{تنبيه وموعد: ستتوقف حلقات «أنساغ» عن الصدور مؤقتا في شهر رمضان الفضيل، وسوف تستأنف الصدور بعد عيد الفطر المبارك. وكل عام وأنتم بخير}

(1)

أصبح الصَّرح صغيرا فلا شهداء فيه، ولا دم، ولا غيوم، ولا ذكريات، ولا أشعار، ولا ثكالى، ولا أيتام، ولا أرامل، ولا قطعة جبن، ولا ذكرى رغيف أو قُبْلَة مسروقة قبل تنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون، ولا أُمَّهات.

كنت أركض في الصَّرح كثيرا لفرط الرعب من استحقاق وسام الطفولة، واليوم أصبح الصَّرح طللا لأن من شيَّده لا يؤمن بالذكريات.

(2)

نصيب من يتأمل في هذه الحياة هو ذاته حصَّة من لن يجمعنا بين يديه في عالم آخر.

(3)

انتظرتك، والإصباح فعلٌ ماضٍ.

(4)

هدوؤك البحر في وعثاء القمر (ولا ينبغي إكمال بعض الجُمل).

(5)

هذه السفينة لن تغرق

يا الله، لا أريد النجوم ولا الفوانيس.

(6)

أعرف تماما ما الذي عليَّ ألا أفعله، لأنني أفعله بتعمُّدِ آخر قرية في الاكتراثات وعبق الأسف.

(7)

احتضنيني أكثر فالأمواج صحيحة ومُصابة.

(8)

هاكم هذا العرض الثرثار، المطنب، المسهب، المهذار لكتاب آلن دونو «نظام التفاهة»: كل كلمة في هذا الكتاب صحيحة بنسبة الشَّر إلى الإثم، وفي انتساب الإنسان إلى الناس.

(9)

التاريخ عَظْمٌ، والناس شحم، ولحم، ودم (والأهم من ذلك: الناس آهات).

(10)

أرتجلُ الشُّهداء في المجازات.

(11)

الحنين استعادة باهظة (بقصد القتل البريء فحسب).

(12)

الحب ضرورة من متطلبات اللِّسان (في الحياة اليوميَّة)، ومن زلّات النسيان (في الحياة الوجوديَّة).

الحب «صَنيع» (بمعنى: construct). والمعاجم والقواميس ليست قليلة.

(13)

أكتبُ كمن يمشي على حنجرته.

(14)

الخوف: كل ما لا يشعر به غيرك.

(15)

كلهم سيخسرون في مراهناتهم، لأنهم لم يراهنوا على أنفسهم أولا.

(16)

أرتجفُ في الطرقات التي كما كتفيك.

(17)

ليس هناك شيء اسمه «الحقيقة».

«الحقيقة» وجدها كثيرون قبلك (كوبرنكوس، نيوتن، آينشتاين، داروِن، إلخ).

ومع ذلك فإن عثرتَ على «الحقيقة» بالصدفة التي ستقتلك، فعليك ألا تخبر بذلك أي أحد.

(18)

لم يفتحوا له الخزانة كي يموت مع الذين في طور الهلاك، أو كي يُؤخَذ على بساط الريح.

(19)

التُّقْيَة في تلك البلاد هي ألا ترى إلى نفسك.

(20)

الصباح الذي يعقب شجارا حدث طوال الليل مع من تحب ليس إلا علامة أخرى من علامات قيام الساعة.

انتبه، لكن ليس أكثر مما ينبغي؛ فالساعة «آتية لا ريب فيها».

(21)

قُبَّعةٌ فوق الغيمة

أوشكُ على الشِّعر

أنا خائف.

(22)

أكتب كلمة واحدة في كل خمسين دهرا (ولا أتذكر الباقي).

(23)

ليس كمثله أحد، شبيهك.

