لا يكاد يوجد دين ليس به قربان الأضحية، فهو ملازم لطقوس الدين، وإنما يختلف نوع التقدمة التي يتقرب بها للمعبود، ففي الأديان القديمة.. كان يُتقرب بالإنسان؛ إما بدفنه حيا عند بعض الفراعنة، أو بذبحه وحرقه في بعض مناطق الشرق وإفريقيا. أو يكون من الأنعام في الشرائع التوحيدية، وقد يخصص بصنفٍ كالبقر، أو طير عند بعض المسيحيين المتأخرين. وقد تحدث القرآن عن أنواع من القرابين: القربان النباتي «الحرث»، والقربان الحيواني «الأنعام»، والقربان البشري «الأطفال»: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ، وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ، وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ، وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) [الأنعام:136-140].
والقرآن.. ذكر الغاية من القرابين؛ بأنها تقرب لله: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر:3]، فهم يتخذون الآلهة قربانا لله: (فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً) [الأحقاف:28]. ومن أغراض القربان الاحتكام إلى الله فيما يشجر بين المتعبدين، كما ذكر الله من أمر ابنَي آدم: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:27-30].
والقرآن.. حدثنا كذلك عن الانتقال من القربان البشري إلى القربان الحيواني؛ في قصة النبي إبراهيم وابنه: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات:102-107].
وبعد؛ فهذا مدخل مهم لدراسة قربان الأضحية في «معبد ني صلت»، لأنه لا توجد دراسة عنه وعن نسكه، بل لا توجد دراسات عن المعابد القديمة بعمان عموما، وقد خوَّلني البحث في مدينة كدم أن أضع قراءة مبدئية لقربان المعبد: ما نوعه؟ وما الدين الذي ينتمي إليه؟ وهل هو مرتبط بالتقويم الشمسي أم التقويم القمري؟ وكما استفدت من القرآن؛ استفدت أيضا من المراجع، ورجعت مباشرة إلى كتاب «من المَيسِر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية» لمحمد الحاج سالم. وأقترح للقارئ أن يرجع إلى ما نشرته عن مدينة كدم ومعبدها ليعرف المزيد عنهما.
«معبد ني صلت».. يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، يقع غرب جبل كدم، وإلى كدم تنسب المنطقة التي تضم الآن معظم ولاية الحمراء وجزءا من ولاية بَهلا، من محافظة الداخلية بسلطنة عمان. وكدم.. تعني -بلغة تلك الحقبة- الطائر الذي يرفع الأرواح والأعمال إلى السماء، وأما «ني صلت» فيعني بيت الله. ومقارنةً بما عثر عليه في بَهلا، تحت أرض الجامع القديم، من عظام بشرية محروقة، فيبدو أن الأضاحي البشرية لم تنتهِ حينها من المنطقة، بيد أن المعبد شهد تحولا بتقديم الأضاحي الحيوانية، والتي استمر تقديمها عبر النار، لوجود أربعة كهوف عليها آثار حرق، مثلما كان موجودا بجزيرة العرب، حيث تحدث القرآن عن تقبّل القرابين من خلال النار.
وقِبلة المعبد.. صخرة مكعبة تقع تحت قرن كدم مباشرة، (وهي صخور يطوفون بها، ويحجون إليها)؛ كما ذكر الأصمعي عن العرب. وبالصخرة رسمات عديدة، منها سبع رسمات نحت أربع منها على الوجه الجنوبي، وثلاث على الوجه الشمالي. وعلى الغرب من الصخرة سلسلة جبال سبعة يوجد عند حافتها من جهة الجنوب نصبان؛ قدرّتُهما لإلهَي الخصب: الذكر والأنثى، ولا أملك حتى الآن اسما لهما. وبجوارهما مجموعة رسمات مختلفة، وما يلفت النظر صفيحة جبلية بقرب النُصبين، بها حوالي 15 رسمة لبقر. منها: ثور كبير رسم بتقنية عالية لا يزال واضحا، وثور كبير؛ ذهبت معظم ملامحه، وثور ثالث؛ أصغر حجما يقوده صاحبه، وبقية الرسمات صغيرة، بعضها لأبقار مفردة، وبعضها يجرها شخص، ومجموعة منها متقاطرة. كل الأبقار تتجه نحو النُصبين، وشطرَ صخرة القِبلة. أما بقية الحيوانات -وهي قليلة- كالجمال فلا تلتزم هذا التوجه.
وبتقديري؛ أن الأبقار هي الأضاحي التي كانت تقدم في المعبد، فقد دأب سكان الجزيرة العربية على تقديم هذا الصنف من الأنعام، (للثور الوحشي صفة دينية مقدسة عند العرب)، لكن لماذا القربان بالبقر؟ لأن (البقر كان عند العرب رمزا للإله القمر؛ رب الخصب)، وهذا ما نلحظه في المعبد، فقد اتُخِذ في الوادي لأداء طقس الاستمطار. كما أن النُصبين المجاورَين للوحة الأضاحي يمثلان الذكورة والأنوثة؛ إلهَي الخصوبة؛ بدفق السماء لمائها فتحبل به الأرض بخيراتها.
