في السابع عشر من أبريل 2018م نظم النادي الثقافي حلقة نقاشية بعنوان «الإنتاج الثقافي والملكية الفكرية» هدفتْ كما أوضح في ديباجتها التقديمية «إلى تعزيز مفهوم الملكية الفكرية وحقوق المؤلف وعلاقتها بالإنتاج الثقافي، بالإضافة إلى إبراز دور الملكية الفكرية وأهميتها في حفظ حقوق النشر والناشر»، وقد غطّت جريدة عُمان هذه الحلقة في حينها وأوضحت أنها جاءت نتيجة لتعاون النادي مع وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار «لترسيخ ثقافة حقوق الملكية الفكرية في المجتمع، وتمكين المختصين في الملكية الفكرية والمهتمين بها من الحفاظ على إنتاجهم الفني أو الأدبي أو العلمي».

إلى هنا والأمور على خير ما يُرام، لولا أن حصان النادي الثقافي أصيب الأسبوع الماضي بــ«كبوة» في هذا الخصوص أثناء تنظيمه «مُلتقى المسرحيات القصيرة» الذي احتضنتْه جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بالخوير؛ إذْ أن ما حدث في هذا الملتقى لا يُمكن أبدًا أن يُسمّى «ترسيخًا لثقافة حقوق الملكية الفكرية في المجتمع»، فقد تجاهلتْ عدة مسرحيات مما عُرِض في الملتقى ذكر اسم مؤلف المسرحية أو حتى معدّها في الملصقات الإعلانية الترويجية، وعند الرجوع إلى القائمين على هذه المسرحيات أجمعوا على أن هذه هي «رغبة» النادي الثقافي!.

علامة التعجّب التي وضعتُها في نهاية الفقرة الماضية ليست نابعة فقط من كون الفِرَق التي أدت هذه المسرحيات هي فرق مسرحية عُمانية عريقة وفازت بجوائز محليّة وعربية، وبالتالي هي ليست بحاجة إلى تذكيرها أن ذكر اسم صاحب النصّ فرض عين، ولا يخضع لــ«رغبة» أيٍّ كان؛ ولكن أيضًا لأن مسرحيات الملتقى (أو بعضها للدقة) كان نتاجًا لورشة نظّمها النادي الثقافي نفسه في سبتمبر الماضي لتحويل قصص عُمانية قصيرة إلى نصوص مسرحية أسماها «ورشة سوالف بصرية»، وشارك فيها كل من المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس والدكتور سعيد السيابي والقاص والكاتب المسرحي سمير العريمي، وكان من الأمور البديهية في هذه الحالة أن يُشارَ إلى القصص المأخوذة عنها هذه المسرحيات، فهذه أبسط أبجديات حقوق الملكية الفكرية التي لا نظن أن النادي بحاجة إلى تذكيره بها.

قبل افتتاح الملتقى بعدة أيام، وعندما بدأ النادي الثقافي بنشر الملصقات الإعلانية للمسرحيات المشاركة، لاحظتُ أن اسم إحدى هذه المسرحيات هو «صمّام الشيخ» الذي أحالني على الفور إلى قصة تحمل العنوان ذاته للقاص عبدالعزيز الفارسي رحمه الله، وقد اعترتني الدهشة من عدم وجود أي إشارة له بصفته مؤلفا في الملصق رغم وجود اسم المخرج، وهنا كتبتُ على صفحتي في فيسبوك أتساءل: هل هي قصة عبدالعزيز نفسها أم مجرد تشابه عناوين؟ وجاءني الردّ فورًا من أحد أفراد طاقم المسرحية: «..عدم نسْب الحق الأدبي للدكتور عبدالعزيز الفارسي كان بطلب من النادي الثقافي الذي ينظّم الأيام المسرحية..»، غير أن الفرقة تداركتْ الأمر في العرض بعد يومين من خلال ملصق آخر وزع على مقاعد المتفرجين وأضيف إلى ظهره اسم المؤلف وصورته، ومُحِيَ اسم المخرج من واجهته.

ولأن الكاتب سمير العريمي لم يجد من يكتب عنه منشورًا استباقيًّا في فيسبوك كما عبدالعزيز الفارسي فقد تعرض لهضم حقّه الأدبي في مسرحية «فاقد الظل» التي عُرِضتْ في اليوم الثاني من أيام الملتقى، وهي مأخوذة عن قصته «حكاية الرجل الذي فقد ظله» المنشورة في مجموعته القصصية «خشب الورد» الصادرة عام 2010. والمفارقة هنا أنه لم يشفع للعريمي مشاركته السنة الماضية في الورشة التي أشرنا إليها لينجو من انتهاك حقه الأدبي، بل إنه يقول إنه عرف أن «فاقد الظل» مأخوذة عن قصته فقط في يوم العرض. الأمر ذاته تكرر في اليوم الثالث عند عدم ذكر اسم المؤلف المسرحي الكويتي عثمان الشطّي من ملصق مسرحية «صالح للحياة»، والسبب دائمًا هو نفسه: «رغبة» النادي الثقافي!.

في المقابل؛ عندما حمل عبداللطيف فردوس؛ المسرحي المغربي المعروف، نتاجَ الورشة نفسها إلى «أيام مراكش للمسرحية القصيرة» التي أقيمت في المغرب في الفترة من 11 إلى 14 مايو الماضي، فقد رأينا كيف أن مجموعة من هواة المسرح الشباب في المغرب قدموا مسرحيات مأخوذة عن قصص عُمانية دون أن يُهضَم حق مؤلفي هذه القصص أو معدّيها للمسرح، نذكر من هذه المسرحيات «اتهام» التي حرص المغاربة على ذكر أن معدّها هو مروان بن سعيد الوهيبي عن قصة «حكمة الشيخ» لزهران القاسمي، ومسرحية «الذي اشتعل الذي انطفأ» المقتبسة من قصة بالعنوان ذاته لمحمد بن سيف الرحبي وأعدتها للمسرح عائشة الحسنية، أما المسرحية المأخوذة عن قصة سمير العريمي فهي لم تعرض في المغرب بعد، لكن لم يَفُتْ فرقة مسرح السراغنة التي أعلنت أنها ستعرضها قريبًا ذكر اسم مؤلف القصة، ومعدّتها للمسرح أسماء السيابية؛ التي عاد إليها حقها الأدبي هناك (في المغرب) بعد أن هُضِم هنا (في مسقط) في الملصق الترويجي لـ«فاقد الظل».

ختامًا، فإنني وصفتُ في بداية المقال ما فعله النادي الثقافي بـ«كبوة الحصان» لأنني أردتُ أن أقول بعدها إن هذه «الهفوة» لن تجعلنا ننكر ما قدمه النادي ولا يزال من خدمات جليلة للأدباء العُمانيين من روائيين وقاصين ومسرحيين، وآخرها إعلانه أمس عن صدور كتاب «كُتّاب عُمانيون في مجلة صوت البحرين» للدكتور حسن مدن. ولعل سبب هذه الهفوة هو خطأ فردي ناجم عن عدم تمتّع المشرف على هذه الفعالية (بتعبير أدق: المشرفة) بحساسية عالية تجاه الملكية الفكرية والحق الأدبي.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني