الذين ساءهم تكليفي بـ "الوزارة" كانوا يرون أن القبول يعني عدم مناصرة الثورة! وهذا غير صحيح

المبدع الحق يعيش وطنه بكامل تفاصيله وهو بعيد عنه ربما أكثر ممن يقيمون فيه

الشعر لا ينبغي أن يتحول إلى "واجب منزلي" عليه أن يؤدي بعض المهام !

حاجة الشعر العربي للنقد حاجة تكاملية خاصة مع هذا النتاج المتزايد والمتنوع

قصيدة النثر لها نصيبها من سحر الشعر الذي يحيلها من العادي إلى الإبداعي

مميزات المسابقات وعيوبها واحدة في كل العالم وعلى المشارك الوعي بها !

روضة الحاج، صوت شاعري يتردد عبر الأروقة السودانية والعربية، اجتاحت مشاعر الجماهير وتركت بصمتها الفريدة في عالم الشعر. انطلقت روضة الحاج بصفتها مذيعة في إذاعة كسلا وواصلت مسيرتها في إذاعة أم درمان، قبل أن تتجه إلى التلفزيون ببرنامجها "سفراء المعاني".

نشرت الشاعرة أكثر من عشرة دواوين شعرية منها "عش القصيد"، "في الساحل يعترف القلب"، "للحلم جناح واحد"، "مدن المنافى"، و"ضوء لأقبية السؤال".

تعد روضة الحاج واحدة من أبرز الأصوات الشعرية في العصر الحديث، وقد حصدت لقب شاعرة سوق عكاظ لعام 2012. تألقت في العديد من المسابقات بما في ذلك منافسات أندية الفتيات في الشارقة عام 2002 ومهرجان الإبداع النسوي، كما حققت المركز الرابع في مسابقة برنامج أمير الشعراء. بصفتها صحفية في جريدة قمر نيوز التونسية، ومذيعة تميزت بأسلوبها الاستثنائي، فازت بالجائزة الذهبية كأفضل محاورة في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 2008.

إضافةً إلى إبداعها الشعري، امتلكت روضة الحاج قدرة فائقة على اللغة والتعبير، حيث تم ترجمة قصائدها إلى الفرنسية والإنجليزية. ولتعزيز دورها الثقافي، عُينت وزيرة اتحادية للثقافة والسياحة والتراث في السودان، مكرسة لخدمة بلدها وإثراء المشهد الثقافي.

روضة الحاج تمثل تجربة حقيقية في التعبير الشعري وتحكي قصة الحياة بأسلوبها الخاص ورؤيتها المتجددة التي نستشف منها القليل في هذا الحوار..

هناك نماذج لمثقفين دخلوا إلى معترك المسؤوليات الحكومية وفشلوا في تقديم شيء جديد، في حين أن قلة نجحوا في إثراء هذا الجانب، وعلى الرغم من المدة البسيطة التي خاضتها روضة الحاج في تجربة "الوزارة" إلا أن هناك جدلا كبيرا قد حدث، فالبعض معجب نظرًا لاستحقاقه وبعضهم رافض لما يعتبرونه يخصم من رصيدك في كل شيء. فكيف يمكن تقييم دور المثقفين الذين يدخلون إلى ذلك المعترك، وما هو الدور الذي يمكن للمثقف أن يلعبه في إثراء هذا الجانب من الحياة السياسية؟ وكيف تقيمين تجربتك -رغم قصرها- في "الوزارة"؟

أعتقد أنني (حالة خاصة) إلى حد ما في هذا الجانب!

