كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن منصات التواصل الاجتماعي ودور الناشطين عليها في طرح ومناقشة القضايا الوطنية والتعبير عن آرائهم حولها، ومدى تعبير هؤلاء عن الرأي العام، وهو حديث قديم جديد، يستند إلى الجدل التاريخي والفلسفي الذي عرفته البشرية وما زالت، منذ ظهور وسائل الإعلام الحديثة حول حرية التعبير كفكرة وحق من حقوق الإنسان، ومدى تغير النظرة إليها في ظل ثورتي الاتصال والمعلومات اللتين يشهدهما العالم منذ العقد الأخير من القرن الماضي.
واقع الحال إن حرية التعبير التي اعترف بها العالم في ميثاق الأمم المتحدة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما لم تعد مناسبة للعصر الرقمي الحالي الذي فتح المجال أمام كل شخص قادر على الوصول إلى شبكة الإنترنت، ومن ثم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على التعبير عن رأيه دون حدود ودون قيود مسبقة، مع ضمان وصول هذا الرأي إلى أعداد من المستخدمين والمتابعين تتعدي الملايين في بعض الحالات. ولعل هذا ما يدعونا إلى الدعوة إلى إعادة النظر في مفهوم حرية التعبير من جانب ووضع حدود تنظمها، متفق عليها، وليس قيود تحد منها.
في التراث العالمي، تعني حرية التعبير أن يكون الإنسان حرا في التعبير عن ذاته، وعن رأيه، سواء في قضاياه الخاصة أو في قضايا المجتمع الذي يعيش فيه، وتشمل بمعناها الواسع حرية الاعتقاد وحرية الرأي. وتمثل حرية الاعتقاد حجر الزاوية في الحريات الإنسانية لأنها تحدد ما عداها من حريات. وتعنى حرية الاعتقاد حرية «التفكير والإيمان بما نرى أنه الحقيقة».
وحتى وقت قريب وقبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي كنا نعتقد أن ضمان حرية التعبير في المجتمع يعني عدم وضع قيود عليها قد تعوق الفرد عن التعبير عنه وعن مجتمعه بما يعتقد أنه يحقق خيره وسعادته». وكان تحقيق ذلك في مجتمع ما يتطلب توافر عدد من الشروط الثقافية والفكرية أهمها الإيمان الراسخ بالعقل، والوعي بأهمية وفاعلية الحوار السلمي بين الأفكار والآراء، وأن الحقيقة ليست حكرًا على فرد أو مجموعة دون أخرى، وعدم التمييز بين أفراد المجتمع على أساس الفروق الفردية أو الجنس أو العرق أو اللون أو العقيدة، بالإضافة إلى سيادة روح التسامح، والإيمان بحق الآخرين في التعبير عن آرائهم، حتى وإن كانوا أقلية.
من المهم ونحن نبحث عن مفهوم جديد لحرية التعبير يأخذ في اعتباره خصوصية هذه الحرية والتعبير عن الرأي في وسائل الإعلام الجديدة، أن تكون لدينا خلفية تاريخية مبدئية عن تطور فكرة حرية التعبير. فرغم أن الأفكار الخاصة بحرية الإنسان في التعبير تطورت عبر كفاح طويل خاضته البشرية، وعبر أفكار الفلاسفة والتنزيلات السماوية المقدسة، فقد حدثت النقلة الأكبر في مجال حرية التعبير مع اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر في أوروبا، وظهور وسائل الاتصال الجماهيرية واسعة الانتشار مثل الكتاب المطبوع، ومن بعده الصحيفة ثم المجلة. وعلى هذا الأساس ارتبط مفهوم حرية التعبير باستخدام تلك الوسائل التي ظلت منصاتها الصحفية والإذاعية والتلفزيونية، حتى يومنا هذا بعيدة إلى حد كبير عن المواطن العادي.
