وجدتني دون كثير تفكير أُمسك بالهاتف وأسجل رسالة صوتية " قلِقة " وجهتها إلى مالك مركز التأهيل الذي يذهب إليه ابني الذي يُعاني من اضطراب التوحد لأستوضح حقيقة ما يُتداول عبر منصات التواصل الاجتماعي حول وجود إساءة جسدية أوقعها أخصائي بطفل من ذوي الإعاقة بأحد مراكز التأهيل.
إثر رد الرجل أحسست بالهدوء لأن المركز المتورط ليس هو الذي يذهب إليه الابن، لكنني استشعرت سعادة غامرة لسرعة استجابة وزارة التنمية الاجتماعية التي لم تتأخر في إصدار بيان رسمي يؤكد تدخلها المباشر وقرارها إيقاف المركز عن تقديم خدماته حتى إشعار آخر وإحالة المخالفين إلى الجهات المختصة.
تفتح هذه الحادثة التي ربما تتكرر " لكن يتم التستر عليها " ملف هذه الفئة من جديد وتطرح الكثير من الأسئلة حول واقع مراكز التأهيل في سلطنة عُمان خاصة التي يتبناها القطاع الخاص سواء في مسقط أو خارجها في المحافظات "إن وُجدت".
وقبل الشروع في الحديث عن هذا الواقع وتحديد ما تفتقر إليه المراكز من إمكانات تنهض بعملية التأهيل تذكرت بمرارة حال العديد من الأسر العمانية التي تتمنى وجود مراكز تأهيل متطورة في ولاياتها.. كما تذكرت معاناة الأُسر التي اضطرت للعيش في بلد خليجي به مراكز متطورة وأن تكابد ألم فراق الوطن وصعوبة المعيشة بسبب قرارها الذي تأمل أن يساعد في تأهيل ابنها أو ابنتها ليبلغا الحد الأدنى الذي يجعلهما معتمدان على نفسيهما.
لم تجد أُسر كثيرة خاصة "محدودة الدخل" ممن لا تقوى على معيشة العواصم بسبب تلك المعضلة حلا إلا الاستئجار أو السكن على مضض في مسقط، حيث تتوفر "إلى حد ما" مراكز التأهيل ويوجد المتخصصون مع تحمل تبعات ذلك القرار مستقبلًا.
ولأجل هذا كله ولأن الحال لا يعلمه إلا أصحابه، فإنني أتمنى أن ينظر في تأسيس مراكز متطورة في كل محافظة من محافظات عمان، فالصعود المخيف لعدد حالات التوحد والإعاقات الأُخرى - حسب المؤشرات المحلية والدولية- سيشكل مع الوقت مصدر استنزاف لموارد مالية يمكن أن يُستفاد منها في مشاريع تنموية مختلفة.. كما أن هؤلاء الأبناء وهم يعيشون العهد المُشرق لجلالة السلطان المفدى يستحقون الأفضل.
لقد بات من الضرورة الالتفات إلى فئة من يعانون اضطراب التوحد والإعاقات الأُخرى، فبقاؤها خارج الاهتمام الكافي يُحولها إلى " قنبلة موقوتة " ولا يتم ذلك الالتفات إلا بحمايتها من مختلف أنواع الاضطهاد والتمييز والتنمر وبتسخير كافة وسائل المراقبة والعمل على استقطاب أفضل الأخصائيين لمساعدتها على التفاعل واعتماد أساليب علمية لتأهيلها وعمل مراجعة مستمرة للبرامج المُعتمدة حاليًا والتي أثبتت من خلال التجارب الشخصية عدم جدواها واستبدالها بأخرى حديثة تجعل من هذه الشريحة قادرة على التفاعل مع المجتمع بل والمساهمة في الإنتاج وبناء الوطن.
كما يتوجب التعامل بحزم مع الأخصائيين الذين تثبت إساءتهم لمن يعانون أي نوع من الإعاقة، فهم بحاجة ماسة للرحمة والتعامل الإنساني لأنهم لا يملكون قدرة الرد والدفاع عن أنفسهم والتعبير عن متاعبهم واحتياجاتهم.
ومن المهم أيضًا أن يُدرج اضطراب التوحد ضمن مناهج كلية الطب بجامعة السلطان قابوس والكليات التخصصية الأُخرى وكليات التمريض وأن يُحفز الطلاب على اختيار التخصصات التي تُعنى بفهم هذا الاضطراب والتعامل معه، إذ سيفرض ذلك التوجه فتح عيادات تخصصية تقدم خدمات نوعية لمن يعانون اضطراب التوحد المُستعصي على الفهم.
من جانب آخر على أصحاب مراكز التأهيل الخاصة الإيمان بأن دور مراكزهم إنما هو "إنساني" قبل أن يكون "ربحيا" وإذا كان لا مناص من البحث عن الربح فإنه يجب أن يقترن بتحقيق تطور حقيقي لأي حالة إعاقة، فالربح على حساب طفل لا يتطور يعد ربحا ذا وجه قبيح.. عليهم توفير مبانٍ مهيأة لوجود أطفال مختلفين لضمان توفر خصوصيتهم وعدم اللجوء إلى بناء أو استئجار مبان لا تتوفر فيها البيئة الصحية والنفسية المناسبة.. يتوجب عليهم جلب وسائل تأهيل وأدوات تعليم حديثة تتماشى مع التطور الحاصل في طرق التأهيل التي تعتمدها الدول المتطورة.
