غريمين له في الأشهر الأخيرة- وأنه يتجه على رأس مجموعة من قواته نحو العاصمة موسكو وأنه «سيحطم ويدمر كل من يعترض طريقه». ومع تقدم قوات فاغنر بالفعل نحو العاصمة وسيطرتها بسهولة على مدينة روستوف الروسية التي يوجد بها مقر قيادة العمليات الروسية في جنوب أوكرانيا وعلى مطارها العسكري والمؤسسات العسكرية فيها «دون إطلاق طلقة واحدة» على حد إعلان، قائد فاغنر، اتضحت ملامح عملية التمرد والانقلاب المسلح التي حاول قائد فاغنر القيام بها، بغض النظر عن تسرعها وأنه محكوم عليها بالفشل لأسباب عدة. وبدأت تظهر على الأرض العمليات والإجراءات التي سعت موسكو إلى اتخاذها ضد تحرك بريغوجين واحتوائه وإنهائه بأوامر بوتين ذاته، ومن ثم بدأت تلوح في الأفق مواجهة عسكرية بين قوات الجيش الروسي ونحو خمسة آلاف من قوات فاغنر وما يمكن أن يترتب على ذلك من حرب أهلية «لا يعلم نتائجها أحد» وهو ما أشار بوتين إلى خطورته وذلك في خطاب له بعد انتهاء التمرد عبر وساطة قام بها لوكاشبنكو رئيس جمهورية بيلاروسيا وصديق بوتين المقرب، وبينما تحاول كل الأطراف المعنية دراسة ما حدث والدروس المستفادة منه فإنه يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب، من أهمها ما يلي:
أولا: إنه في حين وجه تمرد فاغنر الأنظار بشكل أوسع وأعمق نحو الأوضاع الروسية الداخلية ومدى سيطرة بوتين على السلطة في الكرملين، خاصة أن الإعلام الغربي والتصريحات السياسية على مستوى الرئيس الأمريكي ومدير المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز ركزت على أن التمرد يعبر عن ضعف سلطة بوتين وصراعات ما في الدائرة المحيطة بالرئيس الروسي، فإن التمرد الذي اتسم بالاندفاع إن لم يكن التهور وجه الأنظار أيضا نحو الشركات العسكرية الخاصة والدور الذي تقوم به، بل إنه دق ناقوس الخطر حول المخاطر المرتبطة بالاعتماد الكبير عليها بما في ذلك ضد المشغلين لها أنفسهم كما حدث في حالة فاغنر. وإذا كان القرن الماضي قد شهد ظهور الشركات العسكرية الخاصة، سواء للقيام بانقلابات عسكرية في دول أفريقية ولاتينية ضعيفة أو لتدعيم سيطرة قوى أو أطراف دولية على مقدرات وثروات دول أخرى، أو لخوض معارك وصراعات مسلحة مع خصوم لا تريد كشف تورطها معها، لأسباب سياسية أو عقائدية، ووصل الأمر إلى حد إنشاء وتمويل منظمات إرهابية مثل منظمات القاعدة وداعش بغض النظر عن الإطار والشعارات التي أحاطت بظهور كل منها في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن وذلك في إطار الصراع من أجل النفوذ الدولي والسيطرة على الموارد الاقتصادية في مناطق مهمة من العالم، فإن البطش وأعمال العنف البشعة التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها بعض هذه الشركات أجبرت بعض القوى الدولية على الابتعاد بشكل أو بآخر عن بعض الشركات والمنظمات التي أنشأتها تلك الدول ومن أبرز الأمثلة على ذلك « منظمة بلاك ووتر» الأمريكية، التي ذاع صيت جرائمها في العراق بعد الغزو الأمريكي له وتنظيم داعش ومن قبله تنظيم القاعدة الذي تحدثت الكثير من التقارير عن الدور الأمريكي في إنشاء وإعادة إحياء كل منها في مناطق محددة وبما يتوافق مع تطورات إقليمية ودولية محددة، ثم جماعة فاغنر الروسية وما حدث من جانبها الشهر الماضي. وإذا كانت التقديرات تشير إلى وجود أكثر من سبعين شركة عسكرية خاصة تضم أكثر من ستمائة ألف عضو فإنه من المؤكد أن أنشطة هذه الشركات الخاصة لا تنحصر فقط في المجال العسكري والقتال إلى جانب الأطراف التي تجند أعضاءها، فأنشطة هذه الشركات اتسع كثيرا ليشمل أعمال حراسة المنشآت وحقول النفط والغاز