ومهد تزايد النزعات التحررية في أوروبا التي قادها مفكرون آمنوا بحرية التعبير، من أمثال رائد الإصلاح الديني الألماني مارتن لوثر، والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، والفيلسوف البريطاني جون ميلتون، والفلاسفة الفرنسيين فولتير، ومونتسكيو، وجان جاك روسو، لصدور أول إعلان في العالم لحقوق الإنسان، وهو إعلان حقوق الإنسان في فرنسا، الذي صدر بعد قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 ونص على حرية نشر الأفكار والآراء وحق المواطن في أن يتحدث وأن يكتب ويطبع ما يشاء من أفكار في حرية تامة. وفي العام نفسه صدور إعلان حقوق الإنسان في فرنسا، أدخل الكونجرس الأمريكي عشرة تعديلات على الدستور الذي كان قد صدر خاليا من أي نصوص تتعلق بحقوق الإنسان، وكان التعديل الأول فيها يتعلق بحرية التعبير، ونص على عدم جواز وضع أي قيود على حرية التعبير وحرية الصحافة، ومنع الكونجرس من إصدار أي تشريعات تحد من هذه الحرية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اتخذت هيئة الأمم المتحدة قرارا في دورتها الأولى في ديسمبر 1946 باعتبار حرية تداول المعلومات من حقوق الإنسان الأساسية، وتم اتخاذها معيارا تُقاس به سائر الحريات. وفي عام 1948 أصدرت هيئة الأمم المتحدة «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، ونص في مادته التاسعة عشرة على حق كل فرد في التعبير عن آرائه دون تدخل، وحق الفرد في استقاء المعلومات أو الأفكار، ونقلها دون قيود. ووسعت المنظمة الدولية في ديسمبر 1966 من إطار حرية التعبير، وذلك في الاتفاقية الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية، لتشمل حرية العقيدة، وحرية اعتناق الآراء، وحرية استقاء المعلومات والأفكار من كل نوع، ونقلها بغض النظر عن الحدود، وسواء كانت شفاهية أو كتابة أو طباعة، على أن يكون ذلك في حدود القانون، وفي حدود ما تسمح به متطلبات حماية الأمن القومي والنظام العام والأخلاقيات العامة. وأشارت الاتفاقية إلى واجبات ومسؤوليات خاصة ترتبط بممارسة حرية التعبير تتعلق باحترام سمعة الآخرين، وحماية الأمن القومي والنظام العام، والأخلاقيات العامة.
لقد أصبحت النصوص الخاصة بحرية التعبير سواء كانت في المواثيق الدولية أو في الدساتير والقوانين الوطنية شيئا من التاريخ يجب إعادة النظر فيها، خاصة وأنها صدرت باستثناءات قليلة عندما كانت الساحتان العالمية والوطنية تقتصر على وسائل الإعلام التقليدية التي يتحكم حراس البوابات فيها، فيما ينشر ويبث من خلالها من معلومات وآراء. في العصر الحاضر، يمكن القول أن شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ومنصات النشر الإلكتروني الجديدة أصبح لها دور كبير في منح الناس حريات جديدة، والدفاع عن حرية التعبير ودعمها في مختلف المجتمعات الإنسانية التي دخلتها هذه الوسائل الجديدة. وعلى هذا الأساس يجب أن يتسع مفهوم حرية التعبير ليشمل الحريات الشخصية الجديدة التي توفرها تلك المنصات. وتتصل هذه الحريات بأسلوب ونمط الحياة، وحرية الانتماء إلى جماعات معينة على أساس نوعي أو عرقي أو ديني أو لغوي، بالإضافة إلى حرية هذه الجماعات في تنسيق ضغوطها السياسية، وتشكيل هوياتها الجماعية، والمشاركة في المعلومات والمصادر عبر شبكة الإنترنت والمنصات الإلكترونية، وذلك بعد أن كانت تلك الوسائل الإعلامية التقليدية تركز على الحريات الجماعية أو بالأصح الجماهيرية، كالحقوق والحريات السياسية، والإصلاح الديني والعدالة إلى جانب حرية التعبير.
