تعبق رواية سيدات القمر بأمثال شعبية تلامس الحياة الاجتماعية، وتستدعي فكر الشعوب، وتعبر عن مكونات التراث الحضاري غير المادي، تلخص فيها ببلاغة العماني تجربة الحياة المثخنة بهموم الماضي، وآمال المستقبل. جوخة الحارثي في روايتها سيدات القمر وظفت الأمثال الشعبية لخدمة الفكرة، وتقويتها بالحجج الثابتة من المكنون الثقافي التراثي، لغة تبدأها الروائية بقول المتوصف، والمتوصف هنا هو قائل المثل، ثم تسرد بعدها المثل الشعبي، وحتى يكون مفهوما للقارئ، تذيل الصفحة بشرح وافٍ للمثال باللغة العربية الفصيحة.
فعند قراءتنا للرواية صادفنا مثلا شعبيا يدل على إسراع المحب لرؤية من يحب، أما الذي لا يريد أن يراه فتجد التثاقل والتعب في جسده، وكان ذلك في صفحة (22): «تمشي الريول تخب مين الفؤاد محبّ، ومين ما أشتهي عليَّ كود وتعب».
وبأصالة المجتمع العماني، وتماسكه، نجد أن القرية العمانية على عكس المدينة، تجد الترابط الأسري ظاهرا بين الأسر، يسأل بعضها عن بعض، ويطمئن كل واحد على الآخر، ويعرف أخباره، وأمثالنا تعبر عن ذلك بكثافة، وهي نابعة من القيم الدينية الثابتة، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، حيث أوردت الكاتبة في الصفة السابقة نفسها مثلا يدل على ذلك، قائلة: «يقول المتوصف: اللي يودك وده، واللي يباك ابغيه، واللي يصد بروحه شوري عليك ادعيه»، وقد شرحت الكاتبة هذا المثل: «من يودك بادله الود، ومن يردك رده، ومن يصد بنفسه عنك، أشير عليك أن تتركه» كما أنه يدل على المعاملة بالمثل، وألا تتمسك بمن يبغضك، أو يكرهك، فإنه لا يجلب لك إلا الهم والحزن والكراهية، والأمراض النفسية، فما عليك إلا أن تستخدم معه قانون التجاهل، فالقافلة تسير دون نباح الكلاب.
أما عن تلبية رغبة المريض، وكل ما يشتهيه، والاعتناء به، والدعوة له بالصحة والعافية، وهنا أيضا قيمة من قيم العربي الأصيل، وهي الكرم والعطاء، فقد جاء في رواية سيدات القمر مثل يقول: «يقول المتوصف: اعط المريض شهوته، والمعافي الله»، كما يدل أيضا على الأخذ بالأسباب وعدم الاتكالية، والتسليم بأن الصحة أولا وأخيرا هي من عند الله.
وفي لمحة عن رفض زوجة سنجر لطبخ ظريفة وهما عبدتان، فرأت الكاتبة أن المثل المناسب لهذا التصرف هو المثل الشعبي القائل: «الحمار لمّا يشبع يرفس»؛ أي مهما قدمت من خدمة للذي لا يستحقها فإنه سيتمرد عليك لا محالة، وسوف يرفضها، وتستطرد الكاتبة في سياق النقد الاجتماعي، وهي ظاهرة عدم الاعتراف بالفضل تجاه الآخرين، إذ تقول: «نسيتْ لمّا كانت ما لاقية حتى دشداشة تلبسها قبل أن يتزوجها ولدي.. يا عيني عليك يا ولدي يا سنجر.. طاح حظك في الأفعى» كما أن كلمة أفعى هنا أتت بها للتحقير، والتقليل من شأنها، وهذا المعنى يتقاطع مع المثل العربي للشاعر المتنبي: (إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا).
وفي سياق التحول السريع، وللتعبير عن غرابة ما يحدث، والذهول مما رأته ظريفة من سالمة التي هرعت إلى استقبال زوجة المؤذن رغم ما قالته قبل ذلك لظريفة من معاناتها الشديدة من آلام رجليها، قالت صاحبة الصوت الغليظ الجهوري: «يقول المتوصف: المحبوب محبوب جاء ضحى وجاء غروب، والرامد رامد جاء حاش وسامد» ومعنى هذا المثل: المحبوب يظل محبوبا مهما كان الوقت الذي يجيء فيه: ضحى أو عند الغروب، وغير المحبوب أو المبغوض يظل غير مرضيٍّ عنه مهما اجتهد في الحصاد والسماد» (والحصاد والسماد مصطلحان زراعيان)، ثم «ضربت فخذها بكفها ودخلت المطبخ» وهذا يدل على الرفض التام.
وكعادتها ظريفة تخطف الأضواء في ثرثرتها وقهقهتها، وهمهماتها المتلاحقة، وقذفها بلقم الحلوى الكبيرة في فمها، وتلعق الزيت المتبقي في أصابعها بتلذذ، رغم نصيحة زوجة المؤذن لها بالتوقف عن ذلك؛ لأنها مصابة بمرض السكري، إلا أن ظريفة قهقهت كعادتها وقالت في استغراب: وأيش يخيفني في السكري؟ الموت واحد يا الحبَّة» ثم قال: يقول المتوصف: «لحم الصغر يأكله الكبر» وقد قالت ذلك وهي في سن الخمسين عاما، وما زالت في قمة الشباب، وهذا يدل على الصحة التي يتمتع بها المجتمع في ذلك الوقت، نتيجة أكلهم للأكل الطبيعي، وعدم دخول الأكل المُصنّع بعد إلى مجتمع ظريفة وسالمة وميا.
تعالي أصوات مزيد من النساء في الاستئذان يعني دخول المهنئات إلى البيت، وهنا أشارت سالمة إلى أسماء بعدم مجالسة النساء المتزوجات، ولكن أسماء قامت بتثاقل غير مقتنعة بذلك، ولا تستمع لأحاديثهم «خاصة أن الخبرة في الحياة» الذي يسعى هذا التقليد لتجنيبها إياها أصبحت متاحة لها في الكتب» وهنا نجد قيم المجتمع المحافظ الذي يحفظ للمرأة حقها في التنشئة السليمة، وعدم اختلاطها بالنساء المتزوجات يحافظ على براءتها وعفتها.
«آفتي معرفتي راحتي ما أعرف شيء» هذا ما قاله المتوصف في صفحة (٣١) لما سأل عبدالله ظريفة عن سبب موت أمه؟ ردت عليه، أنها لا تعرف شيئا عن سبب موتها، وقد دللت على ذلك بالمثل السابق، ومعنى هذا المثل: إن ادعاء المعرفة في كل شيء في هذه الحياة، قد يوقع بين الناس العداوة والبغضاء والشحناء، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الاختلاف في الرأي المسبب لفساد المودة بين الناس، وكما يؤدي إلى الجدال العقيم، وهنا نتذكر المثل العربي القائل: «لا تهرف بما لا تعرف» ويضرب هذا المثل عندما يتعدى الشخص بالمدح والثناء قبل أن يتم معرفته بالشيء، مما يؤدي إلى التسرع في إصدار الأحكام، وعدم اليقين في نقل الأخبار.
لا شك أن التجارب الإنسانية عابرة للقارات، تلخص ما استفاده البشر، وما خبروه من حياتهم؛ لينقله لنا الكتاب على شكل أمثال، تختزل السنين، وعند دراستها تعرف كيف تطورت تلك الحضارات، وتفهم ثقافات الشعوب، مهما بعدت مسافات الزمن البعيد، والتمع الضياء في دهاليزه المظلمة، ليخترق نور عينيه الجدران، كنجية الملقبة بالقمر، التي لا يخلو جسدها من جروح الزمن، شاهدة على معاركها مع الأيام، كالأمثال التي هي أيضا شاهدة على تجارب الأزمان.
فعند قراءتنا للرواية صادفنا مثلا شعبيا يدل على إسراع المحب لرؤية من يحب، أما الذي لا يريد أن يراه فتجد التثاقل والتعب في جسده، وكان ذلك في صفحة (22): «تمشي الريول تخب مين الفؤاد محبّ، ومين ما أشتهي عليَّ كود وتعب».
وبأصالة المجتمع العماني، وتماسكه، نجد أن القرية العمانية على عكس المدينة، تجد الترابط الأسري ظاهرا بين الأسر، يسأل بعضها عن بعض، ويطمئن كل واحد على الآخر، ويعرف أخباره، وأمثالنا تعبر عن ذلك بكثافة، وهي نابعة من القيم الدينية الثابتة، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، حيث أوردت الكاتبة في الصفة السابقة نفسها مثلا يدل على ذلك، قائلة: «يقول المتوصف: اللي يودك وده، واللي يباك ابغيه، واللي يصد بروحه شوري عليك ادعيه»، وقد شرحت الكاتبة هذا المثل: «من يودك بادله الود، ومن يردك رده، ومن يصد بنفسه عنك، أشير عليك أن تتركه» كما أنه يدل على المعاملة بالمثل، وألا تتمسك بمن يبغضك، أو يكرهك، فإنه لا يجلب لك إلا الهم والحزن والكراهية، والأمراض النفسية، فما عليك إلا أن تستخدم معه قانون التجاهل، فالقافلة تسير دون نباح الكلاب.
أما عن تلبية رغبة المريض، وكل ما يشتهيه، والاعتناء به، والدعوة له بالصحة والعافية، وهنا أيضا قيمة من قيم العربي الأصيل، وهي الكرم والعطاء، فقد جاء في رواية سيدات القمر مثل يقول: «يقول المتوصف: اعط المريض شهوته، والمعافي الله»، كما يدل أيضا على الأخذ بالأسباب وعدم الاتكالية، والتسليم بأن الصحة أولا وأخيرا هي من عند الله.
وفي لمحة عن رفض زوجة سنجر لطبخ ظريفة وهما عبدتان، فرأت الكاتبة أن المثل المناسب لهذا التصرف هو المثل الشعبي القائل: «الحمار لمّا يشبع يرفس»؛ أي مهما قدمت من خدمة للذي لا يستحقها فإنه سيتمرد عليك لا محالة، وسوف يرفضها، وتستطرد الكاتبة في سياق النقد الاجتماعي، وهي ظاهرة عدم الاعتراف بالفضل تجاه الآخرين، إذ تقول: «نسيتْ لمّا كانت ما لاقية حتى دشداشة تلبسها قبل أن يتزوجها ولدي.. يا عيني عليك يا ولدي يا سنجر.. طاح حظك في الأفعى» كما أن كلمة أفعى هنا أتت بها للتحقير، والتقليل من شأنها، وهذا المعنى يتقاطع مع المثل العربي للشاعر المتنبي: (إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا).
وفي سياق التحول السريع، وللتعبير عن غرابة ما يحدث، والذهول مما رأته ظريفة من سالمة التي هرعت إلى استقبال زوجة المؤذن رغم ما قالته قبل ذلك لظريفة من معاناتها الشديدة من آلام رجليها، قالت صاحبة الصوت الغليظ الجهوري: «يقول المتوصف: المحبوب محبوب جاء ضحى وجاء غروب، والرامد رامد جاء حاش وسامد» ومعنى هذا المثل: المحبوب يظل محبوبا مهما كان الوقت الذي يجيء فيه: ضحى أو عند الغروب، وغير المحبوب أو المبغوض يظل غير مرضيٍّ عنه مهما اجتهد في الحصاد والسماد» (والحصاد والسماد مصطلحان زراعيان)، ثم «ضربت فخذها بكفها ودخلت المطبخ» وهذا يدل على الرفض التام.
وكعادتها ظريفة تخطف الأضواء في ثرثرتها وقهقهتها، وهمهماتها المتلاحقة، وقذفها بلقم الحلوى الكبيرة في فمها، وتلعق الزيت المتبقي في أصابعها بتلذذ، رغم نصيحة زوجة المؤذن لها بالتوقف عن ذلك؛ لأنها مصابة بمرض السكري، إلا أن ظريفة قهقهت كعادتها وقالت في استغراب: وأيش يخيفني في السكري؟ الموت واحد يا الحبَّة» ثم قال: يقول المتوصف: «لحم الصغر يأكله الكبر» وقد قالت ذلك وهي في سن الخمسين عاما، وما زالت في قمة الشباب، وهذا يدل على الصحة التي يتمتع بها المجتمع في ذلك الوقت، نتيجة أكلهم للأكل الطبيعي، وعدم دخول الأكل المُصنّع بعد إلى مجتمع ظريفة وسالمة وميا.
تعالي أصوات مزيد من النساء في الاستئذان يعني دخول المهنئات إلى البيت، وهنا أشارت سالمة إلى أسماء بعدم مجالسة النساء المتزوجات، ولكن أسماء قامت بتثاقل غير مقتنعة بذلك، ولا تستمع لأحاديثهم «خاصة أن الخبرة في الحياة» الذي يسعى هذا التقليد لتجنيبها إياها أصبحت متاحة لها في الكتب» وهنا نجد قيم المجتمع المحافظ الذي يحفظ للمرأة حقها في التنشئة السليمة، وعدم اختلاطها بالنساء المتزوجات يحافظ على براءتها وعفتها.
«آفتي معرفتي راحتي ما أعرف شيء» هذا ما قاله المتوصف في صفحة (٣١) لما سأل عبدالله ظريفة عن سبب موت أمه؟ ردت عليه، أنها لا تعرف شيئا عن سبب موتها، وقد دللت على ذلك بالمثل السابق، ومعنى هذا المثل: إن ادعاء المعرفة في كل شيء في هذه الحياة، قد يوقع بين الناس العداوة والبغضاء والشحناء، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الاختلاف في الرأي المسبب لفساد المودة بين الناس، وكما يؤدي إلى الجدال العقيم، وهنا نتذكر المثل العربي القائل: «لا تهرف بما لا تعرف» ويضرب هذا المثل عندما يتعدى الشخص بالمدح والثناء قبل أن يتم معرفته بالشيء، مما يؤدي إلى التسرع في إصدار الأحكام، وعدم اليقين في نقل الأخبار.
لا شك أن التجارب الإنسانية عابرة للقارات، تلخص ما استفاده البشر، وما خبروه من حياتهم؛ لينقله لنا الكتاب على شكل أمثال، تختزل السنين، وعند دراستها تعرف كيف تطورت تلك الحضارات، وتفهم ثقافات الشعوب، مهما بعدت مسافات الزمن البعيد، والتمع الضياء في دهاليزه المظلمة، ليخترق نور عينيه الجدران، كنجية الملقبة بالقمر، التي لا يخلو جسدها من جروح الزمن، شاهدة على معاركها مع الأيام، كالأمثال التي هي أيضا شاهدة على تجارب الأزمان.