في حارتنا حارة العقر بنزوى وبكل عيد يجتمع الناس حول تنور مزارعة وهو تنور أثري قديم كان أجدادنا يجتمعون حوله من أجل تلك السعادة التي يبحثون عنها في عادة الشواء العماني بالعيد بلف اللحم بورق الموز ووضعه في الخصفة المعجزة وأقول بأنها معجزة لأنها صنعت من خوص النخيل الذي لا يحترق في تنور حرارته أشبه بالبركان !
وأقول في نفسي كيف لهذه النار الحامية لا تستطيع حرق هذا الخوص، إنه لأمر عجيب وكأن بركة الله في هذه النخلة تراها تتجلى هناك، وللعلم الخصفة هي كلمة عربية فصيحة وأهل عُمان أغلب لهجاتهم مستمدة من أصل اللغة العربية، يقول الله تعالى في قصة النبي آدم وأمنا حواء:
﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ..
(سورة طه: 121).
ويخصفان يعني يلزقان ورق الجنة بعضه ببعض، وهذا ما يفعله أهل عُمان في الخصفة بجمع الخوص بعضه ببعض ليصبح المكان المناسب لحفظ التمر أو اللحم من أجل أجمل عادة لدينا بالعيد.
ولكن لنتوقف قليلا أمام كل تنور قديم نراه في حارتنا ولأنني من نزوى فأنا هنا أحكي لكم عن تنور مزارعة الأثري.
قبل 3 أعياد من الآن كنت أقف بجانب هذا التنور لأشاهد الوالد سعيد المفضلي الذي كان بنفسه يشرف متطوعا على التنور وتنظيم شواء أهل الحارة فيه، فكان واقفا ببساطة وكل شموخ وسعادة أمام لهيب النار يقيس بنفسه مدى استيعاب تنور مزارعة لكمية الحطب اللازمة لأجمل شواء يتم دفنه هناك لمدة 48 ساعة ليستوي ذلك اللحم وتفرح بها عائلات الحارة كأجمل وجبة غداء مع ذلك الطعم المميز.
اقتربت من الوالد سعيد ناديته بعد السلام عليه: باه سعيد كم عمر تنور مزارعة؟ كون هذا السؤال يتبادر في ذهني كثيرا عن أثر التنور وقدمه في المكان..
فقال رحمه الله:
«هذا عمره يمكن فوق 400 سنة أو 500 سنة، هذا من جد بعد سالف من زمن الشياب القديمين».
هل تتخيلون الآن معي كم من جموع أسعدها هذا التنور في الأعياد طوال عدة قرون مضت؟!
وبغض النظر عن أوضاعهم في تلك الفترات إلا أن السعادة هي من تجمعنا في ذات اليوم من أعيادنا المباركة.
هذا العيد يأتي وتنور مزارعة يفتقد الوالد سعيد المفضلي رحمه الله، ولكن أولاده وشباب الحارة الآن يكملون المشوار حالهم من حال والدهم الذي ومنذ سنوات طويلة يسير نحو زراعة السعادة لكل أهالي الحارة.
هل تلاحظون أن هذه الأعمال البسيطة في مشهدها والعميقة جدا في أثرها كم هي رائعة وفيها من التفاصيل ما تكفيك لتعلم كيف أن قلوب الكثير من البشر جبلت لزراعة الفرح لمن حولها دون أي مقابل أو مصلحة.
إنه النقاء والفطرة السليمة التي يجب أن تصبح ميزة كل إنسان عاقل يرى في أن الله حينما خلقه أوجده للخير والسلام في هذه الدنيا وليس لأذى الناس أو ظلمهم.
إن العيد الذي يأتيك وأنت على قيد الحياة لتشاهد اجتماع أهلك وأهل حارتك بكل ابتساماتهم حول تنور الشواء مثلا لنعمة كبيرة يغبطك عليها الكثير الذين افتقدوا جدا لفعاليات العيد في منازلهم ومحيط سكناهم.