وربما أن القرابين كانت تقدم يوم الجمعة لتقديسه عند العرب منذ القدم، (وكان عرب الشمال يقدمون لها [لآلهتهم] قرابين بشرية، وكرّسوا على غرار البابليين يوم الجمعة لعبادتها، وسموه «يوم العروبة» اعتزازا به)، وتعظيم هذا اليوم ليس مقتصرا على عرب الشمال، بل يشمل عموم الجزيرة العربية.
والمعبد.. ينتمي للدين الفلكي، وقد استمرت العبادة الفلكية في جزيرة العرب حوالي ثلاثة آلاف سنة، حتى تحوّلت إلى التوحيد بمجيء الإسلام. الدين الفلكي.. لم يكن وثنيا محضا، وإنما كان يؤمن بالله خالقا للكون، وأما الأجرام السماوية والأنصاب الأرضية فهي واسطة إلهية بين الخلق وخالقهم. وبناءً على وضع الدين عموما في جزيرة العرب؛ فيمكن اعتبار الغرض من المعبد التقرب إلى الله لأجل أن يخصبهم، وينمي زروعهم وأرزاقهم، ويبارك في أعمارهم وحيواناتهم. وكان مرتكز عبادتهم القمر، (ويشير ياقوت الحموي إلى أن القمر هو المؤثر في الأنداء والمياه التي منها الخصب).
دين هذا القربان.. ربما كان يعتمد على التقويم القمري، لأن تقديس الأبقار مرتبط بالقمر، وقد قسّموا الشهر إلى أربعة أسابيع، فهي سبعة أيام في أربعة أسابيع بثمانية وعشرين يوما؛ هي منازل القمر، (فلما كانت العرب تراعي القمر ومنازله، وهي ثمانية وعشرون منزلا في قسمة الأزمان والفصول والحُكم على الأحداث الواقعة في الأحوال والشهور، مراعاة عجيبة، ولهم في ذلك من صدق التأمل واستمرار الإصابة ما ليس لسائر الأمم، حتى تستدل منها على الخصب والجدب، ويعتمد منها على ما تبنى أمورهم عليه في الظعن والإقامة). ونجد هذا في صخرة المعبد ذات الأربعة أوجه، التي نحت عليها سبعة أشخاص، فلربما؛ دلالة على منازل القمر الأربع والعشرين، مع ملاحظة أن بروز وجوه الأشخاص للناظر إليها تعتمد على زاوية سقوط الضوء عليها.
ختاما.. هذه القراءة محاولة مبدئية لمعرفة دين قدماء العمانيين، قابلة للتعديل والتطوير، أرجو أن تفتح أفقا أوسع وأدق للبحث الحضاري.
والقرآن.. ذكر الغاية من القرابين؛ بأنها تقرب لله: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر:3]، فهم يتخذون الآلهة قربانا لله: (فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً) [الأحقاف:28]. ومن أغراض القربان الاحتكام إلى الله فيما يشجر بين المتعبدين، كما ذكر الله من أمر ابنَي آدم: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:27-30].
والقرآن.. حدثنا كذلك عن الانتقال من القربان البشري إلى القربان الحيواني؛ في قصة النبي إبراهيم وابنه: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات:102-107].
وبعد؛ فهذا مدخل مهم لدراسة قربان الأضحية في «معبد ني صلت»، لأنه لا توجد دراسة عنه وعن نسكه، بل لا توجد دراسات عن المعابد القديمة بعمان عموما، وقد خوَّلني البحث في مدينة كدم أن أضع قراءة مبدئية لقربان المعبد: ما نوعه؟ وما الدين الذي ينتمي إليه؟ وهل هو مرتبط بالتقويم الشمسي أم التقويم القمري؟ وكما استفدت من القرآن؛ استفدت أيضا من المراجع، ورجعت مباشرة إلى كتاب «من المَيسِر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية» لمحمد الحاج سالم. وأقترح للقارئ أن يرجع إلى ما نشرته عن مدينة كدم ومعبدها ليعرف المزيد عنهما.
«معبد ني صلت».. يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، يقع غرب جبل كدم، وإلى كدم تنسب المنطقة التي تضم الآن معظم ولاية الحمراء وجزءا من ولاية بَهلا، من محافظة الداخلية بسلطنة عمان. وكدم.. تعني -بلغة تلك الحقبة- الطائر الذي يرفع الأرواح والأعمال إلى السماء، وأما «ني صلت» فيعني بيت الله. ومقارنةً بما عثر عليه في بَهلا، تحت أرض الجامع القديم، من عظام بشرية محروقة، فيبدو أن الأضاحي البشرية لم تنتهِ حينها من المنطقة، بيد أن المعبد شهد تحولا بتقديم الأضاحي الحيوانية، والتي استمر تقديمها عبر النار، لوجود أربعة كهوف عليها آثار حرق، مثلما كان موجودا بجزيرة العرب، حيث تحدث القرآن عن تقبّل القرابين من خلال النار.
وقِبلة المعبد.. صخرة مكعبة تقع تحت قرن كدم مباشرة، (وهي صخور يطوفون بها، ويحجون إليها)؛ كما ذكر الأصمعي عن العرب. وبالصخرة رسمات عديدة، منها سبع رسمات نحت أربع منها على الوجه الجنوبي، وثلاث على الوجه الشمالي. وعلى الغرب من الصخرة سلسلة جبال سبعة يوجد عند حافتها من جهة الجنوب نصبان؛ قدرّتُهما لإلهَي الخصب: الذكر والأنثى، ولا أملك حتى الآن اسما لهما. وبجوارهما مجموعة رسمات مختلفة، وما يلفت النظر صفيحة جبلية بقرب النُصبين، بها حوالي 15 رسمة لبقر. منها: ثور كبير رسم بتقنية عالية لا يزال واضحا، وثور كبير؛ ذهبت معظم ملامحه، وثور ثالث؛ أصغر حجما يقوده صاحبه، وبقية الرسمات صغيرة، بعضها لأبقار مفردة، وبعضها يجرها شخص، ومجموعة منها متقاطرة. كل الأبقار تتجه نحو النُصبين، وشطرَ صخرة القِبلة. أما بقية الحيوانات -وهي قليلة- كالجمال فلا تلتزم هذا التوجه.
وبتقديري؛ أن الأبقار هي الأضاحي التي كانت تقدم في المعبد، فقد دأب سكان الجزيرة العربية على تقديم هذا الصنف من الأنعام، (للثور الوحشي صفة دينية مقدسة عند العرب)، لكن لماذا القربان بالبقر؟ لأن (البقر كان عند العرب رمزا للإله القمر؛ رب الخصب)، وهذا ما نلحظه في المعبد، فقد اتُخِذ في الوادي لأداء طقس الاستمطار. كما أن النُصبين المجاورَين للوحة الأضاحي يمثلان الذكورة والأنوثة؛ إلهَي الخصوبة؛ بدفق السماء لمائها فتحبل به الأرض بخيراتها.
وربما أن القرابين كانت تقدم يوم الجمعة لتقديسه عند العرب منذ القدم، (وكان عرب الشمال يقدمون لها [لآلهتهم] قرابين بشرية، وكرّسوا على غرار البابليين يوم الجمعة لعبادتها، وسموه «يوم العروبة» اعتزازا به)، وتعظيم هذا اليوم ليس مقتصرا على عرب الشمال، بل يشمل عموم الجزيرة العربية.
والمعبد.. ينتمي للدين الفلكي، وقد استمرت العبادة الفلكية في جزيرة العرب حوالي ثلاثة آلاف سنة، حتى تحوّلت إلى التوحيد بمجيء الإسلام. الدين الفلكي.. لم يكن وثنيا محضا، وإنما كان يؤمن بالله خالقا للكون، وأما الأجرام السماوية والأنصاب الأرضية فهي واسطة إلهية بين الخلق وخالقهم. وبناءً على وضع الدين عموما في جزيرة العرب؛ فيمكن اعتبار الغرض من المعبد التقرب إلى الله لأجل أن يخصبهم، وينمي زروعهم وأرزاقهم، ويبارك في أعمارهم وحيواناتهم. وكان مرتكز عبادتهم القمر، (ويشير ياقوت الحموي إلى أن القمر هو المؤثر في الأنداء والمياه التي منها الخصب).
دين هذا القربان.. ربما كان يعتمد على التقويم القمري، لأن تقديس الأبقار مرتبط بالقمر، وقد قسّموا الشهر إلى أربعة أسابيع، فهي سبعة أيام في أربعة أسابيع بثمانية وعشرين يوما؛ هي منازل القمر، (فلما كانت العرب تراعي القمر ومنازله، وهي ثمانية وعشرون منزلا في قسمة الأزمان والفصول والحُكم على الأحداث الواقعة في الأحوال والشهور، مراعاة عجيبة، ولهم في ذلك من صدق التأمل واستمرار الإصابة ما ليس لسائر الأمم، حتى تستدل منها على الخصب والجدب، ويعتمد منها على ما تبنى أمورهم عليه في الظعن والإقامة). ونجد هذا في صخرة المعبد ذات الأربعة أوجه، التي نحت عليها سبعة أشخاص، فلربما؛ دلالة على منازل القمر الأربع والعشرين، مع ملاحظة أن بروز وجوه الأشخاص للناظر إليها تعتمد على زاوية سقوط الضوء عليها.
ختاما.. هذه القراءة محاولة مبدئية لمعرفة دين قدماء العمانيين، قابلة للتعديل والتطوير، أرجو أن تفتح أفقا أوسع وأدق للبحث الحضاري.