إلى جانب ذلك، وفي ظل غياب حارس البوابة في المنصات الاتصالية الجديدة يجب أن يشمل المفهوم الجديد، حدود هذه الحرية ومسؤولية صاحب الرأي عن رأيه وقدرته على الدفاع عنه واحترام حق الآخرين في التعبير واحترام الخصوصية والقواعد القانونية والأخلاقية الأساسية المتعارف عليها.
واقع الحال إن حرية التعبير التي اعترف بها العالم في ميثاق الأمم المتحدة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما لم تعد مناسبة للعصر الرقمي الحالي الذي فتح المجال أمام كل شخص قادر على الوصول إلى شبكة الإنترنت، ومن ثم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على التعبير عن رأيه دون حدود ودون قيود مسبقة، مع ضمان وصول هذا الرأي إلى أعداد من المستخدمين والمتابعين تتعدي الملايين في بعض الحالات. ولعل هذا ما يدعونا إلى الدعوة إلى إعادة النظر في مفهوم حرية التعبير من جانب ووضع حدود تنظمها، متفق عليها، وليس قيود تحد منها.
في التراث العالمي، تعني حرية التعبير أن يكون الإنسان حرا في التعبير عن ذاته، وعن رأيه، سواء في قضاياه الخاصة أو في قضايا المجتمع الذي يعيش فيه، وتشمل بمعناها الواسع حرية الاعتقاد وحرية الرأي. وتمثل حرية الاعتقاد حجر الزاوية في الحريات الإنسانية لأنها تحدد ما عداها من حريات. وتعنى حرية الاعتقاد حرية «التفكير والإيمان بما نرى أنه الحقيقة».
وحتى وقت قريب وقبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي كنا نعتقد أن ضمان حرية التعبير في المجتمع يعني عدم وضع قيود عليها قد تعوق الفرد عن التعبير عنه وعن مجتمعه بما يعتقد أنه يحقق خيره وسعادته». وكان تحقيق ذلك في مجتمع ما يتطلب توافر عدد من الشروط الثقافية والفكرية أهمها الإيمان الراسخ بالعقل، والوعي بأهمية وفاعلية الحوار السلمي بين الأفكار والآراء، وأن الحقيقة ليست حكرًا على فرد أو مجموعة دون أخرى، وعدم التمييز بين أفراد المجتمع على أساس الفروق الفردية أو الجنس أو العرق أو اللون أو العقيدة، بالإضافة إلى سيادة روح التسامح، والإيمان بحق الآخرين في التعبير عن آرائهم، حتى وإن كانوا أقلية.
من المهم ونحن نبحث عن مفهوم جديد لحرية التعبير يأخذ في اعتباره خصوصية هذه الحرية والتعبير عن الرأي في وسائل الإعلام الجديدة، أن تكون لدينا خلفية تاريخية مبدئية عن تطور فكرة حرية التعبير. فرغم أن الأفكار الخاصة بحرية الإنسان في التعبير تطورت عبر كفاح طويل خاضته البشرية، وعبر أفكار الفلاسفة والتنزيلات السماوية المقدسة، فقد حدثت النقلة الأكبر في مجال حرية التعبير مع اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر في أوروبا، وظهور وسائل الاتصال الجماهيرية واسعة الانتشار مثل الكتاب المطبوع، ومن بعده الصحيفة ثم المجلة. وعلى هذا الأساس ارتبط مفهوم حرية التعبير باستخدام تلك الوسائل التي ظلت منصاتها الصحفية والإذاعية والتلفزيونية، حتى يومنا هذا بعيدة إلى حد كبير عن المواطن العادي.
