الكثير من الكتابات والدراسات والمؤلفات التي تصدر في كل قارات العالم، تتحدث عن قضية الديمقراطية التي أصبح نقاشها لا يتوقف ولن يتوقف، بما لها وما عليها، سواء من حيث السلبيات والإيجابيات، أو من حيث الأسس التي سارت عليها منذ بدء تطبيقها أو رفضها من حيث اختلاف الأفكار والإيديولوجيات حولها، ولا شك أن بعض دول العالم، أخذت من الديمقراطية، مسألة التداول السلمي على السلطة، بعد الحروب الأوروبية الطويلة التي دام بعضها لعدة عقود، ومع أن فلسفة الديمقراطية، قبل الحربين الكونيتين، ومع أن بعض الدول رفعت شعار الديمقراطية، كألمانيا النازية، بعد فوزها اتجهت اتجاها سلطويا عنيفا، لا تمت للوسيلة المتبعة بأية صلة، فصارت قضية الديمقراطية، تسير وفق التوجهات الفكرية، ولم تتجه إلى الجانب الإنساني منها، والدليل أن الحربين الكونيتين حصدتا ما يقرب من سبعين مليونا تقريبا، عشرات الملايين منهم من الدول التي تم استعمارها، كيف انبعثت، كقيمة فكرية وسياسية؟ ولماذا أصبحت الأكثر انتشارا والأشد نقدا، في مسألة مضامينها؟ ومن هو الأسبق في فكرة تعدد الآراء في مضمون الحرية الديمقراطية، وهل الديمقراطية ماركة للغرب وحده؟ أم هناك من الشعوب الأخرى من كانت له بصمة في فكرة الديمقراطية؟ وما مدى صحة أن الغرب هو من أرسى تطبيق هذا النموذج، بعيدا عن الفلسفات الفكرية؟ لكن هناك الكثير من الآراء الجديدة حول الديمقراطية، تخالف هذا الرأي بحقائق جديدة.
فمنذ فترة وجيزة صدر في الغرب للباحثة الأمريكية «إليزابيث ف تومبسون» كتاب جديد، حمل عنوان[كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب؟]، ترجمة محمد الأرنؤوط، وصدر عن (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) بالدوحة، عالج فيه هذا الكتاب لحظة محورية في تاريخ العالم الحديث ـ كما طرحت ذلك هذه الباحثة ـ وهو أنه عندما أسس العرب ديمقراطية تمثيلية في بداية القرن العشرين، قام الغرب بسحق هذه الديمقراطية الوليدة، عند دخول القوات الاستعمارية منطقة الشرق الأوسط، مع انهيار الدولة العثمانية، ففي مارس 1920، أعلن المؤتمر السوري استقلال سوريا، وتم تتويج الملك فيصل بن الحسين ملكا لملكية تمثيلية مدنية في الشام، وأشرف الشيخ محمد رشيد رضا، على صياغة دستور أرسى أول ديمقراطية عربية، تضمن حقوقا متساوية لجميع المواطنين، بمن فيهم غير المسلمين.
لكن في هذا التاريخ «يوليو 1920، غزا الفرنسيون سوريا وسحقوا الدولة السورية... وقد كشفت أبحاثي ـ كما تقول الكاتبة ـ عن جهد متعمد للسياسيين الأوروبيين لتدمير الدولة العربية السورية ومحو كل دليل على الديمقراطية فيها». وهذا يؤكد أن الاستعمار الغربي، الذي ادعى أنه جاء للدول التي استعمرها، هدفه الديمقراطية والحرية، مع أن فكرة الاستعمار نفسه فكرة مناوئة للحرية والديمقراطية، التي يطلبها أي شعب يريد الكرامة والقرار المستقل، الذي لا يتحكم فيه الغير بالفرض والقسر والإرغام، وهذا ما فعله المستعمرون، ولذلك حُرفت الحقائق وزُورت الوقائع فيما جرى عندما تم وأد الديمقراطية التي أرساها المؤتمر العربي السوري،»واستخدم ـ كما تقول الكاتبة ـ الدبلوماسيون الفرنسيون والبريطانيون عصبة الأمم لتبرير احتلالهم والتعتيم على احتجاجات العرب السوريين. كما أنهم جنّدوا الصحفيين المستعدين لنشر الدعاية المسيئة للعرب الذين نظهرهم كشعوب شرقية تحتاج إلى المساعدة من الغرب العقلاني. وهكذا بعدما مضت سنوات، بقيت جريدة (التايمز) اللندنية تصور إعلان الاستقلال في 8 مارس عام 1933 باعتباره من صنع «المتطرفين» وليس من نتاج الآباء المؤسسين للديمقراطية».
