أسهل عمل يمكن أن يقوم به أي شخص مثقفا كان أو مدعيا للثقافة، واعيًا بلغ مرحلة النضج أو مراهقًا يتخبط بين ردهات منصات التواصل الاجتماعي المُظلمة، مزدحما بالأعمال أو خاملًا ينتظر أن تمطر السماء عليه ذهبًا هو «الانتقاد».. الانتقاد وليس «النقد» لأن الأول عمل منحاز وغير موضوعي يركز على الأخطاء وليس بحاجة لأدوات ولا يخضع لأي محدِدات أو قوانين أو ضوابط أخلاقية.. ديدنه تصيّد الهفوات وتحقير الإنسان والحط من هيبته.
تُصَوّب سهام الانتقادات لأداء المسؤول الحكومي الرفيع ولمن يضطلع بمسؤوليات محدودة لأسباب منطقية يمكن الأخذ بها وأُخرى غير منطقية لا تستند على أي مبررات ولا يدفع بها سوى تأثير «عُقد النقص» أو الرغبة في تفريغ شحنات الانفعالات السلبية الكامنة التي قد يتجاوز مداها حد المسموح به إلى الخاص والشخصي دون مراعاة لأخلاق أو مبادئ أو قيم أو أوضاع أُسرية أو اجتماعية.
يُصيب المغرمين بمتعة الانتقاد الرخيص العمى وهم يستهدفون هذا ويتصيدون ذاك فلا يراعون كبيرا أو صغيرا «إلّا ولا ذمة» كونهم لا يُدركون حجم المسؤوليات المُلقاة على كاهل ذلك المسؤول ولا الجهد النفسي والبدني الذي يبذله.. لا يعلمون شيئا عن العناء الذي يكابده الإنسان البسيط الذي أُنيط به إنجاز عمله ولو وُضعوا هم مكان أيهما لتغير حالهم وانقلبت قناعاتهم رأسًا على عقِب فالذي يده في النار ليس كمن يده في الماء.
نقسو على الإمام في الصلاة نطلب منه أن يكون مثاليًا وخارقًا ينتقد هذا بعض نسيانه والتطويل في قراءته واحتقان صوته ويهاجم ذاك خلل تجويده وارتباكه وُيشكك ثالث في أهليته كإمام متناسين عِظم مسؤوليته التي قد تُفقده شيئا من تركيزه وهو يؤم مئات المُصلين ربما وُجد بينهم من هو حافظ لكتاب الله أو ضليع في اللغة أو مُجِيد للتلاوات ومن جاء هاربا من إمام آخر للأسباب تلك مجتمعة.
سهل جِدًا ويسير لوم المعلم والحديث عن مثالبه وزلاته أو كيف تمتد يده إلى طالب أساء الخُلق لحظة غضب أو علا صوته بسبب الإرهاق والتعب أو أنه دخل غرفة الصف «يا للكارثة» وقد نسي أن يترك همومه الشخصية خارجها وكأن هذا الإنسان «صخرة» أو ليس مُصنفًا من جنس البشر وإنما ملكُ مُنزل لا يليق به الخطأ ولا يجب أن يتسرب إلى نفسه السهو أو النسيان.
لا يألو الوالد أي جُهد في سبيل تربية أبنائه وبناته التربية الصالحة التي يكون راضيًا عنها ولو على حساب جودة حياته وصحته ووضعه المالي وهدوئه النفسي لكن بمجرد أن يرتكب أيُ من هؤلاء الأبناء أقل خطأ بسبب سوء تقدير «تتساقط نجوم السماء» فيُقذف بعدم الاستقامة وإساءة التربية ويتهمونه بالتقصير في مراقبة من يقعون تحت مسؤوليته وكأن الجميع كان ينتظر اللحظة التي يسقط فيها ذلك الابن أو البنت ليتكالب الجميع على والدهم دون رحمة.
ما أسهل أن ننتقد عمل الغير ونُسَفِه جهده بحجة حُب الوطن والخوف على المصلحة العامة.. ما أبسط أن نتهجم على من لا يروق لنا وإن بدا حريصًا على رضانا -نحن الذين لن نرضى- بداعي خطأ غير مقصود خارج عن الإرادة.. ما أهون أن نقوم بكل ذلك لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هُنا: ألن يقع ذلك الانتقاد الذي حتمًا أنه يؤذي ويؤرق موقعًا يشقُ علينا ويُجهدنا بل ويُضنينا لو كُنا مكانه ؟؟.
