shialoom@gmail.com

من أصعب اللحظات التي تمر علينا في مواقف كثيرة، يتطلب منا أن نكون أكثر سموا في احترامنا لذواتنا هي عند ملاقاتنا للآخرين، وخاصة إذا كانت لأول مرة، وأقول إنها أصعب اللحظات، لأننا في أغلب لحظاتنا، نشعر أنفسنا بأننا رقم مهم وصعب، في الأوساط التي نعيشها، ونُقَيِّمُ أنفسنا كذلك على أننا ورقة خاسرة في هذه الأوساط إن لم نحظ بذلك التقدير والتبجيل، ولذلك قد نزعل، أو نترك مجلسا لا يشعرنا بهذه الأهمية، وهذه كلها أوهام، لا نحن أرقام مهمة، ولا أوراق رابحة، ولذلك عندما نراجع أنفسنا، وندرك هذه الحقيقة، نرتاح من ضغوطات نفسية كثيرة، كانت تكبل انشراحنا، وهدوءنا، وتسامينا الجميل، فقمة المكاسب أن يتصالح أحدنا مع ذاته.

وهل هناك ثمة ضرورة لأن نعيش شعور الأهمية لدى الآخرين، مع أن هؤلاء الآخرين لا يستحضرون كل هذه الأثقال النفسية التي نعيشها مع أنفسنا، ولا يرون فينا إلا أناسا عاديين، لا يحتاجوننا هم أصلا لأن نضع أنفسنا في هذه المنصة المتعبة، ولكن الذي يحدث أنه عندما نرى من الآخرين شيئا من الاهتمام، نكرس في المقابل قناعاتنا بذات الأهمية، ونُسِرُّ إلى أنفسنا بالقول: «لو أننا لا نشكل أرقاما مهما، وأوراقا رابحة فيما بينهم، لما اهتموا بنا هذا الاهتمام» ولذلك تتأصل قناعاتنا، ونعيش في أوهام الأهمية، والخوف كل الخوف عندما نصل إلى قناعات مطلقة بحقيقة هذا الشعور، ونعتمده منهجا يجب أن نقنع به أنفسنا.

وهذا لا يعني أن نتماهى إلى درجة تجعل الآخرين ينظرون إلينا باحتقار، أو ينزلوننا منزلة «من لا مكانة له «إنسانيا»، حيث لا تزال هناك مساحة فاصلة بين أن نخلق الاحترام لأنفسنا بلا تكلف، وبدون أن نشعر الآخرين بذلك، وبين أن نُسَوِّقْ هذا الاحترام ليكون أمرا واقعا على الآخرين، وننقل اهتمامهم بنا من الترحيب والاستحسان المقبول إلى درجة الوجوب، وإن شعروا بالتكلف في إبدائه لنا، ولنا في النهج النبوي الكريم الأثر الكريم، والقدوة الكبرى، حسب ما يشير إليه نص الحديث: «من أحب أن يتمثل الناس له قياما، فليبتوأ مقعده من النار» انتهى النص.

في زحمة هذا الشعور ننسى أننا أمام معادلة ليست صعبة، وهي أن تمرير أخلاقانا السامية على الآخرين، لا تحتاج إلى كثير من التسويق المبالغ فيه، فبمجرد ممارسات، وسلوكيات طبيعية بلا تكلف وبلا تقصد، سيقابلك الطرف الآخر بأكثر مما تتوقع، فالمهم أن لا تشعره بأنك صاحب ورقة رابحة في علاقته معك، لأن هناك ألف خيار متوفر من دونك، فالاحترام لا يجلب بقوة الممارسة المباشرة، وإنما يجلب ببساطتها، وعفويتها، وهذا لا ينفي الفهم الذي يذهب إليه المعنى الذي يشير إليه النص: «أنزلوا الناس منازلهم» فهناك أناس لهم منازل الشرف والتكريم؛ بصفاتهم التي عليها التي تمثل لهم حصانة اجتماعية معينة بحكم أحقيتها ومكانتها، والمناقشة هنا لا تذهب إلى هذا الجانب.

يبقى القول: إن احترام الذات لا يجلب بالقوة والتفاخر، وإنما يتهيأ للفرد من خلال مجموعة من المبادئ والخلق الرفيع الذي يكون عليه، حيث يستشعره الآخرون بدون أن يكون لصاحبه أي دور مباشر في تسويقه بالصورة التي يريدها هو، ولذلك سيلقى استحسانه ومكانته بين قلوب الآخرين قبل أمكنتهم.