قبل عدة أيام أسعفني الحظ لأجد نفسي حاضرا على مسرح كلية الدراسات المصرفية ببوشر لأشاهد مسرحية عمانية رائعة جعلتنا جميعا نشاهد بكل غبطة وفرح تلك التحفة الفنية من جميع نواحيها.

إنني هنا أتحدث عن مسرحية «الروع» التي أخرجها المبدع جدا طاهر الحراصي ومعه مجموعته من الممثلين الذين جعلوا من خشبة المسرح واقعا تندمج معه بكل دهشة لتصبح أحد أهالي القرية التي استغلها أصحاب النفوذ لبث الرعب والجهل في قلوب السكان ليستولوا بكل طمع على أموالهم ويستحوذوا على أفكارهم بإرعابهم دوما بـ «الروع».

وحينما نقول «الروع» فهو ذلك الكائن الذي ينتشر كثيرا في حكايات الأسطورة العمانية كونه مخيفا وطويل القامة ويرعب الأهالي ليلا ويأكل الناس وينهب أموالهم أو أغنامهم.

لن تستطيع بتاتا ألا تحترم بكل إجلال هذه الرمزية العظيمة في محاولة محاربة الفساد والجهل والخوف بواسطة خشبة المسرح.

وكم يفرحك جدا أن تشاهد الحضور يملأ كل مقاعد المسرح التي تتسع لـ700 شخص تقريبا، واعذروني فأنا ضعيف في الحسابات الرياضية التي تؤخذ سريعا عن طريق الملاحظة، ولكن الأهم أن تجد كل هذا الكم الكبير من شبابنا يأتي وهو قد حجز مقعده بعدما اشترى ثمن تذكرة الحضور عن طريق تطبيق إلكتروني سهل للغاية.

لست هنا ناقدا فنيا لأكتب كل تفاصيل العمل، ما يهمني أن الروع كانت كمسرحية عالية المستوى فنيا، وكل جزء فيها له أكبر معنى لإيصال الرسالة الأسمى بأن مسرحنا ما زال يقاوم الفساد الذي يعتقد شبابنا أنه مشكلة ما زالت قائمة ووجب مقاومتها بكل ما يحمله المسرح من فن دون إسفاف فني لا يليق.

وهذا ما فعلته مسرحية «الروع» التي تميزت بإخراج فني في غاية الجمال بالإضافة -وهذه نقطة مهمة جدا- إلى أن جميع طاقم التمثيل كان مبدعا ومكملا للمشهد ولم يكن هناك أي نقاط ضعف في أي فرد شارك في تلك الملحمة التي ستعلق في الذاكرة للأبد.

لم أكتفِ، بذلك بل حضرت عرض يوم الخميس لمسرحية «شلوني القمر»، للمخرج والفنان سامي البوصافي، هذا الشاب الذي يعرفه الجميع بقوة أدائه على خشبة المسرح بأي عرض، هذه المرة سامي كان هو المخرج لعمل يلامس واقع بعض شبابنا وبعض مسؤولينا وبعض عائلاتنا، فهي تحكي عن شاب عماني قدم من البلاد الأوروبية وهو متسلح بتخصص علم الفضاء ويريد أن يحقق حلم الوصول إلى القمر حينما يعود إلى أهله ووطنه، ولكنه يصطدم بالواقع الاجتماعي من خلال عدم إيمان عائلته بأحلامه وتركيزهم على أن يتمم زواجه بابنة عمه، وكذلك يواجه ذات المشكلة مع بعض المعنيين الذين يحاولون أن يثبطوا من عزيمته بالتفكير في مشروع آخر وأفضل وأسهل من مشروع الصعود إلى القمر.

أعجبتني جدا تلك المشاهد الرائعة لبعض الحوارات بين الشاب والمعنيين بكوميديا تعكس الصورة الذهنية السلبية المترسخة في هذا الجانب ليدخل الحوار بين شد وجذب مع الإداري ورئيس القسم والمدير، حتى أتاهم اتصال من جهة أكبر أربكتهم كثيرا وأمرتهم بتبني المشروع، فما كان منهم إلا أن استحوذوا على الأضواء كلها إعلاميا من الشاب ليخبروا الجميع بأنهم أكبر الداعمين لمشاريع طموحة ونوعية مثل هذه، وهكذا كانت المشاهد تتعاقب بالإضافة إلى تسليط الضوء على الواسطة التي طالت توظيف بعضهم نتيجة العلاقات والمحسوبية.

نعم، فنيا المسرحية بكل أكيد ليست كـ «الروع»، كانت بسيطة في الخشبة ولكنها عميقة في طرح الفكرة، وأعتقد بأن العرض صاحبته بعض المشاهد التي لم أحبذها بسبب ضعف الحوار أو الأداء فيها من البعض لدرجة أنك لو حذفتها لن تؤثر في العمل بتاتا، وهذه وجهة نظر شخصية سأناقشها بالطبع مع الصديق والمخرج سامي البوصافي رغم تذكيري لكم بأنني لست ناقدا فنيا، بل متذوق يقول رأيه القابل للخطأ.

ولكن لنتوقف قليلا عند مدى تفاعل الجماهير مع هذين العرضين، ألا تلاحظون بأن القضايا التي تناقش الفساد أو المحسوبية هي من تستحوذ على الإعجاب وبالأخص إن تم تقديمها وفق قالب فني راقٍ ومحترم وأساسها رمزية قوية كعمل «الروع» تدمج الأسطورة بالواقع ليصبح المعنى كالشمس!

المجتمعات الراقية هي التي تناقش قضاياها كذلك عبر الفنون المختلفة وأهمها المسرح الذي قدم لنا مواهب تمثيلية تجاوزت العديد من الممثلين في دول الخليج الذين نراهم مثلا على شاشات التلفاز، لدينا أيها الناس في المسرح طاقات فنية لو أعطت المجال أكثر لكان لها شأن فني لا يقل عن أي ممثل عربي شاب نعجب بأعماله.

نصر البوسعيدي كاتب عماني