1- جاء في المادة «92» من قانون التعليم المدرسي الجديد أنه إذا لم يلتزم ولي أمر الطالب بتسجيله أو متابعة انتظامه في الدراسة تُتبَع حياله عدد من الإجراءات تصل إلى معاقبته بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 500 ريال عُماني ولا تزيد على 1000 ريال عُماني أو بإحدى هاتين العقوبتين إلا في حالة تراخي إدارة المدرسة عن إشعاره بعدم انتظام ابنه أو ابنته.

ولأنني كنت أتابع بشغف ردود الأفعال تجاه هذا الإجراء الذي عُدَّ بأنه «غريب وغير مألوف» وقعتُ على تعليق ساخر مسجل لشخص يقول فيه: «بو ناوي يصلي يحيدها القبلة» وهو بذلك إما يتنصل من مسؤوليته ويعي إهماله وإما أنه بلغ مرحلة من اليأس لم يعد فيها قادرا على إصلاح ابنه أو ابنته لأسباب مختلفة غالبا يجهلها، وفي الحالتين توجد مشكلة ولا بد من تحديدها. ومع أن شريحة من الناس تقف مع هذا الإجراء خاصة المتعلمين إلا أن البعض يرى وجهة نظر مختلفة ترتكز على ضرورة فهم الأسباب المحتملة غير المُشّخصة التي قد تقف وراء ظاهرة التسرب المدرسي، منها غياب أساليب الترغيب والتحفيز داخل الصف واعتماد العقاب كحل وحيد لأي مشكلة وتهميش ذوي القدرات المحدودة إضافة إلى العلاقات السلبية المتوترة بين الطالب والمعلم وربما التنمر الذي قد يقع عليه من قبل زملائه أو لوجود إشكالات نفسية كامنة لا يستوعبها ولي الأمر. من الأسباب المحتملة أيضًا المستوى التعليمي المتدني لولي الأمر والتفكك الأُسري وانخفاض مستوى معيشة الطالب الذي قد يُدفع به للبحث عن عمل إضافة إلى أسباب أُخرى من بينها صعوبة المناهج الدراسية وكثرة الواجبات. السؤال الأهم هُنا: من هو المسؤول عن تسرب الطالب من المدرسة لو اجتمعت بعض هذه الأسباب؟؟

2- في التسعينيات عندما ظهر إلى الوجود جهاز صغير اسمه «الهاتف النقال» وتحول حُلم أن تستطيع التواصل مع من حولك والعالم بضغطة زر إلى حقيقة لا مِراء فيها لم يكُن أحدنا ليتخيل أن هذا الجهاز سيكون ضرورة حياتية لا غِنى عنها وأن افتقاده ولو لوقت قصير قد يسبب لنا ارتباكًا يتعدى الشعور بالقلق والتوتر ليمتد إلى التأخر عن إنجاز الأعمال والمعاملات وخسارة الصفقات والانقطاع عما يحدث حولنا وما يستجد في العالم.

«الهاتف النقال» الذي وُلد بمهام محدودة لا تتعدى الاتصال واستقبال المكالمات الصوتية والرسائل النصية بعد معاناة مع مُستقبِل الاتصالات الأبكم «البليب» تخطى كل التصورات بأجياله التي تتناسل بلا توقف فأصبح «ذكيًا» يملك إمكانات خيالية بقدرته على استيعاب البرامج والتطبيقات الحديثة المتطورة وإمكانات التصوير المُذهلة التي تتسابق الشركات المُصنعة لتحسينها.

تتوقف حياتنا وتضطرب فعلًا إذا فقدنا هذا الصندوق الصغير أو وقع في يدِ غريب وكان غير مُسيّج بكل أنواع الأمان أو تعطل لسبب فني.. نُصاب بالجنون إذا تجرأ أي فيروس من الفيروسات الخبيثة فاخترقه ودمر ما نخاف عليه وما لا نخاف من فقدانه. وبقدر ما يمنحنا من خدمات لا أول لها ولا آخر إلا أن هذا الصديق الحميم «المُخاتل» لم ولن يكون بريئا من ضلوعه في الكثير الكوارث النفسية والاجتماعية والمعرفية فغالبا ما يكون المتهم الأول في تفكك العلاقات الاجتماعية بصورها العديدة وجرها إلى حد «التبلد». من هذه الصور ما تشير إليه الدراسات إلى أن الهاتف النقال كان مسؤولا عن وقوع حالات كثيرة من الطلاق وفقدان الأطفال دون العاشرة لتركيزهم ومهارات التواصل الاجتماعي لديهم وارتفاع معدل نسبة حوادث السير وإزعاج الآخرين والإساءة لهم إلكترونيا مع أن هذه الأداة التي لا يمكن الاستغناء عنها كفيلة بتحقيق العديد من الأهداف لو تم توظيفها التوظيف الصحيح في التعلم واكتساب المعارف وزيادة مصادر الدخل والترفيه والتواصل مع العالم والتعرف على مستجدات ما يحصل داخل الكوكب.

آخر نقطة..

تجلسُ قُبالتي

مُزدحمةَ الذِهنِ

تُفكر في شيءٍ مَا

تومضُ شَاشةُ هاتِفها وتنطفئُ

تومضُ الشاشةُ وتنطفئُ

بينما تُعربدُ داخِلَ صَدري

عفاريتُ الإنسِ والجِنِّ.

عمر العبري كاتب عماني