- محمد الملا: بشكل مبدئي هناك خطة لتقديم (المغيسل) في سلطنة عمان في العاصمة مسقط

- عبدالرحيم الصديق: معظم المهرجانات المسرحية العالمية لا تمنح جوائز للمشاركين لأسباب موضوعية

قررت زيارة دولة قطر الشقيقة أنا والعائلة خلال هذه الأيام التي تتزامن مع انطلاق مهرجان الدوحة المسرحي في نسخته الـ 35 والتي تمتد أيامه إلى 29 من شهر مايو الحالي، ليكون من نصيبي حضور عرضين مسرحيين، الأول افتتاحي بعنوان "50 عاما مسرح"، وهو عرض احتفائي بمرور 50 عاما على نشأة المسرح في دولة قطر، أما العرض الثاني، والذي هو محور حديثي في هذه الأسطر، عرض بعنوان "المغيسل" للكاتب الشاب تميم البورشيد، وإخراج الصديق العزيز محمد يوسف الملا، وهو صديق كسبته في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي.

دار الحديث بيننا كثيرا حول مواضيع عديدة، ومنها تجربته الاخراجية الأولى لعرض "المغيسل" بعد 17 عاما في التمثيل المسرحي اكتسب خلالها مهارات عديدة أهلته بجدارة لتولي زمام اخراج عرض مسرحي ضمن نخبة من العروض المسرحية القطرية على مسرح الدراما في منطقة كتارا بالعاصمة الدوحة.

حضرت العرض التراجيدي والذي تحدث عن فلسفة عميقة حول العلاقة بين الحياة والموت، بين الخير والشر، بين الإنسانية والوحشية التي تُزرع في نفس الانسان مع مرور الزمن ونظرا للظروف التي تُحاط به، الظروف التي تغرس في نفس الانسان ثمرة الحقد والشر والانتقام، حيث تجلت تلك الفلسفة في العمل المسرحي في مواضع كثيرة، منها قول شخصية أيوب، وهو مغسل الموتى ودافنهم "محد فينا ينولد وهو بداخله شر .. الإنسان ينولد ويطلع من رحم أمه طاهر .. ويتنجس بنجاستكم .. ويأخذ من شر نفوسكم..".

أيوب في العمل المسرحي هو الشخصية المحورية، الذي نشأ وتربى في ظل تفكك أسري وعنف جسدي وعقد نفسيه أدت به إلى أن يصبح في المستقبل قاسي القلب، مجرما، ضامرا للأحقاد والاسرار، واستطاع المخرج توظيف تلك العقد على خشبة المسرح، فكانت الرمزية حاضرة على المسرح من خلال أرقام مكتوبة من العدد "1" إلى العدد "6"، لتتضح تلك الرمزية من خلال حديث النفس، فأيوب يصرخ متذكرا ما مر به من ألم، ويعد "واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة"، ليتنقل المشهد إلى "فلاش باك"، أو "مشهد يعود بالزمن إلى الوراء"، لطفل يكمل العد "أربعة، خمسة، ستة" مع صوت مرأة تصرخ عليه "كمّل العد لين المية، ولا والله ما اطلعك من الغرفة، واخليك تخيس مع الفيران يا الخايس"، لتكون الأرقام رمز لتواصل العقد وتأثيرها على شخصية أيوب مع تعاقب السنوات.

تناول العرض العديد من القضايا الاجتماعية، في عمل يتجرد من عنصري الزمان والمكان، منها النظرة الدونية للمرأة، وتأثير المجتمع الذكوري على النساء، والسعي إلى السلطة، وغيرها من الأمور.

أما الفرجة البصرية فأقل ما يمكن وصفها بأنها مبهرة، احتوى على مشاهد استعراضية مفاجئة، منها المشهد الأول وتساقط الجثث على المسرح في إشارة إلى حضور الموت وعتمته وعتمة القبور، كما أن الإضاءة في العمل المسرحي كانت بمثابة الديكور المتحرك التي أعطت ابعادا مختلفة، ساهمت في تكوين مشاهد الـ "الفلاش باك"، وكذلك في حديث النفس بالنسبة بشخصية "نشوان" ذلك الشاب الأبكم والذي يملك أسرار أهل القرية واحدا واحدا، ولكنه كصندوق خشبي، إذ استطاع المخرج توظيف الإضاءة بشكل ذكي، فمع لحظة الحماس والحوار بين "نشوان" وبقية الشخوص، تنتقل الإضاءة إلى وجه "نشوان" للحديث بصوت مسموع "حديث نفس"، إلى جانب توظيف الإضاءة في المشهد التخيلي للعرس الذي جمع "شمس" بـ "عياش"، كما ان تحريك عناصر الديكور على محور العمق اعطى مشهدا ثلاثي الأبعاد ونوع من التأثير السينمائي على خشبة المسرح، إضافة إلى استغلال مساحات المسرح والارتفاع ليشكل المخرج بذكائه صفا علويا آخر وظفه لصالح العمل.