(24)

مهمة أن تكون نبيلا دوما، ومتساميا على طول الخط، وأخا للجميع، ومتسامحا مع الكل، وفوق الصغائر، وكاظما للغيظ في كل الأوقات والظروف، ومتجاوِزا للتُّرَّهات والسفاسف، إلخ، متروكة بغير أدنى تأنيب للضمير إلى الجيل القادم من الإنسان الآلي الذي لن أسمح له أبدا التعامل مع ذاكرتي.

(25)

لم يعد أحد يستحي، أليس كذلك؟

(26)

الأطفال والحيوانات أفضل وأرقى المحبِّين في هذا الكوكب: لا يتحدثون عن الحب، بل يفعلونه رغم أنف كل المعاجم والقواميس.

(27)

الذكريات: مهنة النبلاء والعاجزين.

(28)

أحد الكُتَّاب المبجَّلين لا تزال لديه مشكلة عسيرة في الحساب: لا يزال يعتقد أن عدد سكان بلاده يتكون من اثنين من الأنفس فقط (هو، وحاكم البلاد).

من فضلكم أرجو أن تطلعوه على الإحصاء السُّكاني الأخير.

(29)

الليل ليل

والنهار يرضع في قبرك.

(30)

يا هذا: أسوأ طريقة للانتحار هي التفكير بطريقة جديدة للانتحار.

لكني، مع ذلك، سأساعدك.

(31)

لا يقين بالنصر، بل ثقة في المقاومة (أقصد: الاستبسال في المستحيل، لأجل المستحيل تحديدا).

(32)

الشَّتيمة: قُصورٌ عن القول، وعجز عن اللغة، وآخر حلقوم للسماء، وفضيلة العصافير.

(33)

كلُّ كلمة وعد. كل وعد مهانة. كل مهانة حَشْرٌ. كل حَشْرٍ هو فيلم «القيامة الآن» (فرانسِس فورد كوبولا، الولايات المتحدة الأمريكيَّة، 1979، اتكاءً على رواية «قلب الظلام» لجوزيف كونراد).

(34)

الرجل السعيد الذي يضحك كثيرا أدار محرك سيارته وهو يضحك للمرة الأخيرة.

(35)

أجمل ما في بعض الأخطاء أنها لا يمكن تصحيحها أبدا. إنها مثل كل شيء عظيم ومدهش لا يحدث إلا مرة واحدة فقط.

(36)

في هذا الاكتشاف المتأخر ترى أنك طوال نصف قرن من الزمن تقريبا كنتَ تُجبر طاقة العنف على أن تنسحب إلى داخلك بصمت وتهذيب، وذلك من باب «الاحترام»، و«التقدير»، و«المراعاة»، و«الصبر»، و«الصفح» إلخ من ركاكات. وبذلك فإنك ارتكبت خطأين.

الأول هو أنك سمحت لنفسك أن تنسحق طوال عقود خمسة من الزمان لأنك راعيت خارجك (الذي هو شأن الآخرين) أكثر مما كنت أمينا على داخلك (الذي هو مسؤوليتك وحدك).

الثاني هو أن من تكتسحهم بانتقامك الشنيع الآن قد نسوا (تقريبا) أنهم أساؤوا لك.

(37)

في هذه الحال، النوم أقصى درجات اليقظة:

«عندما كان الحارس ينام/ كنتُ ألكُزُه» (قاسم حدَّاد).

(38)

ستبدأ معاركهم الفاصلة حين يصبحون من سكّان اللحود، وفي ذلك ما يطمئن إلى النهايات والنتائج.

(39)

كُتل السُّحب البيضاء جميلة وهي منغمسة في الزرقة، لكنها ستتبدد وتزول كما هو مصير كل جميل منغمس في السِّحر.

(40)

الظلال ذروة الرحلة (والعكس صحيح أيضا، يا للمفارقة).

(41)

طويلة هي القيامة لأن تلك النخلة الطويلة ماتت.

(42)

يهتف الذي عاد من هناك: لم أجد شيئا ولا أحدا، إلا أنا؛ فلا تذهبوا إلى هناك.

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني