منذ عهد الاستقلال في منتصف عقد الخمسينيات، والسودان يدخل في عدد من الصراعات والحروب والخلافات المحلية علاوة على الانقلابات العسكرية وفي نهاية المطاف تم فصل جنوب السودان ليصبح الآن دولة جنوب السودان، كما حدث الانقلاب العسكري على حكم الرئيس السابق عمر البشير وبرز عدد من القيادات العسكرية التي اتفقت على المكون المدني لإقامة دولة مدنية بعد فترة انتقالية لعدة سنوات، ورغم تشكيل حكومة مدنية التي ترأسها حمدوك فإن الخلافات بين المكون العسكري والمدني تواصلت وكان عجز حكومة حمدوك واضحا، خاصة أن السودان لديه مشكلات اقتصادية كبيرة بسبب تراكمات من الحروب القاسية في جنوب السودان وفي إقليم دارفور.

السودان دولة حيوية وذات موقع استراتيجي على البحر الأحمر وبها النيلان الأزرق والأبيض وبها مقدرات كبيرة خاصة الذهب والمعادن الأخرى، إلى جانب الثروة الحيوانية الكبيرة والأراضي الزراعية الشاسعة التي يمكن أن تكون سلة الأمن الغذائي العربي والأفريقي، علاوة على الكوادر البشرية التي تعمل بنجاح وتميز في الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وعلى الصعيد العربي. ومن هنا فإن مشكلة السودان الأزلية هي إدارة حكيمة ورشيدة لهذه الدولة ذات الإمكانات الكبيرة ومع ذلك اندلعت الحرب خلال الأيام الماضية بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان وبين قوات الدعم السريع وهي قوات أشبه بميليشيات عسكرية يقودها محمد حميدتي، وهو الرجل الثاني في مجلس السيادة، وقد دخلت الحرب مرحلة خطيرة من خلال تركز المعارك في أحياء العاصمة الخرطوم حيث وجود عدد من المراكز الحيوية المدنية كالمستشفيات والمدارس والشركات. ومن هنا يمكن تفسير سقوط العشرات من المدنيين وأيضا الجرحى، ولعل الباعث الأساسي على تلك الحرب هو الصراع على النفوذ علاوة على التدخلات الخارجية التي لا يمكن إغفالها في هذا الصراع السوداني المحلي.

السودان الشقيق يعيش في وضع صعب وفي مفترق طرق والشعب السوداني هو الضحية لهذا الصراع بين المكون العسكري وعلى ضوء ذلك فإن الجهود الأساسية العربية والدولية تركز على إيجاد هدنة حتى يمكن للمواطنين تدبير شؤونهم الحياتية خاصة مع العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، كما أن هناك مشكلة أخرى تبدو معقدة وهي أن السودان يعاني أزمة اقتصادية علاوة على أن المكون المدني لم يتمكن من إدارة الدولة السودانية على ضوء الاتفاق وبعد حوارات طويلة بين القوى السياسية المختلفة وعدد من المؤتمرات التي شاركت فيها قوى المعارضة من دارفور وكردفان وشرق السودان. ومن هنا فإن اندلاع الحرب داخل السودان في وضع صعب خاصة إذا تواصلت تلك الحرب رغم أن هناك اتفاقا على هدنة ليوم واحد وكانت، والسؤال هل تصمد الهدنة المقرر لها يوم واحد؟ إن الآلية الصحيحة لاستقرار السودان بعد عقود من المشكلات والصراعات هي وجود دولة مدنية على أسس دستورية واضحة وتنفيذ الاتفاق بين المكونَين العسكري والمدني، ومن خلال الدولة المدنية يتم وضع خريطة طريق لإيجاد رؤية جديدة للسودان الشقيق من خلال وضع خطط اقتصادية واجتماعية تُنهي المشكلات بحيث يكون هذا البلد العربي مترامي الأطراف نموذجا إيجابيا لدولة متطورة من خلال استغلال كل تلك المقدرات الطبيعية والبشرية والموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر ووجود ثروات ومقدرات كبيرة لصالح الشعب السوداني.

إن السودان وشعبه يعانيان منذ عهد الاستقلال كما تمت الإشارة من الحكم العسكري ومن ظاهرة الانقلابات المتكررة رغم أن هناك فترات استقرار حدثت خاصة فترة الرئيس السابق عمر البشير ولكن تحقيق تنمية حقيقية وظل السودان يعاني الأمرّين على الصعيد الاقتصادي وعلى صعيد المشكلات مع الدول المجاورة خاصة إثيوبيا حيث مشكلة سد النهضة الإثيوبي وتأثيره المباشر على مسار المياه في السودان كما هو الحال مع مصر، كما أن السودان بحاجة ماسّة إلى مسار مختلف وأن تعود المؤسسة العسكرية إلى ثكناتها للدفاع عن الوطن السوداني. ومن هنا فإن المشهد السياسي في السودان يظل معقدا في ظل اندلاع الحرب وما سوف ينتج عنها من تعقيدات داخلية وتدخلات خارجية وإذا لم يتم وقف إطلاق النار فقد يدخل السودان في نفق مظلم خاصة أن الشعب السوداني يعاني من الأزمات الأخرى في السودان بوجود مكونَين عسكريَين وهذه مشكلة كبرى، وكان اندماج قوات حميدتي ضمن منظومة القوات المسلحة السودانية هو الإطار الصحيح خلال سنتين في حين أن رؤية قادة قوات الدعم السريع تتحدث عن عشر سنوات وهذا يقودنا إلى وجود مصالح حيوية لا يريد أي طرف التنازل عنها في ظل الدعم الخارجي للمتنافسين على السلطة في السودان.

ومن هنا فإن الإشكال الأساسي في السودان هو تصميم المكون العسكري على الاستمرار في السلطة وعدم تمكين المكون المدني من إدارة الدولة وهنا يدخل السودان في مشهد عسكري وأمني معقد شديد الخطورة خاصة إذا توسعت الحرب وفشلت الهدنة. إن المشهد السوداني يعطي مؤشرا على التنافس على السلطة بين المكونين العسكريين وهذا ديدن تاريخ السودان الحديث وهذا أضر بالسودان وشعبه الذي يتطلع إلى التنمية الشاملة وتحسين ظروف الحياة لملايين السودانيين خاصة أن هناك دول جوار أفريقية تطورت بشكل كبير رغم الإمكانات المحدودة، وفي تصوري أن الحكم العسكري للسودان لم يعد مناسبا لإدارة الدولة السودانية بعد عقود من المشكلات المختلفة، وهذا يفرض على المتحاربين تسليم إدارة الدولة للمكون المدني من خلال خريطة طريق واضحة ودون ذلك فإن الملامح العامة للمشهد السوداني سوف تكون مزيدا من التدهور الأمني وتعقد الوضع في هذا البلد العربي الشقيق الذي يستحق أن يعيش شعبه في مناخ إيجابي من الأمن والاستقرار والحياة الكريمة.

ومن هنا فإن على الدول العربية أن تساعد السودان الشقيق للخروج من أزمته الحالية حتى لا تنزلق الأمور إلى ما هو أخطر من ذلك.