ومن ناحية تسلسل الأحداث، فقد نجح الكاتب والمخرج معا في توصيل الفكرة النص، بداية من المشاهد الغامضة والتي تطرح في النفس العديد من التساؤلات، وانتهاءً بتفكك العقد وانكشاف تلك الالغاز واحدة تلو الأخرى، لينتهي العمل بشكل غير متوقع، ونهاية تخرج من الصندوق المعتاد، حيث انصر الشر!

تفاعل إيجابي

وفي لقاء مع مخرج العمل، وحول تجربته الاخراجية الأولى قال: "سأتحدث أولا عن انطباع الجمهور، كان ردة فعله صادمة بالنسبة لي، لم أتوقع هذا الحضور الكبير، وهذا التفاعل والتصفيق، رغم أن العمل سوداوي وكئيب جدا، وغالبا الاعمال النخبوية أو الأكاديمية لا تستهوي الجمهور العام، ولكن بهذا العرض لمست تفاعل الجمهور الإيجابي ولله الحمد".

وحول رده على رأي أساتذة المسرح في الجلسة التعقيبية، والتي كانت صريحة إلى حد كبير، قال الملا: "رأي الأساتذة يزيدني خبرة وعلما في مجال المسرح، جميع الانتقادات والملاحظات سوف تؤخذ أكيد بعين الاعتبار، وباذن الله سنقدم عملا قادما أجمل من هذا العمل، بالنسبة لي هذا تحدٍ كبير، لقد قدمت فرجة بصرية، وخدع بصرية وتقنيات، وضعتني في موضع صعب في العمل القادم".

وفيما يتعلق بغياب الجوائز قال الملا: "حب المسرح لا يغير شيئا، سواء أكان المهرجان تنافسيا أو غير تنافسي، أنا أقدم عملا لأجل المسرح، انطلاقا من حبي للمسرح، تشجيع الجمهور بعد العرض وتشجيع النقاد كان أكبر فوز لنا، ولو كان المهرجان تنافسيا لكان من الممكن أن يحفزنا للمرات القادمة".

وعن جديد الملا القادم قال: "حاليا أن احتاج إلى وقت للراحة، وليست لدي خطة لأعمال قادمة، منذ يناير الماضي وانا في اشتغال دائما بداية من الاشتغال لعرض (غجر البحر) الذي تم تقديمه في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، وبعد ذلك واصلت الليل بالنهار مشتغلا أنا والفريق على مسرحية (المغيسل)، حاليا أحتاج إلى وقت لتنشيط العقل والفكر، وذلك لتقديم أعمل أفضل في المرات القادمة، ولكن بشكل مبدئي هناك خطة لتقديم (المغيسل) في سلطنة عمان في العاصمة مسقط".