ذلك أن اللغط الذي أثير حول تعييني كان لغطاً (ثورياً) بالدرجة الأولى، وهو شاهد حي على فوضى التصور وفوضى المعايير التي تصاحب (الهياج الثوري) عادة فتغيب الأسئلة الذكية وتختبئ الحقائق.. معظم الذين ساءهم قبولي للتكليف بوزارة الثقافة والسياحة والآثار كانوا يرون أن هذا القبول يعني عدم مناصرة الثورة! ومن هنا جاء النقد والهجوم الكبير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ساهمت شعبيتي بالسودان في إذكائه ورغم أنني قد صرحت ومن كرسي الوزارة بأن من حق الشباب التعبير عن أنفسهم لكنني أخشى أن ندفع ببلادنا إلى المجهول فالانتخابات قد تبقى لها ثمانية أشهر والأفضل أن يأتي التغيير عبرها وليس عبر الثورة وإسقاط الحكومة لأن الوضع في بلادنا معقد وشائك وقد كانت نتائج التجارب التي سبقتنا ماثلة وقد أثبتت الأيام صدق رؤيتي.

ليتنا انتظرنا تلك الأشهر الثمانية وغيرنا عبر صناديق الاقتراع.. علماً بأن تكليفي بهذه الوزارة جاء على خلفية كوني عضوا بالبرلمان السوداني وقد كنت مكلفة في اللجنة المختصة بملفي الثقافة والسياحة كنائبة لرئيس اللجنة (بدرجة وزير دولة) وذلك لمدة عامين وهو أمر يجهله كثيرون ولم أحرص على تعريف الناس به وقتها فقد كنت أرى أن الشعر الذي عرفني به الناس هو المقام الأرفع الذي لا يدانيه مقام.

أما مشاركة المبدعين والمثقفين في مراكز صناعة القرار عبر توليهم حقائب وزارية أو دخولهم للبرلمانات ففي تقديري هم أحق الناس بذلك وأقدرهم على خدمة شعوبهم وأهلهم، فالمبدعون ليسوا لصوصاً ولا سفاحين ولا خونة... ويمتلكون رؤية وحساً ومقدرة على الخيال، ولديهم خبراتهم ومهاراتهم التي تتجاوز إبداعهم لمجالات أخرى تنموية وإدارية وسياسية والنماذج الناجحة والمتميزة أكثر من أن تحصى.

فكرة الارتباط الشعري بالجندر فكرة مؤثرة في عالم الشعر، ولكن في الواقع فإن الجندر لا يعدل من قيمة النص الشعري ذاته، فالشعر تعبير عن الإنسانية في أبعادها المختلفة ولا يتعلق بالجنس أو الجندر بشكل حصري. فكيف تنظرين لتلك الأفكار في سياق شعرك وتجربتك الشخصية؟

أتفق معك تماماً .. ولكن هذه رؤية للمستقبل، في هذه المرحلة التي أعتبرها تأسيسية لا بد لبعض المبدعات أن يجعلن الجندر مشروعهن الإبداعي وهذا (إجراء مؤقت)، وبطبيعة الحال الأمر ليس على إطلاقه، ويوماً ما لن نكون بحاجة إلى مثل هذا التبني لفكرة (النوع الإبداعي) هذه، فستكون خيارات المشروعات الجمالية والفكرية والإبداعية أكثر تنوعاً ورحابة، فالمشروع النسوي الإبداعي قد اتضحت ملامحه ومعالمه أكثر من أي وقت مضى... عن نفسي لا حساسية عندي إطلاقا من الحديث عن نسوية الإبداع أو أنثويته بل إنني أرى ذلك ضرورة مكملة للدخول للنص والنظر عميقا وراء الكلمات والحروف، وما زلت أردد منذ زمان أن النص الذي لا يدل على أن كاتبته امرأة نص ناقص ومنزوع الدسم، نص منبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وبهذه التصالحية مع المصطلح والمفهوم أنظر إلى ما تقدمه المبدعات بعين تفرق بين (المنافسة الإبداعية) و(المنافسة الجنسانية الجندرية) وهنا تكون المعادلة؛ النص مقابل النص وليس المبدعة مقابل المبدع، والأصوات النسائية حاليا شديدة التميز والتألق والحضور فاق تقديري بل إنها متفوقة في كثير من الأحيان، وأعتقد أن عليها المضي قدما فحسب بثقة وثبات وعدم تعجل القطاف قبل موسمه فسيكون كل شيء جميلا في وقته.