ولا شك هذا الكشف الذي أوضحته الباحثة الأمريكية، أن مكامن التراجع أو عدم حصول الانفتاح السياسي في بعض البلدان العربية، ليس مرجعه من الداخل، وإنما جاء من الخارج، وهذا يعني أن الأزمات والإخفاقات التي تعيشها الأمة العربية ليس مرده إلى الجذور المجتمعية، أو العقلية القبلية إلخ.. كما قالت وتقول بعض الدوائر الغربية، وإنما إلى عدم قبولها الديمقراطية في المجتمعات، أو عدم قبول الحريات وفق الدساتير والتمثيل البرلماني، وغياب الانفتاح السياسي في دوله، وعدم تفعيل مؤسسات المجتمع المدني إلخ.. كالانتخاب والتصويت والتداول السلمي للسلطة، وهذا كله مجرد آراء تخالف ما جرى في أوائل القرن العشرين من تحركات دستورية أجهضها الاستعمار.
ولا شك أن هذه الوثائق البحثية، تكشف التزوير الذي يقوله المستعمرون الغربيون، تجاه الحقائق الصحيحة ومن الغربيين أنفسهم، أن هناك توجها صحيحا لدساتير طرحها مفكرون وعلماء، لمرحلة دستورية وتمثيلية، ربما تفوق ما طرحه الغرب، وأسسه لنفسه، وربما الغرب نفسه ـ كما قالت الكاتبة ـ هو الذي سرق منا هذه الوثائق الدستورية، وادعى أن الديمقراطية تم استيرادها منه، وهذا محض اختلاق وتزوير كشفها المنصفون من الغرب، وليس من غيرهم. ومن ضمن التلفيقات التي أشارت إليها الكاتبة لتحريف الوقائع لمحو «ماضي سوريا الديمقراطي تكرر في مشاهد فيلم «لورنس العرب» الذي حظي بإقبال كبير. فبعد دخول الجيش العربي إلى دمشق، يُظهر الفيلم كيف تستسلم دمشق للفوضى. والعرب الذين يظهرون كلهم بملابس بدوية، يبدون غير قادرين على تأسيس حكومة بسبب انقساماتهم العشائرية وجهلهم، وهو ما يجعل الجيش البريطاني يتدخل لاستعادة النظام. وعندما يقرر لورنس الذي أصيب بخيبة أمل «أن يغادر دمشق، يقول له ضابط عربي قيادي، بلهجة اعتذارية: «سأبقى هنا لأتعلم السياسة... لقد جهدتم كثيرا لتعطونا دمشق».
لقد تم إعداد هذا الفيلم عن «لورنس العرب»ـ والذي مثّل فيه البطولة الممثل المصري عمر الشريف ـ وينتهي كما تقول الباحثة «إلى تكريس الصورة الإمبريالية الزائفة للتاريخ التي تظهر السوريين عاجزين عن حكم أنفسهم. وفي الحقيقة كانت دمشق قد أصبحت موطنا لسياسيين حصلوا على شهادات عليا، وعلى عسكريين اكتسبوا خبرة طويلة خلال الحكم العثماني».