آخر نقطة..
" يجب فهم الحياة إلى الوراء ولكن يجب أن نعيشها إلى الأمام". (سورين كيركيجارد)
إثر رد الرجل أحسست بالهدوء لأن المركز المتورط ليس هو الذي يذهب إليه الابن، لكنني استشعرت سعادة غامرة لسرعة استجابة وزارة التنمية الاجتماعية التي لم تتأخر في إصدار بيان رسمي يؤكد تدخلها المباشر وقرارها إيقاف المركز عن تقديم خدماته حتى إشعار آخر وإحالة المخالفين إلى الجهات المختصة.
تفتح هذه الحادثة التي ربما تتكرر " لكن يتم التستر عليها " ملف هذه الفئة من جديد وتطرح الكثير من الأسئلة حول واقع مراكز التأهيل في سلطنة عُمان خاصة التي يتبناها القطاع الخاص سواء في مسقط أو خارجها في المحافظات "إن وُجدت".
وقبل الشروع في الحديث عن هذا الواقع وتحديد ما تفتقر إليه المراكز من إمكانات تنهض بعملية التأهيل تذكرت بمرارة حال العديد من الأسر العمانية التي تتمنى وجود مراكز تأهيل متطورة في ولاياتها.. كما تذكرت معاناة الأُسر التي اضطرت للعيش في بلد خليجي به مراكز متطورة وأن تكابد ألم فراق الوطن وصعوبة المعيشة بسبب قرارها الذي تأمل أن يساعد في تأهيل ابنها أو ابنتها ليبلغا الحد الأدنى الذي يجعلهما معتمدان على نفسيهما.
لم تجد أُسر كثيرة خاصة "محدودة الدخل" ممن لا تقوى على معيشة العواصم بسبب تلك المعضلة حلا إلا الاستئجار أو السكن على مضض في مسقط، حيث تتوفر "إلى حد ما" مراكز التأهيل ويوجد المتخصصون مع تحمل تبعات ذلك القرار مستقبلًا.
ولأجل هذا كله ولأن الحال لا يعلمه إلا أصحابه، فإنني أتمنى أن ينظر في تأسيس مراكز متطورة في كل محافظة من محافظات عمان، فالصعود المخيف لعدد حالات التوحد والإعاقات الأُخرى - حسب المؤشرات المحلية والدولية- سيشكل مع الوقت مصدر استنزاف لموارد مالية يمكن أن يُستفاد منها في مشاريع تنموية مختلفة.. كما أن هؤلاء الأبناء وهم يعيشون العهد المُشرق لجلالة السلطان المفدى يستحقون الأفضل.
لقد بات من الضرورة الالتفات إلى فئة من يعانون اضطراب التوحد والإعاقات الأُخرى، فبقاؤها خارج الاهتمام الكافي يُحولها إلى " قنبلة موقوتة " ولا يتم ذلك الالتفات إلا بحمايتها من مختلف أنواع الاضطهاد والتمييز والتنمر وبتسخير كافة وسائل المراقبة والعمل على استقطاب أفضل الأخصائيين لمساعدتها على التفاعل واعتماد أساليب علمية لتأهيلها وعمل مراجعة مستمرة للبرامج المُعتمدة حاليًا والتي أثبتت من خلال التجارب الشخصية عدم جدواها واستبدالها بأخرى حديثة تجعل من هذه الشريحة قادرة على التفاعل مع المجتمع بل والمساهمة في الإنتاج وبناء الوطن.
كما يتوجب التعامل بحزم مع الأخصائيين الذين تثبت إساءتهم لمن يعانون أي نوع من الإعاقة، فهم بحاجة ماسة للرحمة والتعامل الإنساني لأنهم لا يملكون قدرة الرد والدفاع عن أنفسهم والتعبير عن متاعبهم واحتياجاتهم.
ومن المهم أيضًا أن يُدرج اضطراب التوحد ضمن مناهج كلية الطب بجامعة السلطان قابوس والكليات التخصصية الأُخرى وكليات التمريض وأن يُحفز الطلاب على اختيار التخصصات التي تُعنى بفهم هذا الاضطراب والتعامل معه، إذ سيفرض ذلك التوجه فتح عيادات تخصصية تقدم خدمات نوعية لمن يعانون اضطراب التوحد المُستعصي على الفهم.
من جانب آخر على أصحاب مراكز التأهيل الخاصة الإيمان بأن دور مراكزهم إنما هو "إنساني" قبل أن يكون "ربحيا" وإذا كان لا مناص من البحث عن الربح فإنه يجب أن يقترن بتحقيق تطور حقيقي لأي حالة إعاقة، فالربح على حساب طفل لا يتطور يعد ربحا ذا وجه قبيح.. عليهم توفير مبانٍ مهيأة لوجود أطفال مختلفين لضمان توفر خصوصيتهم وعدم اللجوء إلى بناء أو استئجار مبان لا تتوفر فيها البيئة الصحية والنفسية المناسبة.. يتوجب عليهم جلب وسائل تأهيل وأدوات تعليم حديثة تتماشى مع التطور الحاصل في طرق التأهيل التي تعتمدها الدول المتطورة.
آخر نقطة..
" يجب فهم الحياة إلى الوراء ولكن يجب أن نعيشها إلى الأمام". (سورين كيركيجارد)