آخر نقطة
ستظل «الكلمة» وإلى الأبد كالرصاصة إذا خرجت من فُوهة المسدس يتعذر التحكم فيها وبما يُمكن أن تُحدثه من دمار وسنظل نحن بني البشر مُطالبين بمعرفة متى ينبغي أن نطلق الكلمة؟ ومتى يتوجب أن نلوذ بالصمت؟ «وهل يكِبُ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟».
عمر العبري كاتب عماني
تُصَوّب سهام الانتقادات لأداء المسؤول الحكومي الرفيع ولمن يضطلع بمسؤوليات محدودة لأسباب منطقية يمكن الأخذ بها وأُخرى غير منطقية لا تستند على أي مبررات ولا يدفع بها سوى تأثير «عُقد النقص» أو الرغبة في تفريغ شحنات الانفعالات السلبية الكامنة التي قد يتجاوز مداها حد المسموح به إلى الخاص والشخصي دون مراعاة لأخلاق أو مبادئ أو قيم أو أوضاع أُسرية أو اجتماعية.
يُصيب المغرمين بمتعة الانتقاد الرخيص العمى وهم يستهدفون هذا ويتصيدون ذاك فلا يراعون كبيرا أو صغيرا «إلّا ولا ذمة» كونهم لا يُدركون حجم المسؤوليات المُلقاة على كاهل ذلك المسؤول ولا الجهد النفسي والبدني الذي يبذله.. لا يعلمون شيئا عن العناء الذي يكابده الإنسان البسيط الذي أُنيط به إنجاز عمله ولو وُضعوا هم مكان أيهما لتغير حالهم وانقلبت قناعاتهم رأسًا على عقِب فالذي يده في النار ليس كمن يده في الماء.
نقسو على الإمام في الصلاة نطلب منه أن يكون مثاليًا وخارقًا ينتقد هذا بعض نسيانه والتطويل في قراءته واحتقان صوته ويهاجم ذاك خلل تجويده وارتباكه وُيشكك ثالث في أهليته كإمام متناسين عِظم مسؤوليته التي قد تُفقده شيئا من تركيزه وهو يؤم مئات المُصلين ربما وُجد بينهم من هو حافظ لكتاب الله أو ضليع في اللغة أو مُجِيد للتلاوات ومن جاء هاربا من إمام آخر للأسباب تلك مجتمعة.
سهل جِدًا ويسير لوم المعلم والحديث عن مثالبه وزلاته أو كيف تمتد يده إلى طالب أساء الخُلق لحظة غضب أو علا صوته بسبب الإرهاق والتعب أو أنه دخل غرفة الصف «يا للكارثة» وقد نسي أن يترك همومه الشخصية خارجها وكأن هذا الإنسان «صخرة» أو ليس مُصنفًا من جنس البشر وإنما ملكُ مُنزل لا يليق به الخطأ ولا يجب أن يتسرب إلى نفسه السهو أو النسيان.
لا يألو الوالد أي جُهد في سبيل تربية أبنائه وبناته التربية الصالحة التي يكون راضيًا عنها ولو على حساب جودة حياته وصحته ووضعه المالي وهدوئه النفسي لكن بمجرد أن يرتكب أيُ من هؤلاء الأبناء أقل خطأ بسبب سوء تقدير «تتساقط نجوم السماء» فيُقذف بعدم الاستقامة وإساءة التربية ويتهمونه بالتقصير في مراقبة من يقعون تحت مسؤوليته وكأن الجميع كان ينتظر اللحظة التي يسقط فيها ذلك الابن أو البنت ليتكالب الجميع على والدهم دون رحمة.
ما أسهل أن ننتقد عمل الغير ونُسَفِه جهده بحجة حُب الوطن والخوف على المصلحة العامة.. ما أبسط أن نتهجم على من لا يروق لنا وإن بدا حريصًا على رضانا -نحن الذين لن نرضى- بداعي خطأ غير مقصود خارج عن الإرادة.. ما أهون أن نقوم بكل ذلك لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه هُنا: ألن يقع ذلك الانتقاد الذي حتمًا أنه يؤذي ويؤرق موقعًا يشقُ علينا ويُجهدنا بل ويُضنينا لو كُنا مكانه ؟؟.
آخر نقطة
ستظل «الكلمة» وإلى الأبد كالرصاصة إذا خرجت من فُوهة المسدس يتعذر التحكم فيها وبما يُمكن أن تُحدثه من دمار وسنظل نحن بني البشر مُطالبين بمعرفة متى ينبغي أن نطلق الكلمة؟ ومتى يتوجب أن نلوذ بالصمت؟ «وهل يكِبُ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟».
عمر العبري كاتب عماني