فالتغني بديمقراطية مفضلة ومحددة لإيديولوجية هدفها السيطرة، لا نرى أفضل تعليقا على هذه الرؤية العنيفة للآخر المختلف المسروق منه حقوقه، سوى عبارة الفيلسوف الغربي المشهور» توماس هوبز» في كتابه: (الأخطبوط)، إن الديمقراطية ـ الغربية ـ : «خطبة جوفاء وهي تعني هذا الشكل النموذجي للدولة، وأنها لا تضمن الحرية الفعّالة والحقوق للمواطنين» والديمقراطية في الغرب تخضع لأفكار وفلسفات خاصة، ليست خالية من العيوب، وأقصد أن الشعار المرفوع قد لا يتوافق مع الكثير من سياساتهم، إلا أن تكون ذيلا تابعا لهم. والحقيقة أن الأمر يثير الاستغراب والدهشة أن الغرب الذي لا يكف عن الحديث عن ضرورة تطبيق الديمقراطية ينقض عليها وينهي ديمقراطية وليدة بدأت بخطوات متقدمة، في الوقت الذي فيه دول بالغرب لم تعرف مضامينها، مثل إيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول في القارة الأوروبية، بينهما المؤتمر السوري في دمشق، يضع دستورا تمثيليا مع المواطنة المتساوية مع جميع السكان، بما فيهم من أصحاب الديانات الأخرى، والأغرب أن البعض ـ مع هذا الدستور الديمقراطي الوليد ـ كما تقول الكاتبة ـ «تجاهل الحقائق على الأرض، عمد العديد من الباحثين والسياسيين منذ ذلك الحين إلى ترديد، دونما خجل، الصورة المتخيلة الاستعمارية التي تقول إن العرب ينقصهم التمدن والنضج اللازمان لتكون لهم دولة ذات سيادة. إن صفحات هذا الكتاب تكشف عن أن الديمقراطية لم تفشل في دمشق، بل إنها سرقت عمدًا. فقد جاءت الدكتاتورية مع أقدام الجنود البريطانيين والفرنسيين الذين أرسوا «انتدابات» عصبة الأمم- التي كانت تعني نظامًا يوفر المشورة والمساعدة الودية المؤقتة - من طريق القوة الغاشمة».
فهذه الممارسات التي حدثت، مورست في دول أخرى أيضا، وربما هدفها عدم ترسيخ الحرية الديمقراطية فيها، وهذا ما يجعل الشعوب ترفض ما يضعه المستعمر من نظم وقوانين لا تتفق مع فكرهم وثقافتهم، فقد كانت ولا تزال، كما تقول الكاتبة: «الإمبريالية تمارس أسوأ فنونها على الشعب المستعمر من دون أساليب الدعاية المضادة». فقد سحقت فرنسا الثورة في هاييتي بوسائل وحشية،. الأوروبيون البيض كما ترى الباحثة، ببساطة لا يمكن أن يتقبلوا أن «بين أولئك السود الذين يحكمهم هناك رجال يتمتعون بتفوق واضح في القدرة والطاقة ومدى الرؤية والإصرار على بلوغ الهدف». وهذا ما حدث في سوريا عندما وضع أهل الفقه والفكر مشروع الدستور، إذ «كان الفرنسيون في عام 1920 يخشون النظام العالمي الذي وعدت به عصبة الأمم. فالعرب الذين بنوا نظامًا ديمقراطيًا في دمشق لم يكونوا عبيدًا، بل كانوا مواطنين في دولة عثمانية ذات سيادة. كانوا يعتبرون أنفسهم متمدنين وحتى من البيض (وهي نظرة أيدتها المحكمة العليا في الولايات المتحدة). إذن قضية مقولة سرقة الديمقراطية العربية من الغرب، سوف يكون نقاشها كبيرا وواسعا، لتظهر الكثير من الآراء المكتومة ممن أخفى هذا حوّلها إلى مقولات كاذبة ومحرّفة.
عبدالله العليان كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية مؤلف كتاب «حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين»
فمنذ فترة وجيزة صدر في الغرب للباحثة الأمريكية «إليزابيث ف تومبسون» كتاب جديد، حمل عنوان[كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب؟]، ترجمة محمد الأرنؤوط، وصدر عن (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) بالدوحة، عالج فيه هذا الكتاب لحظة محورية في تاريخ العالم الحديث ـ كما طرحت ذلك هذه الباحثة ـ وهو أنه عندما أسس العرب ديمقراطية تمثيلية في بداية القرن العشرين، قام الغرب بسحق هذه الديمقراطية الوليدة، عند دخول القوات الاستعمارية منطقة الشرق الأوسط، مع انهيار الدولة العثمانية، ففي مارس 1920، أعلن المؤتمر السوري استقلال سوريا، وتم تتويج الملك فيصل بن الحسين ملكا لملكية تمثيلية مدنية في الشام، وأشرف الشيخ محمد رشيد رضا، على صياغة دستور أرسى أول ديمقراطية عربية، تضمن حقوقا متساوية لجميع المواطنين، بمن فيهم غير المسلمين.
لكن في هذا التاريخ «يوليو 1920، غزا الفرنسيون سوريا وسحقوا الدولة السورية... وقد كشفت أبحاثي ـ كما تقول الكاتبة ـ عن جهد متعمد للسياسيين الأوروبيين لتدمير الدولة العربية السورية ومحو كل دليل على الديمقراطية فيها». وهذا يؤكد أن الاستعمار الغربي، الذي ادعى أنه جاء للدول التي استعمرها، هدفه الديمقراطية والحرية، مع أن فكرة الاستعمار نفسه فكرة مناوئة للحرية والديمقراطية، التي يطلبها أي شعب يريد الكرامة والقرار المستقل، الذي لا يتحكم فيه الغير بالفرض والقسر والإرغام، وهذا ما فعله المستعمرون، ولذلك حُرفت الحقائق وزُورت الوقائع فيما جرى عندما تم وأد الديمقراطية التي أرساها المؤتمر العربي السوري،»واستخدم ـ كما تقول الكاتبة ـ الدبلوماسيون الفرنسيون والبريطانيون عصبة الأمم لتبرير احتلالهم والتعتيم على احتجاجات العرب السوريين. كما أنهم جنّدوا الصحفيين المستعدين لنشر الدعاية المسيئة للعرب الذين نظهرهم كشعوب شرقية تحتاج إلى المساعدة من الغرب العقلاني. وهكذا بعدما مضت سنوات، بقيت جريدة (التايمز) اللندنية تصور إعلان الاستقلال في 8 مارس عام 1933 باعتباره من صنع «المتطرفين» وليس من نتاج الآباء المؤسسين للديمقراطية».
ولا شك هذا الكشف الذي أوضحته الباحثة الأمريكية، أن مكامن التراجع أو عدم حصول الانفتاح السياسي في بعض البلدان العربية، ليس مرجعه من الداخل، وإنما جاء من الخارج، وهذا يعني أن الأزمات والإخفاقات التي تعيشها الأمة العربية ليس مرده إلى الجذور المجتمعية، أو العقلية القبلية إلخ.. كما قالت وتقول بعض الدوائر الغربية، وإنما إلى عدم قبولها الديمقراطية في المجتمعات، أو عدم قبول الحريات وفق الدساتير والتمثيل البرلماني، وغياب الانفتاح السياسي في دوله، وعدم تفعيل مؤسسات المجتمع المدني إلخ.. كالانتخاب والتصويت والتداول السلمي للسلطة، وهذا كله مجرد آراء تخالف ما جرى في أوائل القرن العشرين من تحركات دستورية أجهضها الاستعمار.
ولا شك أن هذه الوثائق البحثية، تكشف التزوير الذي يقوله المستعمرون الغربيون، تجاه الحقائق الصحيحة ومن الغربيين أنفسهم، أن هناك توجها صحيحا لدساتير طرحها مفكرون وعلماء، لمرحلة دستورية وتمثيلية، ربما تفوق ما طرحه الغرب، وأسسه لنفسه، وربما الغرب نفسه ـ كما قالت الكاتبة ـ هو الذي سرق منا هذه الوثائق الدستورية، وادعى أن الديمقراطية تم استيرادها منه، وهذا محض اختلاق وتزوير كشفها المنصفون من الغرب، وليس من غيرهم. ومن ضمن التلفيقات التي أشارت إليها الكاتبة لتحريف الوقائع لمحو «ماضي سوريا الديمقراطي تكرر في مشاهد فيلم «لورنس العرب» الذي حظي بإقبال كبير. فبعد دخول الجيش العربي إلى دمشق، يُظهر الفيلم كيف تستسلم دمشق للفوضى. والعرب الذين يظهرون كلهم بملابس بدوية، يبدون غير قادرين على تأسيس حكومة بسبب انقساماتهم العشائرية وجهلهم، وهو ما يجعل الجيش البريطاني يتدخل لاستعادة النظام. وعندما يقرر لورنس الذي أصيب بخيبة أمل «أن يغادر دمشق، يقول له ضابط عربي قيادي، بلهجة اعتذارية: «سأبقى هنا لأتعلم السياسة... لقد جهدتم كثيرا لتعطونا دمشق».
