Ashuily.com

في حربها الأخيرة التي أكملت العام مؤخرا، لم تستطع روسيا بآلتها العسكرية العتيدة كسب الحرب ضد أوكرانيا الأصغر منها حجما وعدة وعتادا، وعلى الرغم من المكاسب التي حققتها جيوشها على الأرض إلا أنها لم تستطع حسم أمر الحرب التي تنبأ المحللون السياسيون والعسكريون بأنها لن تزيد على الأشهر الثلاثة الأولى منذ شنها. يبقى السؤال هنا لماذا لم تستطع روسيا إنهاء الحرب على الرغم من قدرتها العسكرية الجبارة؟

أحد أسباب إطالة أمد هذه الحرب هو استخدام ما يسمى بالقوة الناعمة في مواجهة القوة الخشنة، حيث تمكنت أوكرانيا وحلفاؤها من استخدام هذه القوة الناعمة في حين فشلت روسيا في توظيفها لمصلحتها مما أسهم في إيجاد تعاطف عالمي كبير لدى أوكرانيا ورئيسها الذي استفاد من خبراته السابقة كونه ممثلا تلفزيونيا في إقناع العالم بتقديم الدعم العسكري واللوجستي اللازم في مواجهته لروسيا.

الإعلام بكل أشكاله وألوانه وأصنافه هو الذي له اليد الطولى في القوة الناعمة، فقد كان محورا رئيسيا في إدارة هذه الحرب، حيث لم تستطع روسيا رغم كل الجيوش الميدانية والعسكرية والإلكترونية توظيف الإعلام لمصلحتها سواء لتسويغ موقفها من شن الحرب أو من نقل مجريات الحرب التي تجري على الأرض لحظة بلحظة لأسباب عدة لعل أولها عامل اللغة، فاللغة الروسية وإن كانت تعد لغة عالمية إلا أن من يتحدث بها لا يزيد على مائة وخمسين مليون شخص حول العالم وإذا ما قورنت باللغة الإنجليزية التي يزيد عدد متحدثيها على ثلاثمائة وخمسين مليون نسمة فإن نسبة ما يتم بثه عن هذه الحرب في جميع وسائل الاتصال والتواصل جلها باللغة الإنجليزية، وحتى لو سلمنا بأن اللغة لم تصبح اليوم عائقا في سبيل إيصال الرسائل الإعلامية إلا أن الروس ولغتهم لم يستطيعوا الوصول إلى العالم الحقيقي والإلكتروني لإيصال رسائلهم الإعلامية بشأن الحرب واستطاعت الدولة الصغيرة وبمساعدة حلفائها توظيف الإعلام وقوته الناعمة في إيصال رسائل التعاطف من تلك الجمهورية الواقعة على الضفاف الشمالية للبحر الأسود.

الاقتصاد والذي هو جزء لا يتجزأ من استراتيجيات القوة الناعمة وتفرد له مؤشرات القوة الناعمة مساحة كبيرة في تقييم تقدم الدول وتأخرها في مؤشرات القوة الناعمة ضمن سبعة عناصر أخرى من بينها الإعلام والتعليم والعلوم، والثقافة والتراث والعلاقات الدولية، والحوكمة، والتجارة والاستثمار، وقيم الشعوب. استطاعت أوكرانيا بفضل العقوبات الاقتصادية التي فرضها حلفاؤها من الغرب على روسيا من ثنيها عن مواصلة زحفها وتوغلها داخل الأراضي الأوكرانية إضافة إلى استخدام مزيج من القوة الخشنة بالتهديد والقوة الناعمة بالترغيب في ثني بعض الحلفاء عن شراء الغاز الروسي أو زيادة العتاد العسكري لبلدانها، كما حدث مع ألمانيا وأيضا ما حدث مع فنلندا والسويد في تسريع رغبتهما في الانضمام إلى حلف الناتو عقب ما حدث مع أوكرانيا.

استخدام القوة الناعمة غدا مطلبا عالميا حتى في أوقات شن الحروب الخشنة، وفي وسط الأزمات والكوارث وباتت الدول تتنافس على استخدام هذا النوع من التأثير على الآخر لما وجدته من فائدة تعود عليها في الأمد الطويل، فكما يقول جوزيف ناي الذي ينسب إليه هذا المصطلح من أن تأثيرات القوة الناعمة يكون بطيئا وغير مباشر، ويحتاج إلى وقت طويل لجني ثماره على عكس استخدام القوة المفرطة التي يكون تأثيرها مباشرا، إلا أن النتائج التي يمكن أن تجنيها الدول من استخدام هذه القوة يستمر على مدى عقود طويلة من الزمان وتظهر آثارها على الاقتصاد والسياسة والسياحة وسمعة الدولة، وهذا ما نحن بحاجة إلى التركيز عليه في صنع قوة عمانية ناعمة نغزو بها العالم باستخدام وسائل الإعلام والثقافة والتراث والعلاقات الدولية والتجارة والاستثمار ووضع خطط واستراتيجيات وسياسات تهدف إلى خلق صورة حسنة عن سلطنة عمان لتجلب معها الكثير من المنافع السياسية والاقتصادية والسياحية، ولعل التقدم الذي أحرزته عُمان في مؤشر القوة الناعمة لهذا العام باحتلالها المركز 46 عالميا متقدمة بثلاث نقاط عن العام السابق يوحي بأننا في اتجاه تحسين قوتنا العمانية الناعمة.