إذا كان بعض المهتمّين يرون شارع المتنبي ببغداد امتدادا لسوق الورّاقين الذي يعود إنشاؤه إلى العصر العباسي (132 هـ)، ومكانه اليوم هو سوق السراي، وكان مقصدا لأهل العلم وطالبي المعرفة، كما هو معروف، يمكننا أن نعد المركز الثقافي البغدادي سوق عكاظ في الطائف الذي تأسّس سنة 501م واعتاد أن يجتمع به الشعراء، واللغويون والعلماء في وقت محدّد من العام (عادة يحدّد في أول شهر ذي القعدة ويستمر حتى العشرين منه) يتبادلون به البضائع والحوارات اللغوية والشعرية.
صحيح أن الزمن قد تغيّر، والحداثة ألقت ظلالها على مظاهر الحياة العامّة، لكنّ العواصم الحضارية تظلّ تحتفظ بمعالمها الثقافية، وتحافظ عليها، وتضفي عليها من معطيات العصر الجديد، لتتواكب معه، وتساير المتغيرات.
حين زرنا المركز الثقافي البغدادي الكائن في شارع المتنبي صباح الجمعة، تذكرت مقولة قرأتها في أحد كتب التراث هي «من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد وصلاة التراويح في مكة ويوم العيد بطرسوس»، وإذا كانت لصلاة التراويح بمكة فضاءات روحانية مفتوحة، وسطوع الأنوار في طرسوس التي تقع بين أنطاكيا وحلب وازدحام أنوارها بالمراكب، بهجة تضفيها على النفس، ففي صباح يوم الجمعة تزهو المكتبات في بغداد وينهض محبو القراءة مبكرين ليتوجّهوا إلى شارع المتنبي، الذي حين تمشينا به وجدنا أنفسنا في مكان مزدحم بالأفراد وباعة الكتب والطلاب والباحثين عن المعرفة، ومن باب الحفاظ على الأمن ينتشر في المكان رجال الشرطة، ويخضع الداخلون إلى المركز الثقافي البغدادي وهم بالعشرات لتفتيش دقيق، وهي إجراءات طبيعية، فالشارع تعرّض إلى عدّة هجمات إرهابية في سنوات الانفلات الأمني، لعلّ أشدّها يوم 5 مارس2007م عندما جرى تفجير سيارة مفخخة أدت إلى مقتل أكثر من 30 شخصا وتدمير الكثير من المكتبات، لكن أعيد إعماره ليفتتح يوم 18 ديسمبر 2008م، تجولنا في المبنى الذي يطل على نهر دجلة من جهة الرصافة، وكان مدرسة الأمير سعادة، خادم الخليفة العباسي المستظهر بالله، كما أوضح مديره طالب عيسى، وفي سنة 1870 قام والي العثمانيين ببغداد «مدحت باشا» بتحويل المبنى إلى المدرسة الرشدية العسكرية، وفي سنة 1921م اتّخذت المملكة العراقية المكان مقرّا للمحاكم المدنية والجزائية، ومرّت بمراحل حتى عام 2011 عندما أعادت أمانة بغداد تأهيل المكان ليصبح مركزا ثقافيا، من طابقين، تتوزّع في الطابق الأول المكتبات والمقاهي، فيما تتعدّد في قاعات الطابق الثاني الأنشطة، وقد شاهدت منهاجا من صفحتين معلقا على جدار، يتحلق حوله الجمهور المحتشد ليحدد المكان الذي يجد فيه ضالته، كان ذلك المنهاج أشبه باللوحة التي توضع في المطارات مشيرة إلى البوابات فيراقبها الركاب ويمضون كل حسب وجهته، ففي قاعة حسين علي محفوظ تقام ندوة تعريفية عن مشروع البوابة العراقية للمعرفة، وقبل ذلك بنصف ساعة تحتضن قاعة علي الوردي مجموعة من الأصوات الشعرية النسوية تعقبها ندوة عنوانها» الشعر والشاعر في المنظور السايكولوجي» وفي قاعة جواد سليم جلسة حوارية مع السيناريست حامد المالكي إلى جانب فعاليات أخرى ومسابقات ومعارض في الخط العربي والصناعات التراثية وأنشطة خاصة في الأطفال وتتضمن دروسا في الموسيقى والعلوم والأعمال الفنية والرسم والخياطة وفنونها وتقوية اللغة العربية ويبلغ مجموع هذه الفعاليات أربعين فعالية، ولكم أن تتخيلوا: أربعون فعالية في نصف نهار بمكان واحد!
فيما تقام سنويا في هذا المركز ألف فعالية، كما قال مدير المركز، ولم يقتصر عمل المركز على تنظيم الفعاليات، بل يوجد فيه عدد من المكتبات الشخصية كمكتبة أحمد سوسة وميخائيل عواد وعزيز السيد جاسم، وفيصل السامر وعلاء بشير وآخرين.
