(قلوب محشورة في الحناجر)

أعرفُ تماما كيف يكبرُ الصمت

في كفّ امرأة،

كيف يتسلق جسدها ويعلو

ويصير جدرانا وسقفا،

كيف تحشرُ قلبها كله في حلقها،

ثم تتهاوى من حنجرةٍ تحترق بالكلام.

كيف تغرز بالبكاء أصابع الليل،

وكيف تموتُ مراتٍ ومرّات

مختنقةً بثوبها الطويل.

أعرف كيف تسيلُ أكحالنا

مطراً في الذاكرة لا يتوقف،

كيف تنمو ذكرياتنا

حشائش ضارة

ووشوما مخضرّةً على أجسادنا

وكيف تكبر رؤوسنا

مشبعةً بالنهشِ، والخوفِ

والأحلام المتورّمة.

لم ينقذنا حبٌّ،

ولم يبرّر خساراتنا ثمن،

لم يحتضننا أحد،

وكل يدٍ ممدودة لنا،

كانت محاولة جديدة

لدفننا في الرمال.

كل امرأة عرفتها،

تصرخُ من ثقبٍ في جسدي،

فهل كان صراخنا بطيئا ونائيا

إلى الحدّ الذي انهارت فيه بيوتنا

ولم ترَ أي نافذةٍ في العالم

كم نتألم؟

(وحدة)

نحن وحيدات جدا،

منذُ اللحظةِ الأولى التي تنفستْ فيها بذرةٌ في أرحامنا،

منذُ دمعتنا المراقة على جانبيْ المرآة،

وحبوب الغثيان المرصوفة بجانب الأسرّة،

والشوك الذي ينبتُ أسفل ظهورنا،

الخطوط البيضاء أو المائلة للحمرة،

والكعوب المنسيّة في غبار الرفوف.

منذُ أن صارت أجسادنا

مشروعا قابلا للتمدد دون توقّف

ومنذ أن انقطع الحبلُ من السرّة

والتفّ حول رقابنا.

نحن وحيدات جدا..

وحدسنا أشدّ مرارة،

والفراغات بين أصابعنا،

مجرّد دموعٍ لا تُرى.

نتحدّث مع الأشياء كأنّها تعرفنا

نمسك الفرشاة لنغطّي السواد

بالمساحيق كل صباح

ولا أحد يسألنا؛ لماذا انغمسنا فجأةً في الظلال؟

لماذا نتوقف عن الهطول،

أو نهطلُ بتلك الغزارة؟

لا أحد يعرفُ زرقة الماءِ الذي نغرق فيه،

والملح الذي يتكوّم في حناجرنا،

لا أحد يمسكُ بالوحش الذي يركض خلفنا

أو يهدّئ من روعنا -على الأقل-

ولا أحد يعرفُ كيف لجرحٍ في اصبع صغير

أن ينزف في قلوبنا دماً وعجزا.

في الحقيقة، لا أحد يهتمّ أن يعرف،

كيف نفتقُ جلودنا ونعيدُ خياطتها

بالجرح نفسه

كيف نقطّع أحلامنا بالسكّين بإرادتنا

نحنُ المنتبهاتُ جدّاً لهشاشة العالم، وحساسيّته

المفرطة،

نلفّ الحبال حولَ أقدامنا المجنونة بالركض،

حتى لا نسقط في حفرتين غائرتينِ في وجوهنا.

عائشة العبدالله شاعرة كويتية