ما الذي يشغلني ويشغلك؟ إنها مجموعة من الأحداث اليومية المتسارعة من هنا وهناك؛ حتى لا تكاد تستوعب الحدث الأول إلا ويصدمك الحدث الثاني، بفضاعته أحيانا؛ تبدأ معنا منذ أن تشرق شمسنا؛ وإلى حين مغربها؛ مساحة من اللهاث، ومن شد الأعصاب، ومن احتراق المشاعر، ومن هزائم الأنفس، ومن توغلات اليأس القاتلة، والمهزومة في آن واحد، حيث لا تزال آمالنا كبيرة، باتساع الأفق، بأن ما سوف يأتي سيكون الأفضل؛ على الرغم من فرصها المنقوصة، ولذلك نحن نتشبث بالزمن المفضي إلى الأمل؛ لا اليأس، ونؤجل؛ في كثير من الأحيان مشاريعنا إلى الغد، على أمل أن الغد سيكون أكثر تفاؤلا، وأكثر اتساعا لمجمل ما نحلم به، وما نطمح إليه، ولو أن الغد مغيب عن حاضرنا؛ حتى هذه اللحظة؛ حيث تحل المفاجآت، ولو كان الغد ماثلا أمام أعيننا، لما كانت أحداثه مفاجآت، فما بين الحاضر ثمة مفاجآت قد تكون سارة، وقد تكون محزنة، مع اليقين أن ما يسرنا كثير، وما يؤلمنا أقل، ولكن لأن وقع الألم شديد، فلذلك نستثقله، ولا نتمناه إطلاقا.

في مساحة قصيرة؛ كما نقيمها؛ تتزاحم الأحداث وتتدافع؛ وجلها مؤلمة كما نعتقد؛ والإنسان هو من يفتعلها، وهو أول من يدفع أثمان نتائجها، فما بين أحداث طبيعية، وما بين أحداث بشرية مفتعلة وبعضها متجذرة، يتقوى فيها الإنسان على أخيه؛ ما كان لها أن تحدث لو أن الإنسان تريث قليلا عن رسم خطط حدوثها، حرص الإنسان نفسه على أن تبقى، وأن تعمّر، وأن تستمر، وأن تحمل مآسيها وآلامها جيلا بعد جيل؛ ليس لشيء يستحق هذا العناء، ولكن فقط ليؤكد الإنسان تحكمه في أخيه، ويؤكد في قدرته على إحداث فارق أكثر إيلاما، وفي كل هذه التموضعات يظل الإنسان منهك القوى، يزداد تكورا على ذاته، ولا يترك لها استنشاق نفس هواء نقي صافٍ، لتتنقى به نفسه من الأكدار، ومن الآلام، ومن المحن.

الأحداث تتسارع لأننا؛ كبشر؛ ليس في مقدورنا أن نمسك بتلابيب تدافعها؛ فما إن تنطلق من عقالها كالسهام، يصبح من العسير تقنينها، فنمتزج في متونها شئنا أو أبينا، لا يفصلنا عن أكثرها إلا عمرا زمنيا؛ مقدرا؛ بين لحظتين: لحظة حدوثها، ولحظة انتشارها على امتداد الكرة الأرضية، هي عالمية بامتياز، وأن تخندقت على هويات محددة: وطنية، أو دينية، أو عرقية، أو جغرافية، أو مذهبية، أو جندرية، فهي تحمل راية عالمية محورها هذا الإنسان الذي لا يزال يمسك بتلابيب أسبابها، ومسبباتها، لا يكل ولا يمل، منذ بدء الخليقة؛ حيث حوار الجريمة الذي افتعله ابنا آدم في لحظة احتدام، كسبها إبليس -المستعاذ منه- وتسلسلت بعد ذلك إلى يومنا هذا، فماذا كسب الإنسان منذ ذلك التاريخ، وإلى هذا التاريخ، سوى المآسي، والأحقاد، والضغائن، والشرور، ولا يزال يكيل بمكيالين إمعانا في الإصرار على السير قدما في ذات الاتجاه.

الأحداث تتسارع؛ انطلاقا من فطرة الإنسان (وكان الإنسان عجولا) لأنه لا يستوطن الهدوء، إلا بالقدر الذي يفصله عن الحدث الآخر، يستعجل النتائج؛ يكاد قبل أن يفكر في الأسباب، هذه إشكالية موضوعية في علاقة الإنسان بما حوله، وما يسعى إليه، وما يفكر فيه، وفي الآخر يعود ليشتكي ويتشكى، من قسوة الظروف، ومن احتدام المخاطر.