ما زال تاريخ نشأة الكتابة غير محدد على وجه الدقة، لكن لا يمكن إلا اعتبارها علامة فارقة من علامات الحضارة وتطور الأمم حين تقاس بالكتابة مهما بدت بدائية لا يمكن حصر أدواتها أو إدراك جذورها الأولى، ومما لا شك فيه أن الكتابة المسمارية السومرية في بلاد الرافدين والهيروغليفية في مصر كانتا من أوائل أشكال الكتابة الموثقة تاريخيا، بداية من الألواح الطينية المستخدمة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنوات قبل الميلاد، فمنهم من يرجعها إلى 3000 سنة، ومنهم من يقول بأنها تزيد عن 5000 سنة قبل الميلاد.
تلك الألواح الطينية السومرية تضمنت نقوشا مسمارية أشارت كلها إلى المسمار بديلا أولا للقلم وسيلة للكتابة، تبعها الخط الهيروغليفي متضمنا الصور المنقوشة كذلك والمأخوذة من البيئة كصور الطيور والحيوانات و بعض أجزاء جسم الإنسان، ثم تطورت الكتابة لتنتقل من الألواح الطينية والمعدنية والجدران إلى ورق البردى الذي ارتبط بالكتابة وتوثيقها على الورق، وتنتقل أداة النقش من المسمار والأدوات الحادة للرسم إلى الحبر في القرن الرابع قبل الميلاد حتى ظهور الأبجدية لاحقا لدى كثير من شعوب حوض سيناء وبلاد الشام والمكسيك، وهكذا مرّت الكتابة بمراحل كثيرة خلال عصور متعددة، وحضارات متنوعة حتى أصبحت كما نعرفها اليوم، بدءًا من الصور، والرسومات، وصولًا للأبجدية.
وكما أن الطين كان مادة أولى عُرِف فضاءً للكتابة الأولى فإن عود القصب كان القلم الأول رفيقا للطين الرطب ووسيلة لتوثيق النقش في الطين قبل جفافه الموثق للمكتوب بعدها. كانت الكتابة في كل أشكالها الأولى مثار إعجاب المؤرخين عبر الزمن وهو ما حدا بالمؤرخين اليونانيين لوصف الكتابة «الهيروغليفية» مثلا بالكتابة المقدسة لشدة إعجابهم بالصور التي تمثل الكلمات والصور التي تمثل الأصوات؛ إذ كلمة «هيروغليفية»هي كلمة يونانية ليست مصرية ومعناها النقش المقدس.
وتمضي الكتابة في توثيق جمالياتها وتعكس حضارة مستخدميها من شعوب مختلفة في المشرق بين بلاد الرافدين ومصر وكتابة شانغ الصينية أو المايا في أمريكا الوسطى أو اليونان، كما تمضي في تطورها معتمدة على تمثيل الأصوات والكلمات والذكريات عبر نقش الرموز المعبرة عن كل ذلك، مؤكدة دون إعلان قدرة المتلقي على قراءة تلك الرموز المعبرة المنقوشة.
حرص الإنسان على الكتابة بأشكالها المختلفة ومراحلها المتنوعة هو حرصه على البقاء أولا، ثم على توثيق الأثر، فكان التوثيق هدفا أولا للكتابة مع رغبته الفطرية في التواصل عبر ابتكار مشتركات كان يجدها في ما ينقش من رموز أو صور على الطين أو المعدن أو الحجارة رغبة أكيدة في إرسال رسالة لعابر سيمر بهذه النقوش وتلك الصور.
ثم تأتي بعدها رغبته في نقل المعرفة المتمثلة في الكتابة والمتضمنة للتوثيق بطبيعة الحال حين يترك لك (كقارئ) ما يشير إلى تاريخ مبنى عمراني، أو تفاصيل حدث تاريخي، أو توثيق ذكرى شخصية، لتتجاوز هذه المعرفة وهذا التوثيق لاحقا مساحات المعلومة المجردة إلى مساحات من قراءة الذات عبر سرد المشاعر والأحاسيس وسيلة لمضاعفة جسور التواصل مع التلقي المأمول في أشكال مختلفة ومستويات متعددة.
ومع هذه المرحلة تتبدل وظائف الكتابة من مجرد التغذية المعرفية وتوثيق المعلومة إلى فضاءات الإمتاع وعوالم السرد والحكاية سواء كانت واقعا ماثلا أو متخيلا مصنوعا.
