Ashuily.com

لا أدري بأي حكاية أبدأ السرد، فكل الحكايات تفضي إلى نهاية واحدة عندما يتعلق الأمر بحكايات عُمان الإنسان والمكان، التي اكتملت فصولها واتضحت معالمها بافتتاح أعظم الصروح الثقافية والمعرفية والمعمارية متحف «عُمان عبر الزمان» بالرعاية السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، الذي أخذ على عاتقه من أول يوم تسلم فيه الحكم بالسير على خطى المؤسس لنهضة عُمان الحديثة المغفور له السلطان قابوس - طيب الله ثراه- وإتمام المشروعات الثقافية والحضارية، التي توجت ببناء الدولة الحديثة بمنظومة ثقافية وحضارية ترتكز على الفنون والآداب باعتبارها الأداة الناعمة والقوة الخفية التي تخاطب فيها الدول شعوب العالم المختلفة.

أول الحكايات تعود بالزمن إلى الوراء حين وثق «المتحف العُماني»، الذي افتتح في عام 1974 حكايات العمانيين عبر تاريخهم الضارب في عمق الأرض منذ الألفية الثالثة، وما بعدها مبرهنا على ذلك بلقى أثرية ومقتنيات نحاسية ونقوش صخرية قديمة ومخطوطات ووثائق وبعض من ملامح الحياة الحديثة في العمارة والمباني والفنون التقليدية، تلى ذلك سلسلة من حكايات المتاحف، التي تؤرخ للإنسان والمكان والبيئة والتضاريس والحياة الاجتماعية والسكانية لتنتظم سلاسل المتاحف العُمانية باثنين وعشرين متحفا، عشرة منها تشرف عليها الحكومة، واثنا عشر غيرها كمتاحف خاصة. وتوجت هذه السلسلة بواسطة العقد بأجمل المتاحف وأفخرها وأكبرها وأهمها على الإطلاق متحف «عُمان عبر الزمان»، الذي جمع كل مكنونات الحضارة العُمانية منذ نشأتها وحتى اللحظة بقاعتين ضخمتين، الأولى سميت بـ«قاعة التاريخ»، والثانية «قاعة عصر النهضة»، حيث تضم القاعة الأولى تسعة أجنحة، تنقل الزائر في تطواف جميل عبر الحقب الزمنية المختلفة، بدأ من حكاية «أرض عُمان» التي تشكلت قبل ثمانمائة مليون سنة، مرورا بالحقب الزمنية المختلفة في العصر الحجري، والبرونزي ودخول الإسلام إلى عُمان ودولة اليعاربة والدولة البوسعيدية والوجود العُماني في شرق إفريقيا، إلى كثير من التفاصيل التي لا يمكن وصفها بقلم، بل يجب معايشتها على أرض الواقع، حيث تخطو برجلك متنقلا بين فترات التاريخ متأملا حياة الإنسان القديم ومتطلعا إلى حياة الإنسان الحديث، حيث خصصت له قاعة كبيرة «قاعة عصر النهضة» وكأن الانتقال بين القاعتين هو انتقال زمني وانتقال مكاني، فأجنحة القاعة الحديثة تضم اثني عشر جناحا تأخذك في تطواف جميل آسر بين جنبات الحياة العمانية المعاصرة، والجهود التي بذلت في مجالات التعليم والصحة والإعلام من خلال عرض خلاب يحوي كل خلاصات التقنية الحديثة من شاشات عملاقة تفاعلية وأفلام بتقنيات ثلاثية الأبعاد، وعرض لكثير من المقتنيات والمتعلقات الشخصية للسلطان الراحل كجوازات السفر والبطاقة الشخصية والسيارة التي أقلته يوم وضع حجر الأساس لهذا المعلم الفريد في مارس من عام 2015.

ثاني الحكايات التي خطها الإنسان وشهد عليها المكان هي حكاية الأرض العُمانية، التي تفاخر اليوم دول العالم بأيقونتها العالمية من فئة المتاحف الدولية، كاللوفر في باريس ومتحف البوليتان في نيويورك والمتحف البريطاني في العاصمة لندن، حيث تصميمه المستمد من البيئة العُمانية ومحاكاته جبال عمان الشماء وطابعه ومعماره وهندسته الفريدة، وهو ما يدلل على العراقة والحضارة والإرث والتاريخ العُماني الموغل في القدم، وبافتتاحه تضاف إلى المنظومة الثقافية العُمانية ركيزة جديدة تقف جنبا إلى جنب مع شواهد الفنون والآداب المتمثلة في دار الأوبرا السلطانية، وجائزة السلطان قابوس للآداب والفنون، وسلسلة من المتاحف والبيوت الأثرية، كلها تحكي قصة واحدة هي قصة هذا الإنسان وهذه الأرض.