لقد تم إعداد هذا الفيلم عن «لورنس العرب»ـ والذي مثّل فيه البطولة الممثل المصري عمر الشريف ـ وينتهي كما تقول الباحثة «إلى تكريس الصورة الإمبريالية الزائفة للتاريخ التي تظهر السوريين عاجزين عن حكم أنفسهم. وفي الحقيقة كانت دمشق قد أصبحت موطنا لسياسيين حصلوا على شهادات عليا، وعلى عسكريين اكتسبوا خبرة طويلة خلال الحكم العثماني».
فالتغني بديمقراطية مفضلة ومحددة لإيديولوجية هدفها السيطرة، لا نرى أفضل تعليقا على هذه الرؤية العنيفة للآخر المختلف المسروق منه حقوقه، سوى عبارة الفيلسوف الغربي المشهور» توماس هوبز» في كتابه: (الأخطبوط)، إن الديمقراطية ـ الغربية ـ : «خطبة جوفاء وهي تعني هذا الشكل النموذجي للدولة، وأنها لا تضمن الحرية الفعّالة والحقوق للمواطنين» والديمقراطية في الغرب تخضع لأفكار وفلسفات خاصة، ليست خالية من العيوب، وأقصد أن الشعار المرفوع قد لا يتوافق مع الكثير من سياساتهم، إلا أن تكون ذيلا تابعا لهم. والحقيقة أن الأمر يثير الاستغراب والدهشة أن الغرب الذي لا يكف عن الحديث عن ضرورة تطبيق الديمقراطية ينقض عليها وينهي ديمقراطية وليدة بدأت بخطوات متقدمة، في الوقت الذي فيه دول بالغرب لم تعرف مضامينها، مثل إيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول في القارة الأوروبية، بينهما المؤتمر السوري في دمشق، يضع دستورا تمثيليا مع المواطنة المتساوية مع جميع السكان، بما فيهم من أصحاب الديانات الأخرى، والأغرب أن البعض ـ مع هذا الدستور الديمقراطي الوليد ـ كما تقول الكاتبة ـ «تجاهل الحقائق على الأرض، عمد العديد من الباحثين والسياسيين منذ ذلك الحين إلى ترديد، دونما خجل، الصورة المتخيلة الاستعمارية التي تقول إن العرب ينقصهم التمدن والنضج اللازمان لتكون لهم دولة ذات سيادة. إن صفحات هذا الكتاب تكشف عن أن الديمقراطية لم تفشل في دمشق، بل إنها سرقت عمدًا. فقد جاءت الدكتاتورية مع أقدام الجنود البريطانيين والفرنسيين الذين أرسوا «انتدابات» عصبة الأمم- التي كانت تعني نظامًا يوفر المشورة والمساعدة الودية المؤقتة - من طريق القوة الغاشمة».
فهذه الممارسات التي حدثت، مورست في دول أخرى أيضا، وربما هدفها عدم ترسيخ الحرية الديمقراطية فيها، وهذا ما يجعل الشعوب ترفض ما يضعه المستعمر من نظم وقوانين لا تتفق مع فكرهم وثقافتهم، فقد كانت ولا تزال، كما تقول الكاتبة: «الإمبريالية تمارس أسوأ فنونها على الشعب المستعمر من دون أساليب الدعاية المضادة». فقد سحقت فرنسا الثورة في هاييتي بوسائل وحشية،. الأوروبيون البيض كما ترى الباحثة، ببساطة لا يمكن أن يتقبلوا أن «بين أولئك السود الذين يحكمهم هناك رجال يتمتعون بتفوق واضح في القدرة والطاقة ومدى الرؤية والإصرار على بلوغ الهدف». وهذا ما حدث في سوريا عندما وضع أهل الفقه والفكر مشروع الدستور، إذ «كان الفرنسيون في عام 1920 يخشون النظام العالمي الذي وعدت به عصبة الأمم. فالعرب الذين بنوا نظامًا ديمقراطيًا في دمشق لم يكونوا عبيدًا، بل كانوا مواطنين في دولة عثمانية ذات سيادة. كانوا يعتبرون أنفسهم متمدنين وحتى من البيض (وهي نظرة أيدتها المحكمة العليا في الولايات المتحدة). إذن قضية مقولة سرقة الديمقراطية العربية من الغرب، سوف يكون نقاشها كبيرا وواسعا، لتظهر الكثير من الآراء المكتومة ممن أخفى هذا حوّلها إلى مقولات كاذبة ومحرّفة.
عبدالله العليان كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية مؤلف كتاب «حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين»