يتخذ قطاع التجارة مسار التعافي والنمو نفسه الذي حققه الاقتصاد الوطني

المنحنى التصاعدي للصادرات غير النفطية من التطورات الإيجابية ذات العلاقة بالتحسن المالي والاقتصادي في سلطنة عمان

تفاؤل باستمرار الأداء الجيد خلال 2023 وطوال الخطة الخمسية العاشرة

تراجع في التحويلات المالية للأيدي العاملة غير العمانية بعد بلوغها أعلى مستوياتها في منتصف العقد الماضي

في ظل تقدم ملموس في المؤشرات المالية والاقتصادية لسلطنة عمان، قفز فائض الميزان التجاري إلى أعلى مستوياته على الإطلاق مع نهاية العام الماضي وبلغ 10.4 مليار ريال عماني، حيث أدت المستويات الجيدة لأسعار الطاقة إلى زيادة في عائدات تصدير النفط والغاز والتي سجلت نموا بنسبة 65 بالمائة خلال العام الماضي عند نحو 16.5 مليار ريال عماني، كما ساهم الارتفاع الكبير في حجم الصادرات غير النفطية في تعزيز الفائض التجاري المتحقق خلال العام الماضي.

وبلغ إجمالي الصادرات النفطية وغير النفطية من سلطنة عمان خلال العام الماضي 25.2 مليار ريال عماني، وتتضمن 1.3 مليار ريال من أنشطة إعادة التصدير، بينما سجل إجمالي الواردات 14.8 مليار ريال عماني.

ومنذ تخطيه التبعات المصاحبة للجائحة، اتخذ قطاع التجارة الخارجية مسار التعافي والنمو نفسه الذي حققه الاقتصاد المحلي، وأظهرت مؤشرات التجارة الخارجية تحسنا كبيرا خلال عامي 2021 و2022، إذ أشارت الإحصائيات إلى ارتفاع فائض الميزان التجاري من 3.7 مليار ريال في عام 2020 إلى ما يتجاوز 5 مليارات ريال بنهاية 2021 الذي شهد زيادة في حجم الصادرات من سلطنة عمان لتبلغ 17 مليار ريال عماني بنمو قدره 45 بالمائة مقارنة مع عام 2020.

ويعد الفائض التجاري هو حجم الفارق بين الصادرات والواردات لكل دولة، ويعتبر المنحنى التصاعدي لحركة التجارة بشكل عام وللصادرات غير النفطية بشكل خاص من أهم التطورات الإيجابية ذات العلاقة بالتحسن في كل من المركز المالي والأداء الاقتصادي لسلطنة عمان، حيث يمتص ارتفاع حجم الصادرات غير النفطية جانبا كبيرا من أي تأثيرات متوقعة لتذبذب أسعار وعائدات تصدير النفط والغاز، والأهم أن هذا الارتفاع يعكس نجاح خطط دعم الصادرات غير النفطية خاصة منتجات الصناعة وجميع المنتجات الوطنية التي تفسح لنفسها حيزا متسعا باستمرار لوجودها في الأسواق العالمية، كما يساهم المستوى المرتفع لفائض الميزان التجاري في دعم الحساب الجاري لسلطنة عمان الذي من المتوقع أن ينهي عام 2023 بتسجيل فائض للعام التالي على التوالي بعد عجز متوال على مدار السنوات التي تلت التراجع الحاد في أسعار النفط عام 2014، وقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى تأثيرات سلبية عديدة منها تقليص حجم عائدات التصدير، وبالتالي العائدات العامة للدولة، واتساع العجز في الميزانية العامة إلى مستويات غير مسبوقة وما تبع ذلك من زيادة كبيرة في حجم الدين العام وأعبائه المستقبلية.

وتبدي وزارة الاقتصاد تفاؤلا بشأن استمرار الأداء الاقتصادي والمالي الجيد خلال عام 2023 وعلى المدى المتوسط طوال الخطة الخمسية العاشرة، ويتضمن ذلك توقع استمرار تحسن الحساب الجاري، كما رجحت مؤسسة فيتش سوليوشنز أن يسجل فائض الحساب الجاري لسلطنة عمان خلال عام 2023 نحو 5.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بدعم أساسي من قوة أداء الصادرات غير النفطية. ومن جانبه، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يستمر نمو الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان على المدى المتوسط، ورجح الصندوق تحسن ميزان المدفوعات المالية والخارجية إلى حد كبير على المدى المتوسط، مع توقعات بتحسن رصيد المالية العامة نظرا لزيادة الإيرادات العامة واستمرار جهود رفع كفاءة الإنفاق وغير ذلك من إجراءات الضبط المالي التي تنفذها سلطنة عمان، حيث تعمل السياسات المالية والخطة المالية متوسطة المدى على إيجاد توازن بين إجراءات معالجة مواطن الضعف في المالية العامة ودعم التعافي الاقتصادي.

ومن جانب آخر، من المتوقع أن تسفر خطط وبرامج التنويع الاقتصادي، مصحوبة بمستهدفات طموحة للتعمين والتوطين في مختلف الوظائف والقطاعات، عن تخفيف بعض مواطن الضغوط على قطاع الخدمات الذي يتسم حاليا بفجوة بسبب الحجم المرتفع للإنفاق على السياحة الخارجية.

وحتى ما قبل تفشي الجائحة، بلغ حجم إنفاق المواطنين على السياحة الخارجية نحو 700 مليون ريال عماني وهو ما يزيد كثيرا عن حجم إنفاق المواطنين والمقيمين على السياحة الداخلية وكذلك الإنفاق من قبل الزوار داخل سلطنة عمان، وتستهدف المشروعات والمرافق الترفيهية في سلطنة عمان تعزيز نمو قطاع السياحة وخفض متوال للفجوة بين الإنفاق على السياحة الداخلية والخارجية بدعم من الجهود الحثيثة لتنشيط قطاع السياحة وعبر جذب الاستثمارات والترويج وزيادة مرافق الترفيه، ومن المؤمل، أن ارتفاع عدد الزوار وزيادة حجم الإنفاق وكذلك القيمة المضافة للقطاع في الاقتصاد الوطني سيسهم تدريجيا في ميل ميزان الخدمات لصالح سلطنة عمان.

وفيما يتعلق بالتحويلات المالية للأيدي العاملة الوافدة إلى خارج سلطنة عمان فقد سجلت تراجعا بشكل جيد خلال السنوات الثلاث الماضية بعد أن بلغت أعلى مستوياتها في منتصف العقد الماضي، وتزامن هذا التراجع مع انخفاض في عدد الأيدي العاملة الوافدة بلغ أقصاه خلال الجائحة، وهبطت التحويلات من قبل القوى العاملة الوافدة إلى نحو 3.19 مليار ريال عماني بنهاية عام 2021، فيما كانت تحويلات القوى العاملة الوافدة قد سجلت 3.3 مليار ريال عماني بنهاية 2020 و3.5 مليار ريال عماني خلال 2019 و3.8 مليار ريال عماني في 2018 و3.7 مليار ريال عماني في 2017 ونحو 4 مليارات ريال عماني في عام 2016. بينما تتبنى سلطنة عمان توجهات جادة نحو التنويع الاقتصادي وتوسعة مختلف قطاعاته، ومن المتوقع استمرار تحسن أداء قطاع التجارة في ظل الدعم الكبير للصادرات غير النفطية بما ينعكس إيجابا على ميزان المدفوعات واستمرار تحقيق فائض في الحساب الجاري وهي جميعا ركائز مهمة لجهود الوصول للاستدامة المالية.