أنا هنا احترم جدا عادات وتقاليد جميع الولايات في أعيادهم، وكل ما أود أن أشير إليه أن العيد أساسه الفعاليات التي يبتكرها الأهالي للترويح عن أحوالهم ومحاولة صناعة الفرح والتجمعات الودية بين الجميع.
بالله عليكم ألم تتساءلوا يوما من هذا الذي ابتكر عادة الشواء عند أهل عُمان لتصبح راسخة للأبد في حياتنا؟!
هيا لنتخيل سويا ذلك المشهد للبدايات، أحدهم فكر ليصنع مناسبة في عيده لتصبح ذكراها مميزة في نفوس أهله وأهل حارته، ولكن كم من الصعوبات التي واجهها في عدم اكتراث الآخرين له وهو يحاول أن يقنعهم بفكرته؟!
كانوا يضحكون عليه وهم يشاهدونه يحفر أول تنور في تاريخ عمان من أجل أن يبرهن لهم بنجاح فكرته، ولتتوقفوا قليلا هنا فكيف خطرت له أن يحفر حفرة، ثم يدفن فيها اللحم في خصفة مصنوعة من خوص النخيل؟!
لو كنت مكان الأهالي وقتها لضحكت كثيرا من هذه الفكرة لعدم اكتراثي لحظتها بدفن اللحم في حفرة لمدة يومين بلهيب نار تحرق أكبر الفيلة في العالم فكيف بخصفة خوص؟!
ما هذا الذي يفعله هذا المجنون؟!
هكذا قالوا أول مرة عن هذه الفكرة عن الشواء، وها هو يخرج اللحم من التنور بعد يوم أو يومين بعد أكثر من تجربة فاشلة احترق فيها لحمه ووبخته عائلته كثيرا لصعوبة الحال فكيف وأنت تتحدث عن صعوبة الحصول على اللحم حينها ليحرقه هذا الذي يريد أن يتفلسف كأفضل طاه في زمانه؟!
كانوا يفعلون كل شيء من أجل أن يصنعوا الفرح وأجمل الذكريات، فهل أنت من الذين يصنعون الفرح لمن حولهم؟!
نصر البوسعيدي كاتب عماني
وأقول في نفسي كيف لهذه النار الحامية لا تستطيع حرق هذا الخوص، إنه لأمر عجيب وكأن بركة الله في هذه النخلة تراها تتجلى هناك، وللعلم الخصفة هي كلمة عربية فصيحة وأهل عُمان أغلب لهجاتهم مستمدة من أصل اللغة العربية، يقول الله تعالى في قصة النبي آدم وأمنا حواء:
﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ..
(سورة طه: 121).
ويخصفان يعني يلزقان ورق الجنة بعضه ببعض، وهذا ما يفعله أهل عُمان في الخصفة بجمع الخوص بعضه ببعض ليصبح المكان المناسب لحفظ التمر أو اللحم من أجل أجمل عادة لدينا بالعيد.
ولكن لنتوقف قليلا أمام كل تنور قديم نراه في حارتنا ولأنني من نزوى فأنا هنا أحكي لكم عن تنور مزارعة الأثري.
قبل 3 أعياد من الآن كنت أقف بجانب هذا التنور لأشاهد الوالد سعيد المفضلي الذي كان بنفسه يشرف متطوعا على التنور وتنظيم شواء أهل الحارة فيه، فكان واقفا ببساطة وكل شموخ وسعادة أمام لهيب النار يقيس بنفسه مدى استيعاب تنور مزارعة لكمية الحطب اللازمة لأجمل شواء يتم دفنه هناك لمدة 48 ساعة ليستوي ذلك اللحم وتفرح بها عائلات الحارة كأجمل وجبة غداء مع ذلك الطعم المميز.
اقتربت من الوالد سعيد ناديته بعد السلام عليه: باه سعيد كم عمر تنور مزارعة؟ كون هذا السؤال يتبادر في ذهني كثيرا عن أثر التنور وقدمه في المكان..
فقال رحمه الله:
«هذا عمره يمكن فوق 400 سنة أو 500 سنة، هذا من جد بعد سالف من زمن الشياب القديمين».
هل تتخيلون الآن معي كم من جموع أسعدها هذا التنور في الأعياد طوال عدة قرون مضت؟!
وبغض النظر عن أوضاعهم في تلك الفترات إلا أن السعادة هي من تجمعنا في ذات اليوم من أعيادنا المباركة.
هذا العيد يأتي وتنور مزارعة يفتقد الوالد سعيد المفضلي رحمه الله، ولكن أولاده وشباب الحارة الآن يكملون المشوار حالهم من حال والدهم الذي ومنذ سنوات طويلة يسير نحو زراعة السعادة لكل أهالي الحارة.
هل تلاحظون أن هذه الأعمال البسيطة في مشهدها والعميقة جدا في أثرها كم هي رائعة وفيها من التفاصيل ما تكفيك لتعلم كيف أن قلوب الكثير من البشر جبلت لزراعة الفرح لمن حولها دون أي مقابل أو مصلحة.
إنه النقاء والفطرة السليمة التي يجب أن تصبح ميزة كل إنسان عاقل يرى في أن الله حينما خلقه أوجده للخير والسلام في هذه الدنيا وليس لأذى الناس أو ظلمهم.
إن العيد الذي يأتيك وأنت على قيد الحياة لتشاهد اجتماع أهلك وأهل حارتك بكل ابتساماتهم حول تنور الشواء مثلا لنعمة كبيرة يغبطك عليها الكثير الذين افتقدوا جدا لفعاليات العيد في منازلهم ومحيط سكناهم.
أنا هنا احترم جدا عادات وتقاليد جميع الولايات في أعيادهم، وكل ما أود أن أشير إليه أن العيد أساسه الفعاليات التي يبتكرها الأهالي للترويح عن أحوالهم ومحاولة صناعة الفرح والتجمعات الودية بين الجميع.
بالله عليكم ألم تتساءلوا يوما من هذا الذي ابتكر عادة الشواء عند أهل عُمان لتصبح راسخة للأبد في حياتنا؟!
هيا لنتخيل سويا ذلك المشهد للبدايات، أحدهم فكر ليصنع مناسبة في عيده لتصبح ذكراها مميزة في نفوس أهله وأهل حارته، ولكن كم من الصعوبات التي واجهها في عدم اكتراث الآخرين له وهو يحاول أن يقنعهم بفكرته؟!
كانوا يضحكون عليه وهم يشاهدونه يحفر أول تنور في تاريخ عمان من أجل أن يبرهن لهم بنجاح فكرته، ولتتوقفوا قليلا هنا فكيف خطرت له أن يحفر حفرة، ثم يدفن فيها اللحم في خصفة مصنوعة من خوص النخيل؟!
لو كنت مكان الأهالي وقتها لضحكت كثيرا من هذه الفكرة لعدم اكتراثي لحظتها بدفن اللحم في حفرة لمدة يومين بلهيب نار تحرق أكبر الفيلة في العالم فكيف بخصفة خوص؟!
ما هذا الذي يفعله هذا المجنون؟!
هكذا قالوا أول مرة عن هذه الفكرة عن الشواء، وها هو يخرج اللحم من التنور بعد يوم أو يومين بعد أكثر من تجربة فاشلة احترق فيها لحمه ووبخته عائلته كثيرا لصعوبة الحال فكيف وأنت تتحدث عن صعوبة الحصول على اللحم حينها ليحرقه هذا الذي يريد أن يتفلسف كأفضل طاه في زمانه؟!
كانوا يفعلون كل شيء من أجل أن يصنعوا الفرح وأجمل الذكريات، فهل أنت من الذين يصنعون الفرح لمن حولهم؟!
نصر البوسعيدي كاتب عماني