وحراسة المسؤولين وتقديم الاستشارات الأمنية والمساعدة في حل مشكلات وتدريب القوات وتوفير خبراء تخطيط في مجالات سياسية ودفاعية واستراتيجية وتوفير خدمات لوجستية وغيرها وقد ازدهرت أعمال الشركات العسكرية الخاصة وامتدت إلى الكثير من الدول في المنطقة وعلى امتداد العالم. ومن أبرز هذه الشركات على سبيل المثال شركة بلاك ووتر الأمريكية التي غيرت اسمها إلى شركة أكاديمي للتخلص من سمعتها السيئة في العراق، وشركة ديفاين إنترناشيونال وتقدم خدمات لوجستية ومقرها بيرو، وشركة ايجيس لخدمات الدفاع ومقرها إسكتلندا وتعمل مع أمريكا والأمم المتحدة في العراق وفي 60 دولة أخرى وتقدم نصائح أمنية شاملة، وشركة تري بل كانوبي لتقديم خدمات الحماية الشخصية والمشاركة في حماية السفارات الأمريكية والإسرائيلية وكذلك شركة دينكورب الأمريكية وشركة يونايتد ريسورسز جروب الأسترالية وشركة جي فور اس الأمنية ومقرها لندن وتتركز عملياتها في حراسة البنوك والسجون وأمن المطارات وتأمين القوافل العسكرية في مناطق الأزمات وتعمل في نحو 125 دولة وخاصة المناطق الخطرة في أفريقيا، وتجند هذه الشركات مرتزقة وعسكريين قدامى وذوي خبرات عسكرية وقادة سابقين حسب احتياجاتها ومهامها التي تتعاقد عليها.
أما الشركات التي تتركز أعمالها في القتال إلى جانب الجيوش فإن الطبيعة القتالية تكون أكثر وضوحا، كما أنها ترتبط أكثر بوزارات الدفاع في الدول التي تعمل لحسابها، وتعتمد أيضا على تجنيد المساجين والمحكوم عليهم بالإعدام ولا يكلفون الدولة تكاليف كثيرة. وتعد جماعة فاغنر نموذجا لهذه المنظمات وما حدث في موسكو يدق ناقوس الخطر فيما يتصل بضرورة السيطرة القوية على حركة هذه المنظمات والإطار الذي يحكم عملها ومراقبة طموحات قيادتها خاصة بعد التلاسن بين بوتين ورئيس فاغنر بعد محاولة التمرد. ومع إدراك سعادة الغرب بما تعرض له الرئيس الروسي، إلا أن الجميع لا يمكن إلا أن يقلق إذا تعرضت روسيا وهي دولة عظمى لحالة من عدم الاستقرار الداخلي التي يمكن أن تمتد آثارها الجانبية والأمنية إلى نطاق واسع حولها ومما له دلالة أن واشنطن أكدت أن ما حدث شأن روسي داخلي لا علاقة لها به.
ثانيا، إنه بالرغم من انتهاء تمرد فاغنر دون خسائر مادية كبيرة وبوساطة لوكاشينكو، إلا أن القيادة الروسية بدأت في إعادة ترتيب علاقة فاغنر مع وزارة الدفاع الروسية سواء من خلال إعادة النظر في العقود مع أفراد فاغنر ووقف تمويلها وجعل العقود الجديدة أساسا للعمل في الفترة القادمة أو من خلال السيطرة على مكاتب فاغنر في روسيا والسيطرة على عملياتها في سوريا وزيادة دور وزارة الدفاع الروسية في الإشراف على عملياتها وعلى شروط تسليحها وإمدادها بالذخيرة والمعدات حتى لا تتكرر مشكلات الخلاف مع بريغوجين. ومن جانب آخر قررت وزارة الدفاع الروسية رفع أجور العاملين في القوات المسلحة الروسية بنسبة 10.5% من الرواتب الحالية اعتبارا من أول أكتوبر القادم لتجاوز آثار التمرد وإعداد مشروع قانون بشأن أنشطة الشركات العسكرية الخاصة وسد أية ثغرات استغلتها فاغنر، فإنه من المؤكد أنه برغم ما خسرته وستخسره فاجنر بسبب محاولة التمرد التي أساءت إلى رئيسها، إلا أن موسكو تحتاج إلى دور فاغنر إن لم يكن في أوكرانيا بسبب فقدان الثقة فإنها تحتاجه في إفريقيا بالضرورة، وليس مصادفة أن تحتضن بيلاروسيا فاجنر وتنشئ لها معسكرات بها، وهو أمر يقتضي إقرار بوتين له بشكل أو بآخر ومن شأن طلب رئيس بيلاروسيا من فاغنر تدريب قوات بلاده أن يكون غطاء لوجود واستمرار فاغنر في بيلاروسيا تحسبا لأي تطور في المستقبل والأسابيع القادمة ستكشف الكثير.
