Ashuily.com

يلجأ البشر للتأطير أو ما يمكن أن يطلق عليه بالقولبة استسهالا للحكم المسبق على الأشياء أو الأشخاص أو الأمكنة وغيرها من الأمور التي يمكن أن يسهل على الإنسان تأطيرها وقولبتها في أطر جماعية يتعارف عليها المجتمع بأكمله أو أطر فردانية تخضع لحكم ومقياس الشخص ذاته وقولبته، وقولبته لذلك الشيء الذي يريد أن يضعه داخل إطار قد يكون هذا الإطار حسيا أو معنويا أو عاطفيا.

التأطير أصبح يلازم حياتنا وبيئتنا، ولا نستطيع الفكاك منه في تفاصيل حياتنا اليومية؛ فالشخوص يمكن تأطيرهم بالطيب والشرير أو الصالح والطالح أو الغني والفقير وغيرها من الأطر التي تتسق مع فهم كل شخص عن الآخر، ويمكن لهذه الأطر أن تصيب في حكمها أو تخطئ فيه لكنها في المجمل تعد أحكاما مسبقة يقع فيها الناس بناء على معارف وأحكام مسبقة أو الوقوع تحت تأثير الآخرين سلبا أو إيجابا، أو قد يكون هذا التأطير عبارة عن حصيلة عقلية وفكرية كوَّنها الفرد من تجارب سابقة سبق له خوضها وأسهمت بعض العلوم والمعارف في صياغتها. هذا ما يمكن أن ينطبق على تأطير الشخوص، أما عن تأطير الأشياء فالأمر يعد أهون قليلا؛ فالوقوع في دائرة المحظور أو الخطأ قد يغتفر مقارنة بالأطر التي تؤطر حياة الشخوص أو الأمكنة من ذلك ما يمكن أن نضربه كمثال فقط على إبداء شخص رأيه المؤطر لمكان يصفه بأنه سيئ من خلال تجربة شخصية عايشها قد يكون محقا فيها أو مجانبا للحق لكنها تبقى تجربة لا تجر وراءها الوقوع في كثير من المحظورات والمحاذير.

الخوف من القولبة والتأطير العشوائي الذي لا يكلف صاحبه عناء التحقق والبحث عن صحة ما يصله من معلومات وأخبار سواء أكانت فردية أو مؤسسية فيستسهل إصدار الأحكام بناءً على قوالب وأنماط جاهزة مختزلة في عقله كأنماط الهويات القومية والمذهبية والأيديولوجية واللغوية والعرقية والاجتماعية واللونية وكل ما يمكن أن يدخل في إطار التداخل والاختلاف بين الأمم والشعوب والأفراد، كل هذه القولبات قد ينتج عنها الكثير من المشكلات والمحاذير التي تقع فيها الشعوب والأفراد فتعم الفوضى والبغضاء والكراهية وقد يفضي الأمر إلى مشاكل وقطيعة وحروب قد يكون العالم في غنى عنها بسبب قوالب جامدة مبيتة كان يمكن الاستغناء عنها.

يمكن أن يكون للتأطير بعض الفوائد على عكس الشائع من أن كل تأطير يمكن أن يجر وراءه مضرة؛ فبعض التأطيرات قد يكون مفيدا إن كان خاضعا للعقل أو محكما له أو مستندا إلى أسس علمية أو بحوث متعمقة مثلما يحدث في النهج الذي تنهجه بعض المؤسسات في تقييم مؤسسات أخرى ومنحها لتصنيفات وأطر قد يراعى فيها بعض المنهجية في التقييم كمنح بعض المنشآت تصنيفا أعلى من غيرها في بعض السمات والخصائص وهذا ما انسحب على الكثير من التقسيمات الدولية في الإدارة والحكم والتقدم والتطور والتقنية وغيرها مما بات يُطلق عليه المؤشرات الدولية التي ما هي إلا جزء من عمليات القولبة والتأطير يستفيد منها البعض ويخسر الآخر ويمكن أن تؤدي الكثير من الاعتبارات المالية والتسويقية دورا كبيرا في تلك التأطيرات.

القناعات والمشاعر والعواطف هي أبرز الأسباب الدفينة التي تقف خلف فكرة القولبة أو النمطية جنبا إلى جنب مع عوامل أخرى كوسائل الإعلام والإنترنت والمشاهير وقادة الرأي وغيرها من العوامل التي تؤثر في إصدار الأحكام وقولبتها بعيدا عن محاولة تكوين رأي خاص للفرد يمكّنه من الحكم على الأشياء بمفرده من دون الوقوع في شراك الآخرين وحبالهم.