بعد أن انفضّ السامر، وبسط الصمت نفوذه في مركز المعارض الدولية، إثر طيّ النسخة السابعة والعشرين من معرض مسقط الدولي للكتاب، جمع أصحاب دور النشر الكتب المتبقية من الكمية التي جلبوها للمعرض، وعبؤوها في «كراتين» ليعودوا بها من حيث أتوا، فيما عدنا إلى بيوتنا، ومكاتبنا، نقلّب الصور التي التقطناها مع أصدقاء وضيوف، وكتّاب، وقرّاء، ونسترجع الأيام التي مرّت في عجالة، كما هو الحال دوما مع الأيام الجميلة، وبعد استرداد الأنفاس، نتفقّد محتويات الأكياس التي حملنا فيها كتبا جديدة هي حصيلة مشترياتنا من المعرض، أو إهداءات المؤلّفين، وأصحاب دور النشر، لنبدأ مرحلة جديدة مهمّة هي مرحلة جني الثمار، وأعني مرحلة القراءة، لتكون تتويجا لهذا الحصاد السنوي، وإلّا فما فائدة السعي، والدوران، والبحث بين أجنحة المعرض على مدى ساعات طويلة!؟ ما جدوى الزيارات المتكرّرة للمعرض، وسعادة الظفر بكتاب كنّا نتمنّى حيازته؟
فقيمة الكتاب تتجلّى بقراءته.
الكتاب ليس قطعة ديكور تزين رفوف مكتبة البيت - لم تعد حاجة كمالية، فمكتبة البيت «ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ» كما يرى الكاتب ميخائيل نعيمة -وتبعا لذلك فالكتاب ضرورة، وهذه (الضرورة) لا تجعلنا نحرم قارئا نهما، أو باحثا من اقتناء كتاب هو بحاجة إليه باعتباره مرجعا، يقول بابلو نيرودا «لا تنتمي الأغاني لأولئك الذين يغنونها، بل للذين يحتاجونه» وعليه فالكتاب لمن يحتاجه أكثر من سواه.
والمؤسف، هناك كتب تظل محبوسة داخل مغلفاتها البلاستيكية، دونما مساس !
هذا الأمر يحدث كثيرا، خصوصا مع الكتب المجلّدة ذات الأغلفة السميكة، ومتى تُقرأ هذه الكتب، والبعض لم يقرأ الكتب التي اشتراها من دورة المعرض السابقة؟ وحين تسأله يتذرّع بضيق الوقت، فالأهم بالنسبة له حيازة وامتلاك الكتاب، وليس قراءته، والاستفادة من محتوياته، وهكذا تتراكم الكتب على الكتب، وتصير الجديدة قديمة، بفعل الزمن الذي هو في حركة دائمة، ومستمرّة، والقراءة هي التي تجعلنا نواكب هذه الحركة، وبالطبع هذه القراءة تحتاج إلى تخصيص وقت وعزلة فالانغماس بتفاصيل الحياة تأكل من جرف الوقت الذي نحتاجه للقراءة، وما زلنا نشاهد السياح وهم يتأبطون كتبهم أينما ذهبوا وذلك لأنهم تعودوا ذلك منذ المراحل المدرسية الأولى، حتى صارت نمط حياة يحافظون عليه. تقول فرجينيا وولف: «القراءة هي حياتي الأُخرى السرية، وملجأي الشخصي الذي أهرب إليه دائما».
ولكثرة الكتب، لا بدّ من وضع جدول للقراءة، هذا الجدول يعيننا على تنظيم عملية القراءة، وفق حاجتنا لتلك الكتب وأهمّيّتها بالنسبة لنا، وشغفنا، فبدون الرغبة في القراءة تصبح العملية ليست أكثر من إسقاط فرض، ولا تتجاوز التصفّح، دون استيعاب المحتوى، وهذا النوع من القراءة يمكن وصفه بالقراءة السطحيّة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا يمكن التعويل عليها، فكلّ كتاب هو «حياة كاملة»، ينبغي أن نعيشها، والقرّاء، كما يقول جورد أر.أر.مارتن: «يعيشون آلاف المرات قبل أن يموتوا، الشخص الذي لم يقرأ يعيش مرة واحدة فقط»، لذا ينبغي أن نذهب للعمق لتكون الفائدة أكبر، والقراءة -كما يقول الجاحظ-: «عقول غيرك تضيفها لعقلك»، وكلما أضفنا المزيد من (عقول الغير) زادت معارفنا، وثقافتنا، وصولا إلى مرتبة القارئ المثالي، الذي هو حسب تعريف المترجم الأرجنتيني ألبرتو مانغويل صاحب كتاب (تاريخ القراءة) وكتاب (ذاكرة القراءة) الملقّب بـ«الرجل المكتبة» هو القارئ الذي يقوم بـ«تفتيت النص إلى قطع ويزيل جلده، ويتعمق فيه حتى النخاع، ويتبع مسار كل شريان وعرق، ومن ثم يشكل كائنا حيّا جديدا»، فهو يشارك في إنتاج النص، عكس القارئ السلبي الذي يكتفي بدور التلقي، وتكون القراءة أكثر فاعلية «عندما تصبح كتابة» كما يقول رولان بارت»، ويكون (القارئ الفاعل) مثل نحلة تتنقل بين الأزهار لتجني بعد ذلك العسل.