عبر كل هذه المراحل من التأريخ لنشأة الكتابة بوسائلها المختلفة ووظائفها المتباينة لا يمكن إلا النظر إليها باعتبارها ممارسة ينبغي تقديرها ومهارة لا يمكن إغفالها أو الاستهانة بها، كما لا يمكن ابتذالها واستهلاكها ممن لا يعي رسالتها، ولا يراعي قدرها، وليست اللغة في عموميتها هي الكتابة في منازلها الخاصة يقينا ولا ينبغي أن تكون.
تلك الألواح الطينية السومرية تضمنت نقوشا مسمارية أشارت كلها إلى المسمار بديلا أولا للقلم وسيلة للكتابة، تبعها الخط الهيروغليفي متضمنا الصور المنقوشة كذلك والمأخوذة من البيئة كصور الطيور والحيوانات و بعض أجزاء جسم الإنسان، ثم تطورت الكتابة لتنتقل من الألواح الطينية والمعدنية والجدران إلى ورق البردى الذي ارتبط بالكتابة وتوثيقها على الورق، وتنتقل أداة النقش من المسمار والأدوات الحادة للرسم إلى الحبر في القرن الرابع قبل الميلاد حتى ظهور الأبجدية لاحقا لدى كثير من شعوب حوض سيناء وبلاد الشام والمكسيك، وهكذا مرّت الكتابة بمراحل كثيرة خلال عصور متعددة، وحضارات متنوعة حتى أصبحت كما نعرفها اليوم، بدءًا من الصور، والرسومات، وصولًا للأبجدية.
وكما أن الطين كان مادة أولى عُرِف فضاءً للكتابة الأولى فإن عود القصب كان القلم الأول رفيقا للطين الرطب ووسيلة لتوثيق النقش في الطين قبل جفافه الموثق للمكتوب بعدها. كانت الكتابة في كل أشكالها الأولى مثار إعجاب المؤرخين عبر الزمن وهو ما حدا بالمؤرخين اليونانيين لوصف الكتابة «الهيروغليفية» مثلا بالكتابة المقدسة لشدة إعجابهم بالصور التي تمثل الكلمات والصور التي تمثل الأصوات؛ إذ كلمة «هيروغليفية»هي كلمة يونانية ليست مصرية ومعناها النقش المقدس.
وتمضي الكتابة في توثيق جمالياتها وتعكس حضارة مستخدميها من شعوب مختلفة في المشرق بين بلاد الرافدين ومصر وكتابة شانغ الصينية أو المايا في أمريكا الوسطى أو اليونان، كما تمضي في تطورها معتمدة على تمثيل الأصوات والكلمات والذكريات عبر نقش الرموز المعبرة عن كل ذلك، مؤكدة دون إعلان قدرة المتلقي على قراءة تلك الرموز المعبرة المنقوشة.
حرص الإنسان على الكتابة بأشكالها المختلفة ومراحلها المتنوعة هو حرصه على البقاء أولا، ثم على توثيق الأثر، فكان التوثيق هدفا أولا للكتابة مع رغبته الفطرية في التواصل عبر ابتكار مشتركات كان يجدها في ما ينقش من رموز أو صور على الطين أو المعدن أو الحجارة رغبة أكيدة في إرسال رسالة لعابر سيمر بهذه النقوش وتلك الصور.
ثم تأتي بعدها رغبته في نقل المعرفة المتمثلة في الكتابة والمتضمنة للتوثيق بطبيعة الحال حين يترك لك (كقارئ) ما يشير إلى تاريخ مبنى عمراني، أو تفاصيل حدث تاريخي، أو توثيق ذكرى شخصية، لتتجاوز هذه المعرفة وهذا التوثيق لاحقا مساحات المعلومة المجردة إلى مساحات من قراءة الذات عبر سرد المشاعر والأحاسيس وسيلة لمضاعفة جسور التواصل مع التلقي المأمول في أشكال مختلفة ومستويات متعددة.
ومع هذه المرحلة تتبدل وظائف الكتابة من مجرد التغذية المعرفية وتوثيق المعلومة إلى فضاءات الإمتاع وعوالم السرد والحكاية سواء كانت واقعا ماثلا أو متخيلا مصنوعا.
عبر كل هذه المراحل من التأريخ لنشأة الكتابة بوسائلها المختلفة ووظائفها المتباينة لا يمكن إلا النظر إليها باعتبارها ممارسة ينبغي تقديرها ومهارة لا يمكن إغفالها أو الاستهانة بها، كما لا يمكن ابتذالها واستهلاكها ممن لا يعي رسالتها، ولا يراعي قدرها، وليست اللغة في عموميتها هي الكتابة في منازلها الخاصة يقينا ولا ينبغي أن تكون.