لفتت الرواية في السنوات الأخيرة أنظار القراء والمهتمين إلى الأدب العُماني، بعد حصادها أهم الجوائز الدولية والعربية في الجنس الروائي، فمن جائزة مان بوكر وسيدات القمر لجوخة الحارثي، مرورا بدلشاد بشرى خلفان وجائزة كتارا للرواية العربية، وصولا إلى الفوز الكبير الذي حققته تغريبة القافر لزهران القاسمي في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) 2023.

هذه الجوائز المستحقة لأعمال أصحابها اتخذت من المكان العماني ساحة للسرد، والثقافة العمانية مادة للحكاية، ويعرف المطلع على مكونات الثقافة العمانية أنها منجم للإبداعات المتعددة، ليس للسرد فحسب بل لفنون بصرية وأدبية أخرى، نظرا لتنوع الثقافة العمانية وتعدد مكوناتها، إذ أسهم الموقع الجغرافي والتاريخ السياسي لسلطنة عمان في خلق هوية عمانية غنية وثرية بالمعارف والتجارب الإنسانية، فمن الثقافة العربية والهندية والفارسية والأفريقية، يستقي الراوي العماني مادته وينسج قصصه وحكاياته.

إن تأخر الأدب العماني عن أنظار النقاد -حسب رأيي- يرجع لعدة أسباب داخلية وخارجية، داخلية، نظرا لتأخر التعليم والمراكز الثقافية ووسائل الإعلام وخاصة الصحف والمجلات.

وخارجية بسبب هيمنة نظرية المركزية والأطراف في الثقافة العربية، وكأن المقولة المنسوبة لعميد الأدب العربي طه حسين « القاهرة تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ» أصبحت قاعدة وأمرا مسلّما به في الحكم على الأعمال الأدبية، وليس المعني بالمقولة ثلاثية النشر(التأليف والطبع والقراءة)، فما يكتبه القادمون من الأطراف لا ينال حظه من الاهتمام، وما يُؤلف في مدن المركز تُسلط عليه الأضواء، لكن الحال تبدل وأصبحت الأطراف في الدول المغاربية تُغني المكتبات بالمؤلفات الفكرية والأدبية والفلسفية، وكذلك الطرف الشرقي من الوطن العربي، إذ أصبح «الخليج يكتب ويقرأ ويطبع» كما كتب الدكتور حسن مدن في صحيفة الخليج (25 مارس2021).

يمنحنا فوز الأدباء العمانيين بالجوائز الثقافية الشعور بالفرح والبهجة، لأن الكتابة مهنة شاقة ومضنية تستحق الاعتراف بنتاجها ونتائجها، ولأن العمل المتوج يُعبّر عن الإنسان العُماني المتصالح مع ذاته وبيئته التي تماهي مع سحرها وقسوتها وصلابتها، ونأمل من الفائزين تجنب تأثير الجوائز الأدبية على أصحابها كالإرهاق والضغوطات الهائلة مثلما وصفتها الروائية هدى بركات الفائزة بجائزة البوكر العربية نسخة 2019 (جريدة المدن الإلكترونية 2 فبراير2022).

لعل أبسط الضغوط فقدان الحرية الشخصية في الأماكن العامة، التي هي بالأساس ضريبة الشهرة. وأيضا هم إصدار العمل الأدبي الجديد ما بعد بالجائزة فهل يتجاوز الكاتب عمله الفائز؟، أم يتراجع نتيجة الأضواء المسلطة عليه، وتلقي عشرات الدعوات التي تنهال عليه لحضور الفعاليات الثقافية واللقاءات الإعلامية.

إن تتويج الكتاب العُمانيين بالجوائز الأدبية العربية والعالمية يمثل قوة ناعمة عُمان ونوعا من أنواع الاستثمار الثقافي الذي يسهم بشكل أو بآخر في الترويج لعُمان على كافة الأصعدة الثقافية والسياحية والاقتصادية، لذلك نأمل أن تصدر القوانين والتشريعات التي تشجع المبدعين على مواصلة الإنتاج الأدبي والفكري والفني، منها على سبيل المثال التفرغ من العمل لإنجاز العمل الإبداعي.

تعيش الرواية العربية عصرها الذهبي لأسباب عديدة، منها قدرتها على استيعاب التحولات الاجتماعية والسياسية والتفاعل معها، وكذلك الجوائز الممنوحة لهذا الجنس الأدبي قال عنها الكاتب الأمريكي جوناثان غوتشيل (1972) في كتاب الحيوان الحكاء (ترجمة بثينة الإبراهيم، منشورات تكوين).

«يبالغ ديفيد شيلد - كاتب أمريكي- في قوله انظر إلى الرواية، التي يُبالغ في الأقاويل حول هلاكها إلى درجة السخافة. يحب مثقفو الأدب، لسبب ما أن يُمعنوا -على نحو مازوشي- في فكرة أننا نعيش الأيام الأخيرة للرواية، ومع ذلك تُنشر عشرات آلاف الروايات حول العالم كل عام، وبأرقام إجمالية لا تنقص بل ترتفع، حيث تُنشر كل رواية جديدة في الولايات المتحدة وحدها كل ساعة وتباع هذه الروايات بشكل هائل ويمتد تأثيرها الثقافي عبر تحويلها إلى أفلام».

نبارك لكل الكتاب والكاتبات الذين أسهموا في التعريف بالأدب العُماني عربيا ودوليا، وقدموا خدمة جليلة لصُنّاع الحرف والمعنى، ونتمنى لهم المزيد من التألق والنجاح في أعمالهم القادمة.