يعد التواصل الفعّال عموما إحدى الطرق التي تنمّي المهارات الاتصالية بين أفراد المجتمع وتعزّز العلاقات بينهم وتسهم في استمراريتها، فالاتصال يساعد على إيجاد الألفة والتقارب بين الناس في إطار العلاقات الإنسانية ويمتد أثره إلى أبعد من سهولة تداول البيانات والمعلومات بينهم وأخذ المشورة في كثير من الموضوعات المجتمعية فهو منهج تربوي حثّ عليه الإسلام، يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».

ويسهم التواصل في تنظيم العلاقات الاجتماعية عبر عدة مبادئ أبرزها الحث على صلة الرحم وتبادل الزيارات وزيارة المريض، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له علَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ»، ولا نبالغ إذا قلنا بأن التواصل المؤسسي أصبح علما بحد ذاته يعتمد على التجارب والنظريات ويدرس التوجهات العامة لأفراد المجتمع وطرق تعزيز العلاقات الأسرية بينهم وبالرغم من تعدد تعريفات التواصل المؤسسي إلا أنه أشير له في كثير من المصادر بأنه «عملية اتصالية في اتجاهين: داخلي، وهو الاتصال داخل المؤسسة بين المسؤول المباشر وموظفيه أو العكس، وخارجي، وهو الاتصال بين المؤسسة وجمهورها المستهدف؛ إذ أشارت بعض الدراسات إلى أن التواصل الفعّال يؤثر إيجابا على مستوى الإنجاز في المؤسسات شريطة إتقان الأساليب الصحيحة والمهارات اللازمة للعملية الاتصالية؛ فهو الذي يساعد على التنبؤ واستقراء المشهد المستقبلي ووضع الرؤى والتصورات للأحداث عبر رصد وجهات النظر وردود الأفعال وتحليلها وهو الذي يساعد على إيصال الصورة الصحيحة للجمهور وصناعة الأثر دون أن تعترضها خربشات المشوّهين لاكتمالها وهو الذي يدحض الشائعات ويكون سدا منيعا لأي معلومات مضللة أو أخبار كاذبة تثير الجمهور دون سبب حقيقي أو مصدر صحيح، فتعزيز الاتصال والتواصل لا يقتصر على داخل المؤسسة بالرغم من أهميته للتأكد من وجود توافق بين المسؤول المباشر والموظفين ولكي يضمن سلاسة العمل، لكن أيضا هناك عملية اتصالية ينبغي التركيز عليها خاصة في المؤسسات التي يتعامل موظفوها مع عامة الناس لتخليص معاملاتهم؛ إذ لا بد من إحكام العملية الاتصالية بين الموظفين والمراجعين التي تعد إحدى الغايات المنشودة لقياس مستوى رضا المراجعين عن الخدمات المستفاد منها، ومع تطوّر الاقتصاد العالمي وتوسّع الجمهور المستهدف وتسارع تطور المنظومة الرقمية بات من الضروري إيجاد توافق بين العلاقات العامة والاتصال المؤسسي بهدف توحيد الجهود التي تقوم بها المؤسسات في بعض المجالات مثل مجالي التسويق وإدارة الأزمات، فعملية التواصل المؤسسي مع الجمهور أو ما يعرف بالاتصال الخارجي ينبغي أن تتعدى مرحلة صياغة الخبر ونشره، فالجمهور لا ينقصهم توفّر المعلومة أو الخبر فهي متوفّرة في وسائل الإعلام الرسمية المختلفة التي تقوم بنقلها مباشرة من مصدرها الرئيس، بل المجتمع أكثر ترقبا لما وراء الخبر وتحليلاته ومدى ارتباطه بالأشخاص، إضافة إلى الأثر المتوقع من الخبر على المواطنين إن كان إيجابا أو سلبا، وهذا ما أكده معالي الدكتور وزير الإعلام في لقاء التواصل الحكومي الـتاسع عشر «بأننا قطعنا مرحلة إيصال المعلومة وعلينا الانتقال لمرحلة صناعة الأثر»، فكثير من المؤسسات والشركات الكبرى أصبحت تؤمن بأهمية التواصل المؤسسي الداخلي الذي بات عاملا مساعدا لرفع مستوى الإنتاجية في كثير من مواقع العمل بل أصبح التواصل المؤسسي مؤشرا لنجاح العمل الإداري، ولنكن صرحاء بأن وجود تواصل مؤسسي فعّال داخل المؤسسة سيسهم في إيجاد تواصل فعّال مع الجمهور ويحافظ على علاقة المؤسسة بجمهورها المستهدف، والعكس صحيح إذا غاب التواصل المؤسسي الناجح داخل المؤسسة فإن من المسلم به إن إنتاجية المؤسسة ستتأثر كثيرا وإن كانت تملك كوادر بشرية ذات كفاءة عالية من المهارات والقدرات؛ فالجمهور وإن كان يترقّب تأكيد المعلومة من مصدّر رسمي فإنه بات أكثر ترقبا لحيثياته ومدى انعكاساته على حياته اليومية والمستقبلية.

إن أهمية التواصل المؤسسي لا تقتصر على إيجاد قنوات للتواصل في اتجاه واحد بين المؤسسة والجمهور بل ينبغي أن نضمن وصول المعلومة للجمهور بشكل صحيح وفي الوقت المناسب دون أن يعترضها التأويل أو الشائعات المغرضة وإذا تمكّنا من ضمان تواصل مؤسسي مستدام فإنه بلا شك سنستطيع إيجاد بيئة عملية سليمة يسودها الاحترام المتبادل بين الموظفين، ومما لا شك فيه سيرفع مستوى الإنتاجية في المؤسسات ونكون بذلك حققنا تواصلا مؤسسيا مثاليا، والحال ينطبق كذلك على التواصل المؤسسي الخارجي إذا وصلت المعلومة للجمهور بشكل صحيح وبشكل واضح غير قابلة للتأويل فإن ذلك سيمنع أي محاولات لطمسها أو التشكيك في صحتها.