hotmail.com@ 680 Salim

تلاقي مسارات الحضارتين العُمانية والمصرية منذ قدم التاريخ يخدم الواقع المعاصر في عدد من المحاور، التي بدأت بعلاقات تجارية واقتصادية منذ زيارة الملكة حتشبسوت قبل أكثر من 3000 عام لمحافظة ظفار بعد النقش الذي وُجِد على جدران معبد الدير البحري بوادي الملوك بمصر، ونتج عنها تصدير اللبان والبخور والصمغ العربي وقبلها الحديد والخشب من حضارة مجان إلى حضارة الفراعنة، ليعود ذلك الاهتمام التجاري والاقتصادي اليوم إلى التنامي مرة أخرى بين البلدين بعد أكثر من نصف قرن من هذه العلاقات التي طغت فيها السياسة أكثر على الجانب التجاري، وسجلت علامات امتياز في واقعيتها.

هذا الامتداد التاريخي لهذه العلاقة المتواصلة عبر مراحل التاريخ بين الجانبين، جسّدتها زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله -إلى مصر الكنانة خلال اليومين الماضيين، التي التقى فيها بفخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

تأتي أهميتها لمحورية الدولة المصرية في المنطقة وعلى مستوى العالم وتأثيرها في المحيط العربي والإسلامي وموقعها الجغرافي الذي يتوسط الوطن العربي وأوروبا وأفريقيا وإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتوقعات نموها الاقتصادي في قطاعات متعددة، التي وصفها ذات يوم جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- بـ«عكاز العرب».

وتتويجًا لزيارات تاريخية في العصر الحديث لعل أبرزها في عام 1875م التي زار فيها السلطان برغش بن سعيد مصر، و1928م في 15 نوفمبر زار فيها السلطان تيمور بن فيصل مصر، وعام 1944م في 13 أبريل زار فيها السلطان سعيد بن تيمور -رحمهم الله جميعا- مصر ولقاء الملك فاروق. ومنذ عام 1972 تبادل السلطان قابوس والزعيمَان المصريَان أنور السادات وحسني مبارك 16 زيارة بين رسمية وخاصة رسّخت مفاهيم جديدة للعلاقات.

هذه الزيارة ركزت على ملفين مهمين، هما المساران السياسي والاقتصادي، وأبرز ما ركز عليه الجانب السياسي هو تقييم ومراجعة العلاقات العربية - العربية بعد المصالحات التي تمت قبل وخلال القمة العربية الأخيرة ولعل أبرزها عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، وإعادة العلاقات السعودية الإيرانية، ونتائج ذلك على الملفين اليمني والسوري وتقييم الأوضاع في ليبيا والسودان، والتأكيد على تصفير الأزمات العربية داخل الدول أو ما بين بعضها.

الملف الاقتصادي أولاه كل من جلالة السلطان والرئيس المصري أهمية بالغة من خلال التركيز على ضرورة الارتقاء بالتبادل التجاري من مليار و80 مليون دولار في عام 2022م بنسبة نمو 66%عن عام 2021م وذلك إلى أعلى من هذه الأرقام التي تعد أقل من المتوقع نظرا للعلاقات السياسية المتميزة بين البلدين، وفتح المزيد من المجالات للمستثمرين ورجال الأعمال، وتسهيل تدفق رؤوس الأموال وتبسيط الإجراءات عبر الكثير من الحوافز والامتيازات.

ولعل أبرز ما وُقِّع من اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الجانبين اتفاقية إعفاء الازدواج الضريبي بين البلدين، واتفاقية التعاون المالي والاقتصادي، ومذكرة تفاهم سياسية فيها من البنود ما يسمح بالتحرك في مساحات الحوار السياسي والتشاور بينهما.

وقد وصف معالي قيس اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار الشراكة العُمانية المصرية، بأنها «يمكن أن تُؤسس على قواعد أكبر من العمل المتكامل بين البلدين، ليس على المستوى السياسي والتاريخي والثقافي فحسب، بل على مستوى الانفتاح الاقتصادي، والتبادل التجاري والتعاون الاستثماري».

هذه الزيارة تأتي في إطار اهتمام جلالته بتوسيع سلة الاقتصاد العماني مع الدول المهمة المحورية في المنطقة والعالم لأنه يراد له أن يكون قاطرة المستقبل لتخفيف الاعتماد على إيرادات النفط المتقلبة.