وفي الأحوال كلّها، تفتح لنا القراءة آفاقا أكثر اتساعا، هذه الآفاق هي التي تشدّنا لعالم الكتب.
عبدالرزاق الربيعي كاتب وشاعر عماني ونائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي
فقيمة الكتاب تتجلّى بقراءته.
الكتاب ليس قطعة ديكور تزين رفوف مكتبة البيت - لم تعد حاجة كمالية، فمكتبة البيت «ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ» كما يرى الكاتب ميخائيل نعيمة -وتبعا لذلك فالكتاب ضرورة، وهذه (الضرورة) لا تجعلنا نحرم قارئا نهما، أو باحثا من اقتناء كتاب هو بحاجة إليه باعتباره مرجعا، يقول بابلو نيرودا «لا تنتمي الأغاني لأولئك الذين يغنونها، بل للذين يحتاجونه» وعليه فالكتاب لمن يحتاجه أكثر من سواه.
والمؤسف، هناك كتب تظل محبوسة داخل مغلفاتها البلاستيكية، دونما مساس !
هذا الأمر يحدث كثيرا، خصوصا مع الكتب المجلّدة ذات الأغلفة السميكة، ومتى تُقرأ هذه الكتب، والبعض لم يقرأ الكتب التي اشتراها من دورة المعرض السابقة؟ وحين تسأله يتذرّع بضيق الوقت، فالأهم بالنسبة له حيازة وامتلاك الكتاب، وليس قراءته، والاستفادة من محتوياته، وهكذا تتراكم الكتب على الكتب، وتصير الجديدة قديمة، بفعل الزمن الذي هو في حركة دائمة، ومستمرّة، والقراءة هي التي تجعلنا نواكب هذه الحركة، وبالطبع هذه القراءة تحتاج إلى تخصيص وقت وعزلة فالانغماس بتفاصيل الحياة تأكل من جرف الوقت الذي نحتاجه للقراءة، وما زلنا نشاهد السياح وهم يتأبطون كتبهم أينما ذهبوا وذلك لأنهم تعودوا ذلك منذ المراحل المدرسية الأولى، حتى صارت نمط حياة يحافظون عليه. تقول فرجينيا وولف: «القراءة هي حياتي الأُخرى السرية، وملجأي الشخصي الذي أهرب إليه دائما».
ولكثرة الكتب، لا بدّ من وضع جدول للقراءة، هذا الجدول يعيننا على تنظيم عملية القراءة، وفق حاجتنا لتلك الكتب وأهمّيّتها بالنسبة لنا، وشغفنا، فبدون الرغبة في القراءة تصبح العملية ليست أكثر من إسقاط فرض، ولا تتجاوز التصفّح، دون استيعاب المحتوى، وهذا النوع من القراءة يمكن وصفه بالقراءة السطحيّة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا يمكن التعويل عليها، فكلّ كتاب هو «حياة كاملة»، ينبغي أن نعيشها، والقرّاء، كما يقول جورد أر.أر.مارتن: «يعيشون آلاف المرات قبل أن يموتوا، الشخص الذي لم يقرأ يعيش مرة واحدة فقط»، لذا ينبغي أن نذهب للعمق لتكون الفائدة أكبر، والقراءة -كما يقول الجاحظ-: «عقول غيرك تضيفها لعقلك»، وكلما أضفنا المزيد من (عقول الغير) زادت معارفنا، وثقافتنا، وصولا إلى مرتبة القارئ المثالي، الذي هو حسب تعريف المترجم الأرجنتيني ألبرتو مانغويل صاحب كتاب (تاريخ القراءة) وكتاب (ذاكرة القراءة) الملقّب بـ«الرجل المكتبة» هو القارئ الذي يقوم بـ«تفتيت النص إلى قطع ويزيل جلده، ويتعمق فيه حتى النخاع، ويتبع مسار كل شريان وعرق، ومن ثم يشكل كائنا حيّا جديدا»، فهو يشارك في إنتاج النص، عكس القارئ السلبي الذي يكتفي بدور التلقي، وتكون القراءة أكثر فاعلية «عندما تصبح كتابة» كما يقول رولان بارت»، ويكون (القارئ الفاعل) مثل نحلة تتنقل بين الأزهار لتجني بعد ذلك العسل.
وفي الأحوال كلّها، تفتح لنا القراءة آفاقا أكثر اتساعا، هذه الآفاق هي التي تشدّنا لعالم الكتب.
عبدالرزاق الربيعي كاتب وشاعر عماني ونائب رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي