علاقات واشنطن مع الصين ساءت بشدة. لكنها بدأت لتوِّها في التعافي من حادثة منطاد التجسس الصيني الذي عبر أجواء الولايات المتحدة في أوائل فبراير قبل إسقاطه فوق المحيط الأطلسي.

وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي اضطر لتأجيل رحلته إلى بيجينج بسبب كل ذلك الكلام الذي لا معنى له حول تحليق المنطاد أعاد جدولة الرحلة أخيرا ليوم 18 يونيو.

ثم في الأسبوع الماضي تحدثت الأخبار عن محطة تجسس صينية في كوبا. في الحقيقة ليس هنالك شيء فضائحي بشأن هذه الإفشاءات الأخيرة.

بدأت الحكاية بخبر أوردته صحيفة وول ستريت جورنال يوم الخميس. جاء في الخبر نقلا عن مسؤولين أمريكيين مجهولين ومطلعين على «معلومات استخبارية بالغة السرية» أن الصين «ستستضيف قاعدة تجسس صينية سرية تركِّز على الولايات المتحدة».

وذكر الخبر أن الصين «وافقت على أن تدفع إلى كوبا المُعدَمة العديد من بلايين الدولارات مقابل السماح لها ببناء محطة تنصت». ووصف الخبر ذلك بأنه «تحدٍّ جيوسياسي طائش من بكين للولايات المتحدة.»

جاء في بيان مشترك لرئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الديمقراطي مارك وارنر ونائبه الجمهوري ماركو روبيو «نحن منزعجون بشدة من التقارير التي تشير إلى أن هافانا وبيجينج تعملان معا لاستهداف الولايات المتحدة وشعبنا. علينا توضيح أنه من غير المقبول للصين إقامة مرفق استخباري على بعد 100 ميل من فلوريدا والولايات المتحدة».

وقال رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الجمهوري مايكل تيرنر في تغريدة إنه «منزعج بشدة» من الخبر وأضاف «إذا صح ذلك سيكون هذا تصرفا عدائيا صينيا آخر». وأشارت النائبة الجمهورية رقم ثلاثة في مجلس النواب إليز ستيفانك إلى ذلك كدليل على أن الرئيس «بايدن يستمر في السماح للصين الشيوعية باستغلال قيادته الضعيفة وإضعاف أمننا القومي».

ثم في بيان يوم السبت ذكر البيت الأبيض أن الصين لديها سلفا قاعدة تجسس في كوبا. ويقول مسؤولو إدارة بايدن إنهم ورثوا هذه المسألة من الرئيس السابق دونالد ترامب وظلوا يعملون من خلال الوسائل الدبلوماسية لمواجهة مساعي الصين لجمع المعلومات الاستخبارية في كوبا وغيرها.

ربما تتجه الصين إلى رفع مستوى وجودها الاستخباري في كوبا. لكن هذا الوجود نفسه ليس كله جديدا أو صادما. لقد كانت لدى الاتحاد السوفييتي وعلى مدى عقود أكبر محطة تجسس خارج حدوده بالقرب من لورديس في كوبا. وكانت الولايات المتحدة على استعداد للمخاطرة بالدخول في حرب لإزالة الصواريخ النووية من كوبا لكنها تغاضت عن مساعي التقاط الإشارات تلك. السبب في ذلك إدراكها منذ فترة أن البلدان لها الحق في التجسس على بعضها البعض.

في الواقع من الصعب أن تكون الولايات المتحدة جادة في انتقاد التجسس الصيني علنا فيما يدير المجتمع الاستخباري الأمريكي ودون شك أكبر شبكة لالتقاط الإشارات في العالم. فالمعلومات التي كشف عنها إدوارد سنودن وتسريبات منصة ديسكورد والمصادر الأخرى توضح في جلاء أن وكالة الأمن القومي الأمريكي تجمع كميات ضخمة من الاتصالات من أرجاء العالم وتتجسس على الأصدقاء والأعداء على السواء.

الصين على علم بكل مساعي الولايات المتحدة ليس أقله لأنها بعد تأسيس العلاقات بين بيجينج وواشنطن في سبعينات القرن الماضي استضافت محطات تجسس لوكالة الأمن القومي بالقرب من حدودها مع الاتحاد السوفييتي. ولا شك أن الكرملين لم يكن سعيدا بمشروع «بروجكت تْشيستْنَت» التجسّسي ذلك لكن كان عليه أن يتعايش معه.

هذه الأيام تتعاون الولايات المتحدة بانتظام في جمع المعلومات عن الصين مع حلفاء مثل أستراليا ونيوزيلندا وترسل طائرات استطلاعها قريبا من المجال الجوي الصيني. وبعد تحليق المقاتلات الصينية بالقرب من طائرة مراقبة إلكترونية أمريكية من طراز آر سي- 135 كانت تطير فوق بحر الصين الجنوبي شكا المسؤولون الأمريكيون في استياء ولهم الحق في ذلك. لكن إذا سُمح للولايات المتحدة بالتجسس قريبا من الصين لماذا لا يسمح للصين بالتجسس بالقرب من الولايات المتحدة.

قال لي بول هير ضابط الاستخبارات القومية الأمريكية السابق في شرق آسيا» لا يجب علينا أن نفاجأ إطلاقا باحتمال وجود محطة تنصت صينية في كوبا. فالبلَدَان لديهما علاقة استخبارية استمرت لعقود.» وأضاف هير «أي جمع للمعلومات الاستخبارية بواسطة الصينيين من كوبا سيكون مساويا تقريبا لجمع المعلومات الاستخبارية بواسطة الولايات المتحدة من مراكز التصنت ووحدات المراقبة التابعة للحلفاء في الجزء الغربي من المحيط الهادي.

ويشير هير إلى أن هذه الحكاية ضُخِّمت كثيرا «ربما بواسطة الجماعة في واشنطن التي تحاول القضاء على جهود إدارة بايدن لإحياء الارتباط ببيجينج.»

علاقات الولايات المتحدة مع كوبا يمكن أن تعاني أضرارا جانبية من الإفشاءات الأخيرة. حقا رفع بايدن بعض العقوبات التي تعود إلى عهد ترامب. لكنه لم يطبِّع العلاقات مع كوبا التي ظلت تحت وطأة العقوبات الأمريكية لأكثر من 60 عاما.

هل هنالك أية غرابة إذن في أن كوبا وهي تواجه أزمة اقتصادية قاسية فاقمتها سياسات تخطيطها المركزي قد تتجه إلى الصين بحثا عن الدعم المالي؟

قال لي ويليام ليوجراند المختص بشؤون أمريكا اللاتينية في الجامعة الأمريكية «الإدارة الأمريكية بإبقائها على معظم عقوبات ترامب لم تترك للكوبيين خيارا آخر إذا أرادوا البقاء سوى البحث عن كفلاء أجانب في أي مكان يجدونهم فيه».

هذه الإفشاءات عن محطة تجسس صينية في كوبا يلزم أن تسلط الضوء على الحاجة لرفع العقوبات الأمريكية والتعامل مع كوبا لموازنة نفوذ الصين. لكن الأرجح أنها ستترتب عنها آثار عكس ذلك مما يجعل من المستحيل سياسيا لبايدن أن يحسِّن العلاقات مع كوبا في أي وقت قريب.

الخلاصة أننا بحاجة إلى أن نُحسِن انتقاءنا لما يُغضبنا.

قد يكون جمع الصين للإشارات الاستخبارية من كوبا سببا لعدم ارتياح أمريكي. لكنه ليس مبررا لتقويض جهود تحسين العلاقات مع الصين.