ومهد تزايد النزعات التحررية في أوروبا التي قادها مفكرون آمنوا بحرية التعبير، من أمثال رائد الإصلاح الديني الألماني مارتن لوثر، والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، والفيلسوف البريطاني جون ميلتون، والفلاسفة الفرنسيين فولتير، ومونتسكيو، وجان جاك روسو، لصدور أول إعلان في العالم لحقوق الإنسان، وهو إعلان حقوق الإنسان في فرنسا، الذي صدر بعد قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 ونص على حرية نشر الأفكار والآراء وحق المواطن في أن يتحدث وأن يكتب ويطبع ما يشاء من أفكار في حرية تامة. وفي العام نفسه صدور إعلان حقوق الإنسان في فرنسا، أدخل الكونجرس الأمريكي عشرة تعديلات على الدستور الذي كان قد صدر خاليا من أي نصوص تتعلق بحقوق الإنسان، وكان التعديل الأول فيها يتعلق بحرية التعبير، ونص على عدم جواز وضع أي قيود على حرية التعبير وحرية الصحافة، ومنع الكونجرس من إصدار أي تشريعات تحد من هذه الحرية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اتخذت هيئة الأمم المتحدة قرارا في دورتها الأولى في ديسمبر 1946 باعتبار حرية تداول المعلومات من حقوق الإنسان الأساسية، وتم اتخاذها معيارا تُقاس به سائر الحريات. وفي عام 1948 أصدرت هيئة الأمم المتحدة «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، ونص في مادته التاسعة عشرة على حق كل فرد في التعبير عن آرائه دون تدخل، وحق الفرد في استقاء المعلومات أو الأفكار، ونقلها دون قيود. ووسعت المنظمة الدولية في ديسمبر 1966 من إطار حرية التعبير، وذلك في الاتفاقية الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية، لتشمل حرية العقيدة، وحرية اعتناق الآراء، وحرية استقاء المعلومات والأفكار من كل نوع، ونقلها بغض النظر عن الحدود، وسواء كانت شفاهية أو كتابة أو طباعة، على أن يكون ذلك في حدود القانون، وفي حدود ما تسمح به متطلبات حماية الأمن القومي والنظام العام والأخلاقيات العامة. وأشارت الاتفاقية إلى واجبات ومسؤوليات خاصة ترتبط بممارسة حرية التعبير تتعلق باحترام سمعة الآخرين، وحماية الأمن القومي والنظام العام، والأخلاقيات العامة.
لقد أصبحت النصوص الخاصة بحرية التعبير سواء كانت في المواثيق الدولية أو في الدساتير والقوانين الوطنية شيئا من التاريخ يجب إعادة النظر فيها، خاصة وأنها صدرت باستثناءات قليلة عندما كانت الساحتان العالمية والوطنية تقتصر على وسائل الإعلام التقليدية التي يتحكم حراس البوابات فيها، فيما ينشر ويبث من خلالها من معلومات وآراء. في العصر الحاضر، يمكن القول أن شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي ومنصات النشر الإلكتروني الجديدة أصبح لها دور كبير في منح الناس حريات جديدة، والدفاع عن حرية التعبير ودعمها في مختلف المجتمعات الإنسانية التي دخلتها هذه الوسائل الجديدة. وعلى هذا الأساس يجب أن يتسع مفهوم حرية التعبير ليشمل الحريات الشخصية الجديدة التي توفرها تلك المنصات. وتتصل هذه الحريات بأسلوب ونمط الحياة، وحرية الانتماء إلى جماعات معينة على أساس نوعي أو عرقي أو ديني أو لغوي، بالإضافة إلى حرية هذه الجماعات في تنسيق ضغوطها السياسية، وتشكيل هوياتها الجماعية، والمشاركة في المعلومات والمصادر عبر شبكة الإنترنت والمنصات الإلكترونية، وذلك بعد أن كانت تلك الوسائل الإعلامية التقليدية تركز على الحريات الجماعية أو بالأصح الجماهيرية، كالحقوق والحريات السياسية، والإصلاح الديني والعدالة إلى جانب حرية التعبير.
إلى جانب ذلك، وفي ظل غياب حارس البوابة في المنصات الاتصالية الجديدة يجب أن يشمل المفهوم الجديد، حدود هذه الحرية ومسؤولية صاحب الرأي عن رأيه وقدرته على الدفاع عنه واحترام حق الآخرين في التعبير واحترام الخصوصية والقواعد القانونية والأخلاقية الأساسية المتعارف عليها.