وتوجد متاحف شخصية تضمّنت وثائق تاريخية وصورا وصحفا قديمة، ومقتنيات يفوح منها عبق الماضي، ولأنّ نهارا واحدا لا يكفي للإحاطة بكل ما يحتويه هذا المركز، مررنا بمحتوياته مرورا سريعا، وحين غادرنا شعرنا أننا لم نكن في مركز ثقافي، بل في مهرجان ثقافي.
وأيّ مهرجان!
صحيح أن الزمن قد تغيّر، والحداثة ألقت ظلالها على مظاهر الحياة العامّة، لكنّ العواصم الحضارية تظلّ تحتفظ بمعالمها الثقافية، وتحافظ عليها، وتضفي عليها من معطيات العصر الجديد، لتتواكب معه، وتساير المتغيرات.
حين زرنا المركز الثقافي البغدادي الكائن في شارع المتنبي صباح الجمعة، تذكرت مقولة قرأتها في أحد كتب التراث هي «من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد وصلاة التراويح في مكة ويوم العيد بطرسوس»، وإذا كانت لصلاة التراويح بمكة فضاءات روحانية مفتوحة، وسطوع الأنوار في طرسوس التي تقع بين أنطاكيا وحلب وازدحام أنوارها بالمراكب، بهجة تضفيها على النفس، ففي صباح يوم الجمعة تزهو المكتبات في بغداد وينهض محبو القراءة مبكرين ليتوجّهوا إلى شارع المتنبي، الذي حين تمشينا به وجدنا أنفسنا في مكان مزدحم بالأفراد وباعة الكتب والطلاب والباحثين عن المعرفة، ومن باب الحفاظ على الأمن ينتشر في المكان رجال الشرطة، ويخضع الداخلون إلى المركز الثقافي البغدادي وهم بالعشرات لتفتيش دقيق، وهي إجراءات طبيعية، فالشارع تعرّض إلى عدّة هجمات إرهابية في سنوات الانفلات الأمني، لعلّ أشدّها يوم 5 مارس2007م عندما جرى تفجير سيارة مفخخة أدت إلى مقتل أكثر من 30 شخصا وتدمير الكثير من المكتبات، لكن أعيد إعماره ليفتتح يوم 18 ديسمبر 2008م، تجولنا في المبنى الذي يطل على نهر دجلة من جهة الرصافة، وكان مدرسة الأمير سعادة، خادم الخليفة العباسي المستظهر بالله، كما أوضح مديره طالب عيسى، وفي سنة 1870 قام والي العثمانيين ببغداد «مدحت باشا» بتحويل المبنى إلى المدرسة الرشدية العسكرية، وفي سنة 1921م اتّخذت المملكة العراقية المكان مقرّا للمحاكم المدنية والجزائية، ومرّت بمراحل حتى عام 2011 عندما أعادت أمانة بغداد تأهيل المكان ليصبح مركزا ثقافيا، من طابقين، تتوزّع في الطابق الأول المكتبات والمقاهي، فيما تتعدّد في قاعات الطابق الثاني الأنشطة، وقد شاهدت منهاجا من صفحتين معلقا على جدار، يتحلق حوله الجمهور المحتشد ليحدد المكان الذي يجد فيه ضالته، كان ذلك المنهاج أشبه باللوحة التي توضع في المطارات مشيرة إلى البوابات فيراقبها الركاب ويمضون كل حسب وجهته، ففي قاعة حسين علي محفوظ تقام ندوة تعريفية عن مشروع البوابة العراقية للمعرفة، وقبل ذلك بنصف ساعة تحتضن قاعة علي الوردي مجموعة من الأصوات الشعرية النسوية تعقبها ندوة عنوانها» الشعر والشاعر في المنظور السايكولوجي» وفي قاعة جواد سليم جلسة حوارية مع السيناريست حامد المالكي إلى جانب فعاليات أخرى ومسابقات ومعارض في الخط العربي والصناعات التراثية وأنشطة خاصة في الأطفال وتتضمن دروسا في الموسيقى والعلوم والأعمال الفنية والرسم والخياطة وفنونها وتقوية اللغة العربية ويبلغ مجموع هذه الفعاليات أربعين فعالية، ولكم أن تتخيلوا: أربعون فعالية في نصف نهار بمكان واحد!
فيما تقام سنويا في هذا المركز ألف فعالية، كما قال مدير المركز، ولم يقتصر عمل المركز على تنظيم الفعاليات، بل يوجد فيه عدد من المكتبات الشخصية كمكتبة أحمد سوسة وميخائيل عواد وعزيز السيد جاسم، وفيصل السامر وعلاء بشير وآخرين.
وتوجد متاحف شخصية تضمّنت وثائق تاريخية وصورا وصحفا قديمة، ومقتنيات يفوح منها عبق الماضي، ولأنّ نهارا واحدا لا يكفي للإحاطة بكل ما يحتويه هذا المركز، مررنا بمحتوياته مرورا سريعا، وحين غادرنا شعرنا أننا لم نكن في مركز ثقافي، بل في مهرجان ثقافي.
وأيّ مهرجان!