ترجمة : قاسم مكي -

زيارة رئيس وزراء الهند إلى واشنطن وهي واحدة من 3 زيارات دولة استضافها الرئيس الأمريكي جو بايدن تلقي ضوءا على شراكة استراتيجية ظلت تتشكل على مدى 20 عاما لكنها الآن اتخذت دلالة جديدة.

في العام الماضي أزاحت الهند بريطانيا لتصبح خامس أكبر اقتصاد على نطاق العالم وحلت محل الصين بوصفها البلد الأكثر سكانا في المعمورة. وفي عام 2022 كانت تحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم في الإنفاق العسكري.

إذا أضفنا إلى ذلك أنها أكبر بلد ديمقراطي في العالم ورائدة في مجال التقنية والعلوم والبلد أكثر شبابا ستكون الهند بذلك شريكا مقنعا وجذابا علما أن روابط الولايات المتحدة مع الهند أصلا قوية. فهنالك 4 ملايين هندي مقيم في الولايات المتحدة يشكلون جالية تتكاثر بسرعة. كما أنها ثرية بدخول تساوي ضعف دخل العائلة الأمريكية الوَسَطية (في الوسط بين أغنى وأفقر عائلة في الولايات المتحدة).الولايات المتحدة أيضا أكبر شريك تجاري للهند حيث تجاوزت التجارة بين البلدين 191 بليون دولار في عام 2022.

رحلة مودي سترفع من الوعي (بالهند) في الولايات المتحدة وتُعين على تعزيز الركائز الداخلية للشراكة التي سبق أن شكَّلتها النخب. فاستطلاعات الرأي تكشف أن الشعب الأمريكي لا يزال إلى حد كبير لا يعرف من هو زعيم الهند.

لكن تركيز إدارة بايدن على الهند دافعه قبل كل شيء عزمها على تدبير أمرها مع صعود الصين. فمع تعاظم ثقة الصين وتزايد نشاطها الدولي اتجهت الولايات المتحدة إلى تعزيز شراكتها مع نيودلهي. هذا التوجه ليس تحولا في طبيعة السياسة القائمة بقدر ما هو تعزيز لها، إذ سعى الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون منذ عهد إدارة أوباما إلى تشكيل علاقة أقوى مع الهند.

لم تؤيد الهند قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة غزو روسيا لأوكرانيا. كما لم تقف إلى جانب قرار لاحق يدعو إلى تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان أو العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة ضد روسيا.

زيارة مودي تؤكد على حقيقة أن الولايات المتحدة أكثر براجماتية فيما يتعلق بموقفها من الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد وقَّع 75 عضوا ديمقراطيا في الكونجرس على خطاب قبل زيارة مودي طالبوا فيه الرئيس الأمريكي بإثارة قضايا حقوق الإنسان مع رئيس الوزراء الهندي. لكن دعم بايدن لمودي لا يشوبه غموض. لقد جرى توقيت زيارة رئيس الوزراء الهندي لكي تأتي في أعقاب تنشيط الدبلوماسية الأمريكية في آسيا بما في ذلك ترتيب زيارات رفيعة المستوى إلى كوريا الجنوبية واليابان وأخيرا زيارة وزير الخارجية بلينكن إلى الصين.

حتى الآن العلاقات الأمريكية الهندية لم تلفت الانتباه. وهي لا تزال متحررة إلى حد كبير من قيود الاستقطاب داخل الولايات المتحدة. فرؤساء ما بعد الحرب الباردة نشطوا في تشكيل ارتباط أوثق بالهند. الإدراك الدقيق لأهمية الهند الإقليمية والفرصة الاقتصادية التي أتاحها انفتاح سوق الهند في عام 1991 والتركيز المتزايد على موازنة صعود الصين كلها عوامل عززت التعاون بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي فيما يخص العلاقة مع نيودلهي بدءا من زيارة الرئيس كلينتون إلى الهند عام 2000.

أحدث الرئيس جورج دبليو بوش تحولا في العلاقة بين البلدين بالتفاوض حول عقد اتفاق تعاون نووي مدني مع الهند أتاح لها مزاولة التجارة النووية. كما حصلت بموجبه على الاعتراف بها كدولة مسلحة نوويا بحكم الأمر الواقع. من جانبه تولى أوباما بنهاية رئاسته رعاية العلاقة الأمريكية الهندية كجزء ضروري من سياسة الانعطاف نحو آسيا. وانتقادات الرئيس ترامب المعادية للصين قابلها توجهه لإرساء علاقة شخصية مشهودة مع مودي.