كيف يمكن للشاعر التعبير عن قضايا وطنه المليئة بالصراعات والفقر، في ظل حالة الازدواجية التي يعيشها بين واقعه الآمن خارج الوطن وواقع بلده الذي يعاني؟

الوجود الجغرافي المكاني هو آخر شروط التعبير عن قضايا الوطن، شقاء المبدعين الحق أنهم لا يستطيعون فكاكاً من قيودهم الوجدانية ومن ذواكرهم المشحونة باللحظات الحية وذكرياتهم التفصيلية وكل هذا يحيل إلى الوطن حيث اللغة والناس والإلهام ومخزون الجمال ومراتع الطفولة ومرابع الصبا... فالمبدع الحق يعيش وطنه بكامل تفاصيله وهو بعيد عنه ربما أكثر ممن يقيمون فيه

وهل يستطيع الشعراء تجسيد تلك المعاناة بشكل فعال، حتى لو كانوا يعيشون بعيدًا عن واقعها؟

بطبيعة الحال يستطيعون وبمنتهي الصدق .. البعد الجسدي لا يعني بالضرورة البعد الوجداني والشعوري والنفسي

وما القدرة التعبيرية والمسؤولية التي تترتب على قدرة الشاعر على تجسيد الواقع الاجتماعي والسياسي لوطنه، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها المجتمع؟

لا أريد أن نحمل الشعر فوق ما يحتمل ولا أن نثقل على الشاعر (بقائمة مهام)!

الشعر كان ولا يزال فعلاً (طوعياً) تلقائياً توافق مع رغبة الناس في التوثيق والأرشفة والتخليد لوقائع شهد عليها الشعر وقالها بطريقته ولغته ولا ينبغي أن يتحول ذلك إلى (واجب منزلي) على الشعر أن يؤديه.

من وجهة نظرك بصفتك شاعرة، كيف ترين أهمية النقد الشعري في الوطن العربي، خاصة في ظل راهن يشهد تغيرات كبيرة في المجتمع والثقافة؟ وكيف يمكن للنقد أن يؤثر على تطوير وتعزيز تجربتك الشعرية؟ وما هو الدور الذي يمكن للنقد أن يلعبه في تعزيز ثقافة الشاعر وتطوير نتاجه الشعري، خاصة في مقارنته بالنتاج الشعري الغزير الذي يشهده العالم العربي؟

أزمة النقد العربي أزمنة قديمة متجددة ففضلاً عن عجز النقد العربي نوعاً ما عن إضافة جديدة لمدونة النقد العالمي واعتماده على مقاربات ونظريات ولدت في بيئات مغايرة ومحاولة مواءمتها وتدجينها وتوطينها لتتسق مع منتج ابداعي مختلف؛ ظلت الحركة النقدية تعاني عددا من السلبيات والمثالب منها المجاملة والشلليات ودخول أدعياء النقد وغلبة النقد الصحفي -على أهميته- على النقد المنهجي العلمي وغير ذلك، ومع كل هذا تظل بعض الأقلام الرصينة حاضرة ومؤثرة لنقاد جادين وأصحاب رؤية ومشروع، وحاجة الشعر العربي للنقد حاجة تكاملية خاصة مع هذا النتاج المتزايد والمتنوع من الشعر المميز الذي نتابعه كل يوم.

كيف للشعر أن يلعب دورًا فاعلاً في تحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي، وتأثيره على وعي المجتمع وتشجيع التغيير؟ وما هي المسؤولية التي يتحملها الشاعر في هذا الصدد، بمعنى مساهمة الشعر بشكل فعال في تحسين الواقع الاجتماعي والسياسي وتطبيق الشعر كأداة للتغيير في مجتمعات مختلفة وثقافات متنوعة؟

كما أسلفت لست مع تحميل الشعر فوق ما يتحمل.. في أزمنة سابقة كانت الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية تلقي بثقلها على الشعر والذي تحملها ونهض بها. لكن الآن الوضع تغير كثيراً وحتى الانتباه الذي ظل الشعر يتمتع به كفن له جمهور حتى هذا الانتباه شاركته فيه فنون ومنصات عديدة ومتنوعة والعدل يقتضي أن تنهض هذه المنصات بجهد أيضاً في عملية الإصلاح والتغيير لأن الشعر وحده لن يستطيع.

ما نظرتك تجاه الجدليات في عالم الشعر وأخص بالذكر الجدل المستمر بين الشعر والنثر والآراء المختلفة حول اعتبار النثر جنسا حديثا لا يتفق مع الشعر؟ وهل هناك أسس وضوابط محددة يمكن الاعتماد عليها في تمييز الشعر عن النثر، أم أن الخط الفاصل بينهما يبقى أمرًا نسبيًا يتطلب تفسيرًا وتحليلًا دقيقًا؟

يقيني أن الشعر حاضر في كل الفنون وهو القاسم المشترك الأعظم بينها، والعنصر الذي لا تكتمل بدونه أية كيمياء إبداعية سواء في القصة أو الرواية أو المسرح بل وحتى الموسيقى والتشكيل!

لكنه يبلغ أقصى تجلياته في القصيدة .. لذلك قصيدة النثر لها نصيبها قطعاً من سحر الشعر الذي يحيل أي العمل من العادي إلى الإبداعي وهناك تجارب ملفتة وجميلة ومؤثرة لكنني بنت المدرسة الإيقاعية بشقيها التقليدي والتفعيلي وأعتقد أن هذا زمان قصيدة التفعيلة وأنها ينبغي أن تعيش قرناً ونصف على الأقل مثل القصيدة العمودية ومن ثم يبحث الناس عن تجديد لها ويقترحون طريقة جديدة لقصيدة جديدة.!

ما وجهة نظرك تجاه المسابقات الشعرية التجارية في الوطن العربي، وهل ترين أن هذه المسابقات تعتمد بشكل كبير على عوامل مادية، وأن الجوانب الفنية للشعر مفقودة أو ليس لها الاهتمام ذاته؟ وما هو رأيك في دور الجمهور ولجان التحكيم في تقييم قيمة الأعمال الشعرية المشاركة في المسابقات؟ وهل يمكن اعتبار النتيجة مؤشرًا على جودة الشعر وقيمته الأدبية، وماذا ينقص مسابقاتنا في الوطن العربي لتحسين جودتها وشفافيتها، وجعلها أداة فعالة لتشجيع الإبداع الشعري وتعزيز الحركة الثقافية في المجتمع؟

مميزات المسابقات واحدة تقريباً في كل العالم وعيوبها كذلك، وأعتقد أن على كل من يتقدم للمشاركة عليه أن يعي هذا الأمر، وهو أن النتائج ليست خاضعة لمعايير ثابتة مثل مسائل الرياضيات ولكن هناك عناصر أخرى تتدخل أدناها ذائقة لجنة التحكيم ومدارسهم الإبداعية والفكرية وأعلاها الموازنات الجغرافية والتصويتية وغيرها من العوامل، وأعتقد أن الجمهور يعرف جيداً المتسابق الذي يستحق بعيداً عن تأثيرات الأضواء وتعليقات الحكام في هذه المسابقات وكذلك مجتمع المثقفين والمبدعين .. لذلك شخصياً لا أنظر إليها إلا في هذه السياقات وأعتقد أنها مهمة وذات قيمة وأن إيجابياتها أكثر من سلبياتها بكثير.

أخيرا .. كيف لنص الشاعر وتجربته أن تصل إلى مستوى أعمق من الإدراك الفكري والعاطفي لدى القارئ أو المستمع؟، وكيف للشاعر توصيل هذه الرسالة بأسلوب فني وجمالي يعبر عن الإنسانية بشكل أفضل؟

لكل شاعر طريقته في ذلك .. ولا توجد (وصفة سحرية) وأعتقد أن عوامل كثيرة تتداخل هنا منها ثقافة الشاعر وقراءاته وفلسفته.