أولا: إنه في حين وجه تمرد فاغنر الأنظار بشكل أوسع وأعمق نحو الأوضاع الروسية الداخلية ومدى سيطرة بوتين على السلطة في الكرملين، خاصة أن الإعلام الغربي والتصريحات السياسية على مستوى الرئيس الأمريكي ومدير المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز ركزت على أن التمرد يعبر عن ضعف سلطة بوتين وصراعات ما في الدائرة المحيطة بالرئيس الروسي، فإن التمرد الذي اتسم بالاندفاع إن لم يكن التهور وجه الأنظار أيضا نحو الشركات العسكرية الخاصة والدور الذي تقوم به، بل إنه دق ناقوس الخطر حول المخاطر المرتبطة بالاعتماد الكبير عليها بما في ذلك ضد المشغلين لها أنفسهم كما حدث في حالة فاغنر. وإذا كان القرن الماضي قد شهد ظهور الشركات العسكرية الخاصة، سواء للقيام بانقلابات عسكرية في دول أفريقية ولاتينية ضعيفة أو لتدعيم سيطرة قوى أو أطراف دولية على مقدرات وثروات دول أخرى، أو لخوض معارك وصراعات مسلحة مع خصوم لا تريد كشف تورطها معها، لأسباب سياسية أو عقائدية، ووصل الأمر إلى حد إنشاء وتمويل منظمات إرهابية مثل منظمات القاعدة وداعش بغض النظر عن الإطار والشعارات التي أحاطت بظهور كل منها في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن وذلك في إطار الصراع من أجل النفوذ الدولي والسيطرة على الموارد الاقتصادية في مناطق مهمة من العالم، فإن البطش وأعمال العنف البشعة التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها بعض هذه الشركات أجبرت بعض القوى الدولية على الابتعاد بشكل أو بآخر عن بعض الشركات والمنظمات التي أنشأتها تلك الدول ومن أبرز الأمثلة على ذلك « منظمة بلاك ووتر» الأمريكية، التي ذاع صيت جرائمها في العراق بعد الغزو الأمريكي له وتنظيم داعش ومن قبله تنظيم القاعدة الذي تحدثت الكثير من التقارير عن الدور الأمريكي في إنشاء وإعادة إحياء كل منها في مناطق محددة وبما يتوافق مع تطورات إقليمية ودولية محددة، ثم جماعة فاغنر الروسية وما حدث من جانبها الشهر الماضي. وإذا كانت التقديرات تشير إلى وجود أكثر من سبعين شركة عسكرية خاصة تضم أكثر من ستمائة ألف عضو فإنه من المؤكد أن أنشطة هذه الشركات الخاصة لا تنحصر فقط في المجال العسكري والقتال إلى جانب الأطراف التي تجند أعضاءها، فأنشطة هذه الشركات اتسع كثيرا ليشمل أعمال حراسة المنشآت وحقول النفط والغاز وحراسة المسؤولين وتقديم الاستشارات الأمنية والمساعدة في حل مشكلات وتدريب القوات وتوفير خبراء تخطيط في مجالات سياسية ودفاعية واستراتيجية وتوفير خدمات لوجستية وغيرها وقد ازدهرت أعمال الشركات العسكرية الخاصة وامتدت إلى الكثير من الدول في المنطقة وعلى امتداد العالم. ومن أبرز هذه الشركات على سبيل المثال شركة بلاك ووتر الأمريكية التي غيرت اسمها إلى شركة أكاديمي للتخلص من سمعتها السيئة في العراق، وشركة ديفاين إنترناشيونال وتقدم خدمات لوجستية ومقرها بيرو، وشركة ايجيس لخدمات الدفاع ومقرها إسكتلندا وتعمل مع أمريكا والأمم المتحدة في العراق وفي 60 دولة أخرى وتقدم نصائح أمنية شاملة، وشركة تري بل كانوبي لتقديم خدمات الحماية الشخصية والمشاركة في حماية السفارات الأمريكية والإسرائيلية وكذلك شركة دينكورب الأمريكية وشركة يونايتد ريسورسز جروب الأسترالية وشركة جي فور اس الأمنية ومقرها لندن وتتركز عملياتها في حراسة البنوك والسجون وأمن المطارات وتأمين القوافل العسكرية في مناطق الأزمات وتعمل في نحو 125 دولة وخاصة المناطق الخطرة في أفريقيا، وتجند هذه الشركات مرتزقة وعسكريين قدامى وذوي خبرات عسكرية وقادة سابقين حسب احتياجاتها ومهامها التي تتعاقد عليها.