فيما تمضي الولايات المتحدة والهند قُدُما في إرساء شراكتهما الاستراتيجية تراقب كل منهما الصعود الإقليمي للصين وطموحاتها الدولية. الهند تسعى إلى موازنة تصعيد الصين قريبا منها وخصوصا على حدودهما المتنازع حولها والتي تمتد بطول 2100 ميل.

الولايات المتحدة لم يمنعها غزو روسيا الوشيك لأوكرانيا من إطلاق استراتيجيتها لمنطقة المحيطين الهندي والهادي والتي أعدتها لإدارة الصراع مع الصين وبرز فيها دور الهند بقوة. ومع احتدام الحرب في أوكرانيا أصدرت واشنطن استراتيجيتها الخاصة بالدفاع الوطني والتي اعتبرت فيها الصين «التحدي الأساسي الشامل» للولايات المتحدة ومنافستها الاستراتيجية الأكثر أهمية في العقود القادمة.

العلاقة الاستراتيجية أيضا تحقق منافع مادية. فزيارة مودي اختتمت بتصريحات عن تعميق التعاون الدفاعي والتقني والفضائي. وستنضم الهند أيضا إلى شراكة أمن المعادن.

وتم تدشين حوار المحيط الهندي الذي يستهدف تعزيز التعاون الإقليمي حول المنطقة. كما لفتت الانتباه اتفاقية إنتاج مشترك لمحركات طائرات قتالية أمريكية التصميم في الهند مع شركة جنرال موتورز خصوصا بالنظر إلى وضعية الهند كشريك وليس حليفا للولايات المتحدة.

إلى ذلك تؤسس الزيارة على إعلان مبادرة التقنية الحساسة والناشئة في يناير والتي تهدف إلى تعزيز التعاون التقني والدفاعي بين الدولتين ولكن أيضا بين جامعاتهما وشركاتهما.

الشراكة مع الولايات المتحدة أيضا تحقق مكاسب محسوسة. فالهند إلى جانب الولايات المتحدة وأستراليا واليابان عضو في مجموعة الرباعية والتي هي منبر مفتاحي لتعزيز الأمن البحري والتعاون الاقتصادي والتقني بقصد الاحتراس من هيمنة الصين على المنطقة.

وتهدف مجموعة «آي 2 يو 2 « إلى معالجة التحديات المشتركة بين البلدان ليس أقلها أمن الغذاء والطاقة.

هنالك حدود للشراكة. يجادل آشلي تيلِس كبير مفاوضي الاتفاق النووي الهندي الأمريكي بأن الولايات المتحدة تبالغ في تقدير الممكنات التي تتيحها شراكتها. ويستبعد أن تكون الهند راغبة أو قادرة على أن تكون شريكا أمنيا للولايات المتحدة في حال اندلاع صراع مباشر مع الصين.

لكن قيمة الهند للولايات المتحدة ليست محدودة بالأوضاع «التي تَدْلَهِمُّ فيها الخطوب». وعلى نحو مماثل تدرك الهند أن منافع شراكتها مع الولايات المتحدة تقترن بحدود واضحة.

حاولت الولايات المتحدة ولكنها فشلت في الوفاء بطموحات الهند في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. يتواصل هذا المسعى وكذلك نجاح الصين في عرقلة تطلع الهند التي حققت حضورا دوليا قويا كزعيمة لمجموعة العشرين. لكن هذا بالكاد أشبع رغبتها بأن يكون لها تمثيل دائم في المجلس.

يعتقد العديد من الهنود أن حظوظ بلدهم كانت أفضل في ظل الإدارات الجمهورية للولايات المتحدة. زيارة مودي ومخاطبته للكونجرس أكدت أن إجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول الهند يشكل أحد ملامح الحاضر وليس الماضي فقط.

ليزلي فينجاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكيتين بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس) وعميدة أكاديمية الملكة إليزابيث الثانية للقيادة في الشؤون الدولية

الترجمة خاصة لـ عمان