في الصباح الباكر وقبل شروق الشمس، وجهت خطواتي نحو ولاية نزوى بمحافظة الداخلية، مصممًا على كتابة قصة خبرية عن سوق نزوى -قلب المدينة النابض بالحياة.

عند وصولي إلى وجهتي بدأ السوق يزدحم بالباعة والزبائن، وتجمعت الألوان والروائح والأصوات لتشكل مزيجا من الحركة والنشاط، وفي تلك الأثناء سِرت بين أزقة السوق لاستكشاف أرجائه، كانت المحلات تعكس التراث وتجذب الزوار من مختلف الأعمار والجنسيات، وهي تعج بمنتجات الحرف اليدوية كالفخاريات والفضيات والملابس التقليدية والحلوى العمانية والعطور وغيرها.

وخلال استكشافي السوق وبرفقتي زميل العمل لاحظت وجوهًا متقدمة في العمر تتراقص بين المحال وتتعامل مع الزبائن، قررت أن أستمع إلى قصصهم وتجاربهم مع السوق لأنهم عايشوا التطور والتحولات في السوق على مر العقود.

استمعت إلى حكايات أشخاص ثلاثة، أحدهم من التجار والآخران من مرتادي السوق باستمرار وانتظام، تحدثوا عن التطور الذي شهده السوق، من تحسين البنية الأساسية وتوسيع المساحة، إلى تبني التقنيات الحديثة في عمليات البيع والتسويق، كما تحدثوا عن أهمية السوق كونه مصدر رزق للعديد من الأسر المحلية ومركزًًا اجتماعيًا وتجاريًا.

سليمان بن سنان الصباحي ذو الـ78 عاما تاجر بالسوق تحدث بشغف عن تحولات السوق على مر السنين، استطاع أن يطور عمله ويوسعه، حتى أصبح لديه متجر في السوق، كان سليمان يتعامل مع زبائنه بكل احترام وتقدير، وصف سوق نزوى بالمكان الساحر، حيث يتميز بجماله الأصيل وتراثه الغني.

وهو يتعامل مع أحد الزبائن أردف قائلا: عندما تدخل السوق، تستقبلك أزقة ضيقة وشوارع معبّدة تزينها المباني المصنوعة من الطين والحجر، التي تعكس تقاليد العمارة العمانية الأصيلة.

وقال: إن المحلات تنبض بالحياة والنشاط، حيث يمكنك الاستمتاع بتجربة التسوق والتعرف على تشكيلة واسعة من المنتجات التقليدية، فتجد هنا الحرف اليدوية الجميلة مثل السجاد والأقمشة المطرزة بأناقة والمجوهرات الفضية المصنوعة بحرفية عالية.

بجانب ذلك، تتوفر في السوق تشكيلة متنوعة من المنتجات الغذائية المحلية الطازجة، فتجد الفواكه والخضروات العُمانية منها القادمة من ولاية نزوى وأخرى من ولاية الجبل الأخضر وغيرها من الولايات الأخرى، إلى جانب التوابل والعسل الطبيعي.

لا يقتصر جمال سوق نزوى على المنتجات والبضائع المعروضة فحسب، بل يعززه الجو التقليدي الذي يسوده، يمكنك التجول بين الزوايا الضيقة والتعرف على الثقافة والتراث العُماني، حيث يمكن للزائر التفاعل مع السكان المحليين بكل أريحية.

وقبيل الأعياد يمتلئ السوق بالنشاط والحركة، حيث يتوافد السكان والسياح من مختلف الأماكن لشراء مستلزمات العيد لعل أبرزها الأضاحي، ففي عرصة بيع الأضاحي التي ضجت بمختلف أحجام وأنواع الأضاحي، قام محمد بن علي الريامي بشراء أضحيتين من الأغنام بأسعار تراوحت بين 70 و100 ريال عماني، واصفًا أن الأسعار جيدة وفي المتناول.

وخلال انتظار زميل العمل وهو يلتقط الصور من العرصة استأذنته إلى الذهاب إلى السوق الغربي ضمن سوق نزوى، وفي طريقي صادفت رجلا كبيرا في السن، ألقيت عليه السلام وتبادلنا أطراف الحديث، أخبرني أن اسمه عبدالعزيز بن سعيد التوبي من مرتادي السوق بشكل مستمر. وأردف قائلا: إن السوق شهد تحولًا إيجابيًا وتطورًا كبيرًا في البنية الأساسية والخدمات المقدمة، وكان السوق في الماضي مجرد تجمع تجاري بسيط بالقرب من الجامع ويقام خلال فترة العصر بحكم وسائل التنقل وانتظار مرتادي السوق القادمين من المناطق البعيدة عنه.ومع تنامي عدد السكان والحركة السياحية والعمرانية تم توسيع وتجديد مساحة السوق لاستيعاب عدد أكبر من التجار والمحلات.

شهد السوق أيضا تنوعا في المنتجات والبضائع المعروضة، بالإضافة إلى المنتجات التقليدية مثل الحرف اليدوية والملابس التقليدية والتحف الفنية، وأصبحت هناك تشكيلة واسعة من المنتجات الحديثة والعصرية متاحة في السوق، مما يلبي احتياجات وأذواق الزوار المختلفة.

تم أيضا تطوير البنى الأساسية السياحية في سوق نزوى، حيث تم إنشاء مواقف للسيارات ومرافق لتناول الطعام، وتحسين الطرق وإشارات التوجيه لتوفير سهولة التنقل داخل السوق. التكنولوجيا لعبت دورا في تطور سوق نزوى، حيث تتوفر محال مجهزة بمعدات التكييف لتغلب على تحدي ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، وأيضا يتوفر الدفع الإلكتروني وخدمات الإنترنت اللاسلكي في بعض المناطق، مما يجعل التسوق أكثر سهولة وملاءمة للزوار.

وبينما نتجول في السوق، التقينا أيضًا بحمدون بن سيف الطيواني، كان وجهه يحمل تجاعيد الزمن، وعيناه تنبعث منهما حكايات الأمس، حمدون من مرتادي السوق منذ أكثر من 30 عامًا، كان جالسا أمام محال الحلوى العمانية، كحلوى السيفي والغضيب المكتظة بالزوار، حدثنا عن مشواره الطويل في السوق، كان يتذكر أيام الثمانينيات حين كان السوق مليئا بالحركة وتنوع المنتجات والحرف اليدوية المميزة التي كانت تعرض في السوق وتجذب الزوار.