أما الشركات التي تتركز أعمالها في القتال إلى جانب الجيوش فإن الطبيعة القتالية تكون أكثر وضوحا، كما أنها ترتبط أكثر بوزارات الدفاع في الدول التي تعمل لحسابها، وتعتمد أيضا على تجنيد المساجين والمحكوم عليهم بالإعدام ولا يكلفون الدولة تكاليف كثيرة. وتعد جماعة فاغنر نموذجا لهذه المنظمات وما حدث في موسكو يدق ناقوس الخطر فيما يتصل بضرورة السيطرة القوية على حركة هذه المنظمات والإطار الذي يحكم عملها ومراقبة طموحات قيادتها خاصة بعد التلاسن بين بوتين ورئيس فاغنر بعد محاولة التمرد. ومع إدراك سعادة الغرب بما تعرض له الرئيس الروسي، إلا أن الجميع لا يمكن إلا أن يقلق إذا تعرضت روسيا وهي دولة عظمى لحالة من عدم الاستقرار الداخلي التي يمكن أن تمتد آثارها الجانبية والأمنية إلى نطاق واسع حولها ومما له دلالة أن واشنطن أكدت أن ما حدث شأن روسي داخلي لا علاقة لها به.
ثانيا، إنه بالرغم من انتهاء تمرد فاغنر دون خسائر مادية كبيرة وبوساطة لوكاشينكو، إلا أن القيادة الروسية بدأت في إعادة ترتيب علاقة فاغنر مع وزارة الدفاع الروسية سواء من خلال إعادة النظر في العقود مع أفراد فاغنر ووقف تمويلها وجعل العقود الجديدة أساسا للعمل في الفترة القادمة أو من خلال السيطرة على مكاتب فاغنر في روسيا والسيطرة على عملياتها في سوريا وزيادة دور وزارة الدفاع الروسية في الإشراف على عملياتها وعلى شروط تسليحها وإمدادها بالذخيرة والمعدات حتى لا تتكرر مشكلات الخلاف مع بريغوجين. ومن جانب آخر قررت وزارة الدفاع الروسية رفع أجور العاملين في القوات المسلحة الروسية بنسبة 10.5% من الرواتب الحالية اعتبارا من أول أكتوبر القادم لتجاوز آثار التمرد وإعداد مشروع قانون بشأن أنشطة الشركات العسكرية الخاصة وسد أية ثغرات استغلتها فاغنر، فإنه من المؤكد أنه برغم ما خسرته وستخسره فاجنر بسبب محاولة التمرد التي أساءت إلى رئيسها، إلا أن موسكو تحتاج إلى دور فاغنر إن لم يكن في أوكرانيا بسبب فقدان الثقة فإنها تحتاجه في إفريقيا بالضرورة، وليس مصادفة أن تحتضن بيلاروسيا فاجنر وتنشئ لها معسكرات بها، وهو أمر يقتضي إقرار بوتين له بشكل أو بآخر ومن شأن طلب رئيس بيلاروسيا من فاغنر تدريب قوات بلاده أن يكون غطاء لوجود واستمرار فاغنر في بيلاروسيا تحسبا لأي تطور في المستقبل والأسابيع القادمة ستكشف الكثير.