35 عاما

وحول مهرجان الدوحة المسرحي، كانت لي فرصة للحديث مع مدير المهرجان عبدالرحيم الصديقي، مدير عام مركز شؤون المسرح، والذي قال: "مهرجان الدوحة المسرحي عريق يصل اليوم إلى دورته الخامسة والثلاثين، عادة يقوم مركز شؤون المسرح بإعلام المسرحيين أنه يرغب بتقديم عروض مسرحية ضمن المهرجان ويطلب منهم إرسال النصوص المقترحة والتصور الإخراجي المبدئي لها وتفاصيل أخرى تقنية مثل عدد الممثلين ونوعية الديكور إلى ما هنالك، بعد تقوم لجنة بقراءة النصوص المقترحة وإبداء الرأي بصلاحيتها للتقديم، علماً أن اللجنة تطلع على نصوص مغفلة ولا تحمل أسماء أصحابها توخياً للموضوعية، أما من ناحية المشاركات فهي بشكل أساسي للفرق المسرحية الثلاثة العاملة في قطر، فرقة الدوحة، فرقة الوطن، وفرقة قطر المسرحية، كما تشارك المؤسسات الخاصة بعدد من المشاريع، وصل في هذه السنة إلى خمسة مشاريع، وقد ارتأت إدارة المهرجان ضمن مركز شؤون المسرح أن تقدم بشكل مواز للمهرجان عروضاً للجاليات المقيمة في قطر وشاركت في هذا العام الجالية اليمنية والجالية السودانية بعرضين متميزين، وكذلك ارتأينا في هذا العام أن ننقل نشاطات مهرجان المسرح الجامعي ليقدم أثناء وبشكل مواز لمهرجان الدوحة المسرحي، وذلك ليطلع المسرحيون على الجيل الجديد من العاملين في هذا المجال، وليرى الشباب أعمالهم في عيون المسرحيين المحترفين، وقد شاركت معنا في هذا العام جامعتان هما جامعة لوسيل وجامعة قطر، كما أسسنا في هذه السنة وللمرة الأولى فرقة للمواهب من الهواة الذين يصعدون على الخشبة للمرة الأولى، وقد شاركت فرقة المواهب بعرض تم تقديمه في اليوم الأول من المهرجان. وبذلك يكون عدد مجمل العروض المقدمة في هذه الدورة من المهرجان 13 عرضاً مسرحياً".

وحول غياب التنافس والجوائز في المهرجان قال الصديقي: "لا شك في أن تصفيق الجمهور مطولاً في نهاية العرض هو أجمل مكافأة يشعر بها المسرحيون بعد انتهاء عملهم، وكلنا نعرف جمال تلك اللحظة التي ينحني فيها الممثلون مراراً أمام الجمهور فيشعرون أن جهودهم قد تكللت بالنجاح. والعكس صحيح. والحقيقة أن روح المنافسة موجودة دائماً بين المسرحيين الذين يتطلعون دائماً إلى التميز عن أقرانهم، وتقديم هذه العروض ضمن المهرجان هو بحد ذاته بمثابة مقارنة يقوم بها الجمهور والمسرحيون بشكل تلقائي. كذلك تتجلى روح المنافسة في النقاش الذي يتم ضمن الندوات التي تلي العرض، حيث يتحدث المسرحيون عن انطباعاتهم عن العروض الأخرى بشكل موضوعي ويستمعون إلى رأي النقاد في تلك العروض، لقد قصدنا أن نلغي الجوائز هذا العام لأسباب، منها لتكون المنافسة مبنية على الجودة والقيمة الفنية ونجاح العمل لدى الجمهور وليس توخياً للربح المادي، ولأننا في مجال الفنون ولسنا في شركات إنتاجية، ومن جهة أخرى، كثيراً ما يعترض الذين لم ينالوا الجوائز وتغمرهم مشاعر الحزن والإحباط من جراء ذلك، كما يتبادر إلى ذهنهم أن الغبن قد طالهم بسبب عدم حصولهم على الجوائز، مما يؤدي في المحصلة إلى اعتراضات ومهاترات نحن في غنى عنها، وننوه هنا إلى أن معظم المهرجانات المسرحية العالمية لا تمنح جوائز للمشاركين فيها للأسباب التي ذكرتها ونحن نريد أن نكرس هذا التقليد في بلدنا، بالمقابل، يمكن لنا أن نقدم جوائز معنوية من خلال إفساح الفرصة أمام العروض المتميزة لكي يعاد تقديمها خلال الموسم المسرحي، كما أننا ندرس إمكانيات أخرى يمكن أن نعلن عنها لاحقاً".

وفيما يتعلق بالنشاط المسرحي عموما في دولة قطر، قال مدير المهرجان: "مهرجان الدوحة المسرحي هو المهرجان الرسمي الذي تنظمه وزارة الثقافة ممثلة بمركز شؤون المسرح، هناك جهات أخرى يمكن أن تنتج أو تمول استقدام عروض مسرحية للأطفال أو ضمن فعاليات الأعوام الثقافية، أو بمناسبة بعض النشاطات الفنية والفكرية، لكن ذلك لا يتم في إطار مهرجان معين، نتمنى أن نصل في يوم من الأيام لوجود عدة مهرجانات تغني الحياة المسرحية في قطر وتعطي للجمهور تنوعاً في ما يقدم".